الجمعة 09/مايو/2025

ثورة القسّام وانتفاضة الياسر

سوسن البرغوتي
ما أفرزته الأحداث الساخنة المتلاحقة على الساحة الفلسطينية، خاصة بعد تسميم الرئيس عرفات، ورغم اختلاق أزمة تلو أخرى من قبل الشركاء “المعتدلين” عرباً وفلسطينيين متصهينين، للإجهاز على ما تبقى من ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، والقبول بالمبادرة العربية على أنها الحل النهائي لتحقيق السلام، وهي في الحقيقة لا تخرج عن مفهوم الانصياع والاستسلام للمشروع الأمرو- صهيوني، إلا أن النتائج تدلّ على بداية تغيير جذري لمرحلة أوسلو، بعد إخفاق المدافعين عنها في تحمل مسؤولية ما آل إليه الوضع الفلسطيني الداخلي والخارجي.

ما يرفعه هذا التيار من شعارات وعبر تصريحات، ليست من أجل مصلحة القضية والشعب، ولا حتى من أجل حركة فتح، وهذا ما نوهنا عنه سابقاً، إن العهد العباسي غير معني لا بفتح ولا بالمقاومة، والدليل وصول فتح إلى شيخوخة مترهلة، ينخرها الفساد على جميع الأصعدة، ونبذ المقاومة من أجندة قادة حركة تحرير، وإنها لا تعدو أكثر من عنف “إرهابي”، وهذا ما أفصح عنه عباس أخيراً، لحشد  تضامن الإعلام العالمي والرباعيتين في الربط بين  القاعدة وحماس، في حين أن هناك اختلافات كثيرة بينهما، ثم عاد ليصرح دعم إيران لحماس، أفلا يرسي على بر، لنعرف حماس لأي جهة “إرهابية” تتبع، أم أن كل “إخوان الشياطين” المرفوضين من أمريكا وحليفتها وأذنابهم الليبرالين والعلمانين العرب، هي الحرب المبطنة، التي تجيز استخدام أي شعار ووسيلة للإطاحة بهم، واتهامهم بالحرص على تحقيق مشروع النظام الإسلام العالمي، أكثر من تحرير البلاد والعباد.

جل اهتمام وأولويات سلطة أوسلو، هو كيفية الخروج من أزمة الديمقراطية المزعومة،وإبقاء الحال على ما هو عليه، مع الحفاظ على ماء الوجه، وتوريط أطراف أخرى في حكومة الطوارئ بتحمل مسؤولية تداعيات وسقوط جماعي، وربما لا علم لبعضهم بها، ولا بمعرفة محتويات ما اُتفق على تسميته بالكنز الذي حصلت عليه حماس في مقرات الأجهزة الأمنية، من وثائق وأفلام وصور.

التناقض في تصريحات وزراء “تلبيس الطواقي” تتضح في المراسيم والفرمانات، وفوضى وارتباك يعم الحكومة الفاقدة لشرعية الدستور المؤقت، وتجاهل عن قصد موافقة التشريعي، وهو إثبات مركزية ديكتاتورية لاستكمال مهمة، لم ولن يفلحوا بإنجازها.

فتح الياسر انتفاضة داخل أروقة أنهكتها الصراعات الداخلية والمصالح الشخصية على حساب القضية والشعب، والذي يجب أن تلفت انتباه وأنظار الشارع الفلسطيني والعربي الوطني، بتوافق وانسجام مطالبها مع الثوابت الوطنية، وضرورة استمرار مواجهة العدو، والخلاص من تيار انتهت المهلة المعطاة له لإصلاحه وعودته إلى السرب الوطني، لتشكيل جبهة داخل فتح مع الضباط وكوادر الأحرار، في مواجهة حقيقية لإسقاط قوى لم تكن يوماً إلا لتوظيف اسم حركة فتح، واللعب على وجدان فئة كبيرة من الفلسطينيين، على أنهم يمثلون الحركة، وبئس التمثيل…

ثورة القسام لم تكن خارجة عن المعطيات ذاتها، وإن فُرض عليها كما يقول المثل “آخر الدواء الكي”، وبعد أن استنفذت كافة المحاولات للحوار من أجل الالتقاء بنقاط تنقذ هذا التيار من سوء ممارساته، وصولاً لوحدة سياسية، ولكنه ما يزال يصرّ على سلوكياته ونهجه العوج، بتفعيل التطبيع وصهينة القضية الفلسطينية، لتصبح بدورها رؤية “إسرائيلية”!.

