الإثنين 12/مايو/2025

حماس.. إطلاق جونستون.. انقلاب فتح.. والاعتراف بإسرائيل

حماس.. إطلاق جونستون.. انقلاب فتح.. والاعتراف بإسرائيل

صحيفة الشرق الأوسط

كان إنقاذ حماس لصحافي الـ«بي بي سي» ألن جونستون من خاطفيه في الأسبوع الماضي، مدعاة للبهجة. ولكني أود أن أكون واضحاً بخصوص أمر واحد: لم يكن تسليم جونستون نوعاً من الخضوع للقوى الغربية. ولكنه تم في إطار جهودنا لحماية غزة من العنف وخروج المليشيات على القانون، بغض النظر عن المصدر.

وستصبح غزة هادئة وتحت حكم القانون، مكاناً يمكن فيه معاملة الصحافيين والأجانب وزوار الشعب الفلسطيني بكرامة. وحماس لم تؤيد أبداً هجمات على الغربيين، وهو ما يعترف به أكثر منتقدينا تشدداً، إن صراعنا يتركز دائماً على المحتل وعلى مقاومتنا الشرعية له، وهو حق للشعب المحتل تؤيده بوضوح معاهدة جنيف الرابعة. وبالرغم من ذلك يستمر الرئيس بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في ربط حركتنا بأيديولوجيات يعرفون تماماً أننا لا نتبعها، مثل أجندة القاعدة والمؤيدين لها. ولكننا لسنا جزءاً من حرب واسعة النطاق. فمقاومتنا ليست نيابة عن أحد، وإن كنا نرحب بدعم الشعوب في كل مكان من أجل العدالة في فلسطين.

إن الجهود الأميركية لإنكار إرادة الناخب الفلسطينية عن طريق تدمير حكومتنا الناشئة لن تنجح، بل إن انقلاب فتح الذي تم بمساعدة أميركية قد ضاعف مشاكل «حل الدولتين» الذي تؤيده واشنطن.

لقد عثر بوش، في تلك الآونة، على صديق مطيع في شخص أبو مازن، وهو «معتدل» من وجهة النظر الأميركية، ولكنه لا يمكن أن يحظى بثقة جادة من الشارع في غزة أو الضفة الغربية بعدما حصل على السلاح الأميركي والدعم الإسرائيلي لإسقاط حكومة منتخبة بالقوة. إننا نشجب التكهنات بخصوص «أرض فتح» و«حماسستان». وفي النهاية ستصبح هناك دولة فلسطينية واحدة. ولكن ماذا عن تشخيص الغرب لحركتنا الذي يتعدى الخطاب الحضاري؟ إن موقفنا «المتشدد» لا يمكن أن يكون في حد ذاته عاملاً يقضي بعدم صلاحيتنا، لأن العديد من الصراعات المسلحة انتهت، تاريخياً في قائمة الدول. ولا يمكن لأحد نفي معقولية قتالنا ضد الاحتلال وحق الشعب الفلسطيني في الكرامة والعدالة وحكم الذات.

ومع السنوات العديدة التي قضيتها منفتح الذهن على كل جوانب المسألة الفلسطينية، بما في ذلك الفترة التي قضيتها في سجن أميركي، انتظر «العدالة» الإسرائيلية ـ يطلب مني دائماً قبول حق “إسرائيل” الافتراضي «في الوجود» كشرط مسبق لمناقشة مظالم وإدانة موقف موجود في ميثاق حركة المقاومة الإسلامية الصادر في عام 1988، وهي وثيقة ثورية ناتجة عن الظروف التي لا تطاق تحت الاحتلال قبل 20 سنة.

