الجمعة 09/مايو/2025

الرئيس الحردان

رشيد ثابت

لا يمكن فهم الخطوات المتتابعة لمحمود عباس على أنها جزء من مشروع سياسي ذي بال؛ أو أنها على طريق تحقيق هدف سياسي حقيقي. الرجل لا ينفك يتخبط ويمارس “تخبيصا” سياسيا أشبه بردات أفعال الأطفال حين تأخذ منهم اللعبة أو حين تكف أيديهم عن الحلوى. لكن هل هذا حقا أمر مستنكر منه؟ وهل هو غريب على سيرة الرجل السياسية؟

محمود عباس مارس مثل هذا الحرد مع ياسر عرفات سابقا. ياسر عرفات الذي أدخل الرجل و”زقَّه” وحشره في اللجنة التنفيذية حشرا وسواه مسؤولا من لا شيء؛ ومن دون تاريخ نضالي؛ ومن دون إقامة في الخنادق؛ ومن دون قيمة سياسية أضافها – ياسر عرفات هذا جزاه عباس جزاء سنِمَّار؛ فكان الختيار عرضة للعواقب الوخيمة للحرد الذي مارسه “ناكر الجميل”.

كان رئيس الوزراء المفروض على أبي عمار فرضا يعلن أن الصلاحيات لم تمنح له؛ وأن يديه في “اصلاح الأمن” لم تطلقا بعد؛ وينقل هذه الاعلانات عبر الإعلام لظئره التي أرضعته وربته: لأمريكا آكلة الاكباد وصانعة الساسة الأوغاد! ويعود رجع الصدى من الآنسة “كوندي” تصريحات غاضبة على عرفات؛ وسياسات أكثر قسوة من أمريكا إزاء القائد الذي تكالب عليه أتباعه؛ وقرارات تحت الطاولة بين شارون وبوش بخصوص عزل الرجل والانقلاب عليه بشكل حاسم. وأخيرا؛ كان الحرد يترجم مظاهرات تخريبٍ للأمن ورعاية للانفلات بتخطيط من محمد دحلان (دحلان هو “البرطوشة” الاخرى التي عضت اليد التي أطعمتها ورقتها من “ابن شوارع” ومخبر ليعقوب بيري إلى جنرال أمن كبير ونجم مضيء في سماء العمالة). فإن كان هذا القبح هو ما جزى به القوم من نفخهم وأغدق عليهم الامتيازات؛ فكيف تكون حالهم مع من جاء ليقول لهم إن عصر الامتيازات المنتهبة وعصر استمرار تدفق العطايا وفق مبدأ “الخيانة مقابل الزعامة” قد انقضى إلى غير رجعة؟ لا شك إذا أنه سيكون عندهم ضد حماس الكثير من ألوان التمرد ودوافع عديدة لا تنتهي لتعطيل عملها والانقلاب عليه وتخريبه.

لكن لحسن حظ حماس فإن ما يقومون به من ردات أفعال لا يرقى لمستوى حرد الأطفال؛ ولن يأتي بنتيجة. التخبط في وحل الانقلاب على القانون؛ وفي رد مفرزات الانتخابات؛ وفي عسكرة القضاء؛ و”قوعدة” حماس – الشيعية حسب روايات أخرى سابقة لمهرجي فتح! – وتكريم حقبة الانفلات الأمني؛ وانكار الأخطاء كلها وصولا للإنعام بالأوسمة على المجرم الهالك سميح المدهون – هذا العمل كله لا يأتي إلا في خانة المكابرة على العور والعوار؛ وقد يحقق لصانعه بعض السعادة الآنية؛ ويشفي للوهلة الأولى شيئا من غرور النفس الخرقاء المستكبرة؛ تماما كما يشعر المصاب بالجرب بلذة حين يحك جلده الممتلئ بثورا…لكن الأحمق لا يدري أنه مع كل خدش تصنعه أظافره في نتوءات جلده المريض فإن المرض يزداد سرعة في الانتشار حتى يستفحل ويقوى ويسيطر؛ ولا يعود من وسيلة لوقف هذه الطامة إلا القطران المغلي. هل عندك استعداد يا عباس لأن يحتمل جلدك الرقيق القطران و”الزفت” الذي ستلتط به حين تقرر الضفة طبيعيا أن تنفجر في وجهك ووجوه صحبك الشائهة؟

بوسعك أن “ترسِّم بما هو آت” من الآن “لبكرة الصبح”؛ لكن إذاعة أخبار قراراتك من وكالة وفا أو من صندوق العجب المسمى بتلفزيون فلسطين لا يكسب انقلابك على شرعية القانون أي قيمة. من كتبوا الدستور الفلسطيني يقولون أن ما تفعله هو هرطقة دستورية؛ ومن يحترمون خيارات الناس والديمقراطية وحق الشعوب في إدارة نفسها يعرفون أن حماس أكبر من أن يمحوَ أثرها ذاهل أفضل أصدقائه طيب خبيث؛ وعبد لربه متولٍّ للشياطين!

أما مرسوم تكريم سميح المدهون فلن يدخله الجنة (صدق أو لا تصدق يا عباس!) بل لعله يؤكد – كما أكدت صورتك التذكارية مع القاتل المجرم – أن مقعده الذي سيستحقه إن شاء الله في الدرك الأسفل من النار – نحسب ذلك ولا نتألَّى على الله عزوجل – قد تم حجزه له بمساعدة منك ودعم ودفع! هذا التكريم يجعلك غريما لكل من أمرهم أجيرك الهالك بالسجود له من دون الله؛ ولكل من قتلهم وأحرق ديارهم وروعهم من أمن…روعهم حتى نهضت حماس لسحق الفتنة ورأس الفريق التنفيذي من جيش الفتنة!

حماس ليست في عجلة من أمرها؛ وأنت أيها الرئيس الحردان لك أن تدير ظهرك لها ولفلسطين وللأكثرية في فلسطين؛ ولك أن تتجاهل الدعوات العربية لوقف طوفان الحمق العباسي؛ ولك أن تضع كل البيض في سلة بوش والصهاينة؛ لكن حين تصل إلى سرابك؛ ولا تجده شيئا؛ وتجد غضب الله عنده ينتظرك؛ فتذكر أنك أنت من كتب قصة حتفه وأصر على كل تفاصيلها!

حينها قد تجد نفسك مضطرا للحرد بكل ما في الكلمة من معنى؛ ولم حقيبة أغراضك الشخصية للذهاب لبيت أهلك في تل أبيب؛ حيث سيكون بوسعك فتح مطعم آخر تنافس فيه مطعم انطوان لحد هناك على شاطئ البحر! ولا شك أن اقتصاد المدينة سيبقى مزدهرا عددا من السنين لتجارة الأكل والطعام؛ على الأقل لحين دخولها في مدى صواريخ القسام؛ وربما حينها سيلف الكساد تل أبيب وستبدأ بالشكوى مرة أخرى من حماس؛ لكن على الأقل ستدرك حينها أن الصواريخ ليست “مواسير”؛ وأن لكل أجل كتاب؛ ولكل سافرة حجاب؛ ولكل فريق لدايتون فرقة من حماس تقتل وساوسه وتداوي ريبه وتربيه!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...