من يقول أن هناك محاولات في غزة لتجزئة الشعب والمدن الفلسطينية بين الضفة والقطاع، لإجهاض المشروع الوطني، يخطئ لاعتبارات كثيرة منها:

السلطة المحلية قبلت بتقسيم الأراضي إلى مناطق في مدن الضفة والقطاع، وفصل ملف اللاجئين،والتفاوض حوله لاحقاً، وتهميش حقوق فلسطينيي الداخل المحتل. وساعدها بذلك الاحتلال، وعدم سهولة الاتصال المباشر، إضافة لبناء الجدار العازل،والذي يفصل بين العائلة الواحدة وبين مدينة وقرية…

– تمركز السلطة في رام الله، فلم تعقد جلسة واحدة لجميع النواب في المجلس التشريعي أو وزراء الحكومتين السابقتين في رام الله أو غزة،وانحصر تشكيل وزراء حكومة الطوارئ من التابعين،هذا ما يشير إلى توجه سلطة أوسلو لمفاوضات بشأن دولة فلسطينية في الضفة فقط، وهبوط سقف المطالب من دولة إلى حدود ال67 إلى حدود الضفة أولاً وأخيراً!، ناهيك عن التحكم بصرف المال، وحرمان الآلاف الفلسطينيين من الرواتب، واعتبارهم فئة عاقة، مطرودة من رحمة بيت ماله الخاص.

-عزل غزة بمرسوم رئاسي، وإطلاق اتهامات لحركة وطنية بفكر إسلامي، أنها تسعى لإنشاء دولة”طالبانية” أو “غزوية ظلامية”، ولو كان هناك نوايا، لما تكلفت الحركة عناء المشاركة في الانتخابات التشريعية، والإلحاح على ضرورة وحدة القرار السياسي، ولحققت ذلك بعد انسحاب القوات “الإسرائيلية”، فهل يجوز أن نتهم الجبهة الشعبية، بأن نضالها من أجل إقامة دولة ماركسية؟!.

– لم ترفض حماس التيارات الفكرية أو تتجاهل فئات فلسطينية أخرى، إنما فتحت مجالات للحوار والمشاركة على أساس المواطنة.

– إجماع فتح الياسر على أرضية التوافق مع جبهات مقاومة أخرى، وأن سلطة أوسلو  تغاضت عن توسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل والتهويد التدريجي لمدينة القدس، وأفسدت الذمم والمجتمع الفلسطيني، لغاية تبعد كل البعد عن النضال من أجل تحرير كل فلسطين، والبقاء على سلطة محلية مسلوبة الإرادة والسيادة.

– انشغلوا باتهام حماس تارة تبنيها القاعدة، وتارة أن هناك تسللاً إيرانياً وسورياً في غزة، فإن كان الوطن يغص بأهله، هل يأتي من الخارج من يقاسمهم لوعة التجويع والحصار، وهل ينقص القطاع مقاومين نساءً ورجالاً، حتى يتسلل إيرانيون وسوريون ثم يخرجوا للتدريب؟، أم أنه لو حدث ذلك، لكانوا مدربين قبل دخولهم، والهدف من ذلك إلصاق تهمة “الإرهاب” على حماس، وشرعية شن الحرب عليها. ما هذا الهراء، هل وصل الحال أن نستعين بقوات دولية للقضاء على المقاومة وتضييق حركتها لمواجهة المحتل وأذنابه بغزة تحديداً، ولماذا الآن، والطلب جاء متأخراً، للفصل بين مناطق السلطة الفلسطينية (المحررة) و”إسرائيل”!.

على ضوء ما تقدم، فإن سلطة أوسلو هي المحاصرة والمجزأة والمنقسمة على ذاتها، وليس العكس. فانتهاج سياسة المماطلة والوعود المعطاة لأولمرت، بدأت تنتهي مهلتها، وبدأ الجانب “الإسرائيلي” يفقد الصبر والأمل بقدرة هذا التيار في القضاء على المقاومة وحماس بالذات كونها الفصيل الأكبر، ومحاولة جرها للاعتراف بـ”إسرائيل”، وما سيلي ذلك من آثار مدمرة لها سياسياً وعسكرياً ووطنياً، باءت بالفشل.