إن نقطة «الاعتراف» المعرقلة ظلت تستخدم كوسيلة اختبار للحكم على الفلسطينيين. وكما قلت من قبل، يمكن أن يكون لدولة حق البقاء ولكن ليس على حساب دول أخرى أو، والأكثر أهمية، على حساب ملايين من البشر وحقهم في العدل. لماذا يجب على أي شخص قبول «حق» “إسرائيل” في البقاء بالرغم من أنها لم تقبل حتى الاعتراف بجرائم القتل والتطهير العرقي التي استولت بها على مدننا وقرانا، ومزارعنا وبســاتيننــا، وجعلتنــا دولـة من اللاجئين. لماذا «يعترف» أي فلسطيني بالجريمة البشعة التي ارتكبها مؤسسو “إسرائيل” وواصلتها دولة الابارتيد الشائهة الحديثة، في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون كل 10 في غرفة في أكواخ الأمم المتحدة المسقوفة بالصفيح؟ هذه ليست أسئلة مجردة، والموقف الرافض ليس ببساطة لأننا رفضنا التخلي عن ضحايا عام 1948 والأجيال اللاحقة منهم. أما بالنسبة لميثاق 1988، فإذا قيست أي دولة أو حركة بأساسها ووثائقها الثورية أو أفكار مؤسسيها سيكون هناك اتفاق جيد يلزم كل الأطراف. إعلان الاستقلال الأميركي، وما تضمنه من مبدأ المساواة الواضح، لم يوفر مثل هذا الوضع لحوالي 700000 من الرقيق الأفارقة في ذلك الوقت (على الأقل ليس في ذهن غالبية الموقعين عليه)، كما أن الدستور تحاشى النص على الرق كمؤسسة واعتبر «الأشخاص الآخرين» ثلاثة أخماس الرجل. “إسرائيل”، التي لم يحدث أن تبنت دستوراً خاصاً بها وظلت تعمل بدلاً عن ذلك من خلال التراكم البطيء للقوانين الأساسية وإعلان نفسها بصورة واضحة أنها دولة لليهود الوضع المميز فيها قائم على الدين في أرض بها ملايين العرب والمسلمين والمسيحيين.

كتابات مؤسسي “إسرائيل” ـ من هرتزل إلى جابوتنسكي إلى بن غوريون، نادت مراراً بالقضاء على سكان فلسطين غير اليهود: «يجب أن نطرد العرب ونحل محلهم».

هناك في الوقت الراهن عدد من الأحزاب السياسية التي تسيطر على كتل داخل الكنيست، وفي الوقت الذي تؤيد فيه طرد المواطنين العرب من “إسرائيل” وبقية فلسطين وإقامة دولة يهودية واحدة من الأردن حتى البحر، لم اسمع أي مطالبة من المجتمع الدولي ل”إسرائيل” بسحب هذه الكلمات كشرط ضروري لأي خطاب. التعامل بازدواجية المعايير يحدث دائماً مع الفلسطينيين فقط.

على المستوى الشخصي لا أشغل نفسي كثيراً بمسألة «الاعتراف» بحق “إسرائيل” في الوجود، فهذه على أية حال ليست مشكلة ابستمولوجية. “إسرائيل موجودة”.. هذه الجملة يمكن أن يقولها لكم أي طفل من رفح يرقد في سرير المستشفى إثر إصابته بشظية من قوات الدفاع الإسرائيلية. هذا الرفض المتبادل لا يعدو أن يكون صرفاً للانتباه في وقت يموت فيه كثيرون أو يعيشون كسجناء لجيلين في مخيمات اللاجئين. في الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور أسفر توغل “إسرائيل” في غزة عن مقتل 15 فلسطينياً آخر، بمن فيهم طفل. من الذي يجرؤ على مناقشة «حقوق» الشعوب في وجه عنف الدولة ضد سكان تحت الاحتلال.

أتطلع إلى اليوم الذي يمكن أن تقول لي فيه “إسرائيل” ولملايين الفلسطينيين: «هذا هو بيت أسرتكم بالقرب من البحر، وهذه أشجار الليمون خاصتكم ومزرعة الزيتون التي كان يرعاها والدكم: عودوا إلى الوطن وعيشوا مع بعضكم بعضاً مرة أخرى». عند ذلك يمكن أن نتحدث عن مستقبل يجمعنا معاً.

* نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»

خدمة لوس أنجليس تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات