الجمعة 09/مايو/2025

أبو مازن والمراسيم العبثية

د. يوسف محمود المنسي

لقد تناثرت الاتهامات وتزاحمت العناوين،عناوين متعارضة وآراء متناقضة، واتهامات متبادلة، فأين الحقيقة؟ لكن الحقيقة التي لا ولن نختلف عليها بالتأكيد هي حقنا المشروع في تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وبناءً على ذلك كانت المقاومة للاحتلال وتنوعت أشكالها وفقاً لتطور الأحداث، فظهرت الفصائل المقاومة وتعددت التيارات السياسية على الساحة الفلسطينية، وكلها ظاهرة صحية طالما تلاقت جميعها في الهدف الأكبر.

وحتى يكتمل المشهد الوطني الفلسطيني المتوحد في هدفه الأكبر، كان لا بد من أن تتناغم الأساليب وطرق العمل المقاوم في مشهد تكاملي، وأن يتعاظم الوعي المقاوم بكل أشكاله، لا أن يتصادم فيضعف بعضه بعضاً، كما حدث مع الأسف الشديد، بعد اتفاقية أوسلو، وليست أحداث 1996م منا ببعيد، ومع ذلك وفي كل مرة كانت المصلحة الوطنية تتغلب ونضمد الجراحات ونبدأ في مرحلة جديدة من مراحل المقاومة ضد المحتل.

وجاء التوافق الوطني بضرورة تعميق المشاركة السياسية بين مكونات الشعب الفلسطيني من خلال منظومته الشرعية الرسمية والمتمثلة في مكوناته الثلاثة: الرئاسة والمجلس التشريعي (البرلمان) والحكومة، وكانت الانتخابات الرئاسية والتي فاز بها الرئيس محمود عباس ليكون رئيساً لكل الفلسطينيين وليس للحزب أو الفصيل الذي ينتمي إليه، ثم جاءت الانتخابات التشريعية وبدعم واضح من رئيس السلطة الفلسطينية في مشهد يسجل له في التاريخ كما كانت هذه الانتخابات نموذجاً مشرفاً شهد العالم كله بنزاهتها وشفافيتها، وفازت حركة حماس بالأغلبية البرلمانية، وقررت تشكيل أول حكومة وحدة وطنية من كل الطيف الفلسطيني لتحقيق المشاركة الفاعلة لكل القوى والفصائل والأحزاب للمشاركة في هذه المرحلة الحساسة من مراحل التحرر الوطني الفلسطيني.

وكانت المفاجئة هي الاختلاف الفلسطيني الفلسطيني والمقاطعة الشاملة للكتلة الفائزة والتي لم تجد أمامها من خيار سوى تشكيل الحكومة الفلسطينية (العاشرة) من طيف واحد، وقامت الأرض ولم تقعد في مواجهة معلنة ومتدرجة محلياً وعالمياً ضد التجربة الجديدة، وحاصرها العدو والصديق، وقاطعتها معظم الأنظمة الرسمية، سعياً لإجهاض هذه التجربة، حتى لا تكون نموذجاً تسعى إليه شعوب المنطقة، وهنا جاء دور التيار الذي نبت من تداعيات أوسلو والذي كان يعمل بأجندة معادية، جاء دوره وبدعم علني من العديد من الأنظمة الرسمية وبتسهيلات إسرائيلية ودعم غربي وأمريكي، فتحت أمامه كل المغاليق ومهدت له كل الطرق، فكبر وتعاظم، وسالت على يديه وبسببه الدماء الفلسطينية، وأصبح يشكل خطراً حقيقياً على القضية الفلسطينية برمتها، وقاد عملية التمرد والعصيان المدني والفلتان الأمني المنظم تنفيذاً لدعوة مرشدته الروحية ( كونداليزا رايس) والتي أسمتها بالفوضى الخلاقة.

وجاءت المبادرات المخلصة للتوفيق بين الفرقاء الفلسطينيون وكان من أشهرها وثيقة الأسرى والتي تطورت إلى وثيقة الوفاق الوطني، واتفاقية القاهرة وكذلك اتفاقية مكة المكرمة، وكان مع كل اتفاقية يستبشر الفلسطينيون ومعهم كل أحرار العالم، ولكن التيار الخارج عن الصف الوطني تمادى في غيه وبدأ يعمل في العلن ووعد بإجهاض كل محاولة صادقة للإصلاح والكل سمع بعضاً من وعيده “بأن يرقصهم خمسة بلدي”، والكثير مما لا يليق بنا تسجيله في هذا المقام.