يستخدم  الرئيس عباس ورقة ضاغطة بالقبول بحل مؤقت للفلسطينيين العالقين في معبر رفح، وفتح معبر كرم أبو سالم، وهذا انتقاص للسيادة الفلسطينية- العربية على معبر رفح، وما يكون اليوم حلا مؤقتا، يصبح بالغد “شرعية فلسطينية” وواقعاً دائما!، وتأكيد سيطرة “إسرائيل” على المعابر، وهذه الورقة مقابل شروط تعمل على عودة الأجهزة برؤوسها الثلاثة لسابق عهدها في القطاع، “وكأنك يا زيد ما غزيت”، وليبدو أن ما حدث في غزة، إنما من أجل اقتسام سلطة أوسلو، وليس لرفض سياستها وشريكها في الإجهاز على ما تبقى من حقوق وكرامة.

بقي الرهان على التحرك الشعبي في الضفة والتعاون مع المقاومة، بإعلان ثورة بيضاء، خاصة وأن بلاط السلطة يتمترس في رام الله، وذلك بإلقاء القبض على رؤوس التنازل والتفريط، وليس بإعدامهم، إنما بكشف أوراقهم كاملة، وتقديمهم لمحكمة ثورية، تضم قضاة مستقلين فلسطينيين وعربا، واعتقد أن الكثيرين من الحقوقيين في اتحاد المحاميين العرب يملكون النزاهة والقدرة المهنية على محاكمة أثرياء الدم الفلسطيني، والخونة الذين سربوا معلومات وقوائم بأسماء المقاومين.

انتفاضة الياسر والضباط الأحرار، تعيد التوازن الحزبي  لوفاق وطني صحيح على أساس الثوابت، واستعادة فتح ممن انقلبوا عليها، كحركة تحرير وطني، فمن الذي قاد الانقلاب على الأسس والحقوق،هل من لاحق واغتال وبنى المعتقلات لقمع وإنهاك المجاهدين الفلسطينيين، وطوع وحرّف الشرعية الفلسطينية، لتتفق مع السياسة”الإسرائيلية” بتصفية القضية، أم من يعيد الأمور إلى نصابها وميزانها القويم؟.

هذا على الصعيد الداخلي، أما المطالبة باسترجاع كافة الحقوق الفلسطينية من البحر إلى النهر، فالإصلاح والتغيير الداخلي الجذري، سيعكس بالتالي  ضرورة إقالة “العصابة العشرية”، وإحياء منظمة التحرير على أساس الميثاق الأساسي، وشطب مرحلة أوسلو من تاريخنا، ووثيقة الاستقلال هي وثيقة النضال وصولاً إلى الهدف.

إن الشعب الفلسطيني بكل فئاته يترقب تدفق دم جديد ثوري، فالمقاومة قادرة على ذلك، وقد أثبت الشعب الفلسطيني على مسار عقود من النضال قدرته على إيجاد بدائل إيجابية، ومواجهة شاملة للمشروع الصهيوني. ورغم أنه هاجس مقلق لا يمكن استبعاده من واقع تتبع الأحداث الجارية في الداخل، ولكن هذا الهاجس يمكن أن نقصيه عن شعبنا، إذا استطاع شرفاء فتح وكافة الفصائل وشرائح المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات على اجتثاث تلك الزمرة المارقة العابثة بأقدارنا ومصير القضية بأكملها.

ما يدعو للتفاؤل ثورة القسّام وانتفاضة الياسر، شرط عدم التراجع بحجة الوحدة الوطنية للتعامل مع التيار المضاد، وهو غير قابل لتغيير مساره إطلاقاً. فمن غصون الشيخوخة تنبت البراعم الخضراء، ومن الموت تولد الحياة، والصحوة يجب أن تتفاعل مع إرادة الشعب لتحقيق كل ما نسعى إليه، وهو حقنا المشروع في الوجود.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...