ومع ذلك وبضغوط من المخلصين والأحرار في كل العالم وبناءً على اتفاق مكة المكرمة الذي تم برعاية خادم الحرمين الشريفين تشكلت أول حكومة وحدة وطنية والتي مثلت حوالي 96% من الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، واستبشر الجميع أننا أمام انتصار تاريخي للشرعية الفلسطينية، لكن ذلك أثار في نفوس أعداء القضية الفلسطينية الحقد الدفين وحركوا بأصابعهم الخفية وبأموالهم وإمداداتهم السرية والمعلنة، حركوا أعوانهم ذلك التيار الذي وجد ضالته في هذا الدعم الغير محدود، وتحول قطاع غزة لمصيدة تسيل فيها دماء الأطهار من أولياء الله أئمة المساجد  وقادة الفكر وأرباب القلم الحر من الصحافة حتى طالت أصحاب اللحية ورواد المساجد وسال الدم الفلسطيني وضاعت الحريات واتخذوا مقرات الأجهزة الأمنية ومقر الرئاسة منطلقاً لهم لتنفيذ مخططات سادتهم، وللأسف تلقوا الدعم والحماية الكاملتين من مؤسسة الرئاسة ومن الرئيس شخصياً.

لقد زوروا الحقيقة للرئيس محمود عباس فخطفوا منه الموقف ليصبح حامياً لهم، ومع تسارع الأمور وضياع الحريات وسيلان الدم الفلسطيني الطاهر في شوارع غزة فقد ضاع ما بقي من أمان، وهنا تعالت الأصوات المنادية للرئيس ولأحرار العالم طلباً لوقف هذا الفلتان الأمني المبرمج والذي خطط له (دايتون) رجل المخابرات الأمريكي وتقوده القيادات المتنفذة في الأجهزة الأمنية وخاصة جهازي أمن الرئاسة والأمن الوقائي، وللأسف لا مجيب وكأن الأحداث بالنسبة للرئيس أبو مازن لا تتعلق ببلده وكأنها تحدث في كوكب آخر.  

وتدحرجت الأوضاع في ميدان المواجهة في شوارع غزة وتصاعدت أحداث المعركة على الأرض ولا صوت نسمعه لرئيس السلطة وكأنه ينتظر النتيجة التي رسمها لهم (دايتون) وما علموا معنى قوله تعالى: “من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب”، فهذه الحرب قد أعلنها الله سبحانه وتعالى وهو الذي حسم نتيجتها نصرةً للمظلومين وإحقاقاً للحق، فكان ما كان من انهيار للأجهزة الأمنية، سقط أبناء دايتون وانتصر أبناء الوطن، وكان من المفترض أن يسعد الرئيس بتحرره منهم ليقود الشعب في مسيرة التحرر.

ولكن الطغمة الفاسدة ما زالت تحيط به إحاطة السوار بالمعصم وتزين له طريق الشر وتستعديه على شعبه، فيسارع بإصدار المراسيم الرئاسية المخالفة للدستور الفلسطيني ويضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات والتفاهمات الفلسطينية والتي تمت بمشاركات عربية ووطنية مخلصة، وكأنه لم يتعظ من التجارب السابقة، وينقل الفلتان الأمني للضفة الغربية، ويشكل حكومة غير شرعية بمقاسات حددها لهم (دايتون) الشرير ويسعى بهذه القرارات والمراسيم العبثية إلى تقسيم الوطن خدمة للأعداء وضياعاً للحق الفلسطيني والعربي والإسلامي، ويزين له مستشاريه من زبانية دايتون ما يتغول بها على الشرعية الفلسطينية.

في الوقت الذي يتهم حماس بالانقلاب على الشرعية، أما يدري عباس أن للناس عقولاً تفكر بها؟ فكيف لحماس وهي الأغلبية في الحكومة وهي الأغلبية في المجلس التشريعي وهي التي ما تراجعت عن الاعتراف بشرعية عباس رغم كل ما يفعله بها، فكيف نفهم انقلاب حماس على الشرعية؟ فهل انقلبت حماس على نفسها؟ أم أن الشرعية في مفهوم الرئيس عباس هي أفكار وأزلام الشرير دايتون؟ وأن الشرعية في قاموس عباس هي ابتزاز الناس في لقمة عيشهم وحرمانهم من الرواتب وتهديدهم بالفصل من وظائفهم إن خالفوا منهج دايتون والتزموا بالانضباط في مواقع عملهم؟

لقد آن الأوان لأن تنتبه يا سيادة الرئيس أبو مازن وأن تقرأ الأمور جيداً، فلتتحرر من الجوقة التي تحيط بك وتحول بينك وبين شعبك، ولتستجب لنداء إخوانك فالحوار غير المشروط مع أبناء وطنك لا عيب فيه مطلقاًً، ولكن العيب كل العيب أن تستجدي الحوار مع عدونا الذي تقطر يده بدمنا كل صباح ومساء، وترفض أن تحاور أخاك لمجرد أوهام وأكاذيب زينوها لكم، حين اتهموهم بالتخطيط لاغتيالك، وهم الذين حاولوا بل وشرعوا في عمليات اغتيال لرئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية ولعدد من الوزراء والقادة السياسيين والعسكريين، ولكن الله هو الذي سلم ولتعلم يا سيادة الرئيس أن هذه الأرض هي أرض مباركة لا يدوم فيها ظلم ولا ظالم، واعلم أن الحق منتصر بإذن الله، فالتاريخ لا يرحم فاغتنم الفرصة وتحيز لشعبك وللشرعية الصحيحة، ولتصنع عملاً يسطره لك التاريخ بحروف من نور وتلقى به الله وهو عنك راض.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...