إجماع أمريكى على سقوط إستراتيجية بوش وفشل الحرب

قبل شهرين من موعد تقديم تقرير حول تطور الوضع العسكري في العراق وما حققته خطة الرئيس الأمريكي بوش “لاستعادة” المبادرة إلى يد قوات الاحتلال والحد من تقدم المقاومة العراقية التي أصبحت تتحكم في 60 في المائة من العاصمة العراقية بغداد مع بداية الربع الثاني من سنة 2007 وأجزاء واسعة من البلاد، ظهرت بقوة في واشنطن ظلال هزيمة الولايات المتحدة.
وقد أكد زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكى هارى ريد أن إستراتيجية إغراق العراق بالمزيد من القوات الأمريكية لم تنجح وإن الحرب “تتجه إلى منحى خطير جدا”. وقال ريد السيناتور عن ولاية نيفادا في مؤتمر صحافي مع السيناتور الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا يمس ويب في مبنى الكابيتول هيل يوم الاثنين 9 يوليو 2007، “كان يفترض بالإغراق توفير المساحة للقادة السياسيين في العراق لتقديم التنازلات اللازمة لإعادة توحيد هذه الأمة”، وأضاف “لكن ذلك لم يحدث على الرغم من بسالة قواتنا، نعتقد أن الوقت حان لتغيير المسار”.
وقال زعيم الغالبية الديمقراطية إن الأشهر الثلاثة الماضية كانت الأكثر دموية منذ اندلاع حرب العراق في مارس 2003 وإنه لم يعد بإمكان الكونغرس الانتظار حتى سبتمبر المقبل لتغيير المسار في العراق.ودعا ريد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى الانضمام إلى الجهود “المسؤولة” لتغيير الإستراتيجية الأمريكية في العراق.
ومن جهته، قال خبير عسكري أمريكي إن إستراتيجية “إغراق” بغداد التي اعتمدها بوش منذ مطلع العام الحالي فشلت، لكن النتيجة النهائية للحرب في العراق لا تزال غير واضحة.وذكر أنطونى كوردسمان الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن في بيان أصدره مقدما لدراسته الجديدة حول الإستراتيجية الأمريكية في العراق “من الواضح أن الوضع قد تطور بطرق تجعل معظم الإستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس بوش في يناير 2007 فشلاً كاملاً”.
البقاء في العراق لن يفيد
مواقف غالبية الكونغرس المعارضة للحرب تتعزز يوميا على الصعيد الشعبي وحتى من طرف العسكريين، فقد دعا 1600 جندي أمريكي من الاحتياطيين وفي الخدمة الفعلية في نداء نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى سحب القوات الأمريكية من العراق فورا. وبعث الجنود بـمناشدة للإنصاف إلى ممثليهم في الكونغرس جاء فيها: كوطنيين أمريكيين فخورين بخدمة الأمة في الجيش نحث قادتنا السياسيين في الكونغرس على دعم الانسحاب السريع لكل القوات العسكرية والقواعد الأمريكية في العراق. البقاء في العراق لن يفيد ولا يستحق الثمن الذي ندفعه. حان الوقت لعودة القوات الأمريكية إلى الوطن .
وكانت رئيسة مجلس النواب الامريكي نانسي بيلوسي قد اعتبرت ان حكم الرئيس جورج بوش على حرب العراق فاسد وأن مقاربته للوضع هناك يعتمد على الاقتناع الشخصي وليس على الاحتكام للقرار السياسي.ونقلت شبكة سي.ان.ان الإخبارية عن بيلوســي في برنامج لاري كينغ خلال شهر مارس 2007: مع كل الاحترام للرئيس ونواياه الجيدة، أعتقد أن حكمه على الحرب في العراق فاسد إلى حد ما. وأضافت : لا أعتقد أن الموضوع يتعلق بالاحتكام إلى قرار سياسي من جانب الرئيس، بل إنها قراراته صادرة عن اقتناع شخصي بكل تأكيد .وأوضحت قائلة : آمل فقط أنه مهما كان يفكر بشأن الحرب، أن يأخذ بالاعتبار أيضاً حقيقة أن الشعب الأمريكي فقد الثقة به.
وكان استطلاع للرأي قد أظهر أن 64 في المائة من الأمريكيين لا يعتبرون أن حرب العراق تستحق القتال لأجلها، في حين أعلن 67 في المائة رفضهم لطريقة تعامل الرئيس جورج بوش مع الوضع هناك. وأشار الاستطلاع الذي اشترك في إجرائه كل من تلفزيون إيه.بي.سي وصحيفة واشنطن بوست في الفترة بين 22 و25 من شهر مارس 2007 وشمل 1082 راشدا، إلى أن الرضا العام عن بوش بين المواطنين الأمريكيين يناهز الـ 26 في المائة، وذلك بعد سنتين من حصوله على الغالبية في التصويت الشعبي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو الأمر الذي لم يحصل منذ عهد الرئيس هاري ترومان. وفي حين قال 56 في المائة من المستطلعين انه يجب سحب القوات الأمريكية من العراق حتى لو لم يتم حفظ السلم الأهلي، فإن 53 في المائة دعموا فكرة تحديد موعد نهائي للانسحاب من هناك.
عقود للوصول إلى سراب النصر
دلائل الفشل الأمريكي تراكمت وأقر بها حتى القادة الميدانيون وإن كان بأسلوب ملتوٍ، وهكذا صرح الجنرال ديفيد بتريوس القائد الأعلى للقوات الامريكية في العراق بأن مواجهة ما أسماه “التمرد” في العراق مهمة طويلة الأمد قد تستغرق عقودا من الزمن. غير أن الجنرال بتريوس قال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية “إن الحجم الحالي للقوات الامريكية في العراق بدأ يؤتى ثماره مضيفا ان تقدما احرز في العمليات على الأرض في مناطق من العراق خاصة في بعقوبة والانبار وبعض ضواحى العاصمة بغداد غير انه لازالت هناك بعض جيوب المقاومة ولذلك قد تكون هناك مشاكل خلال الشهور القادمة”.
ولم ينف الجنرال الأمريكي ما تردد عن محاولات بوش ارسال مزيد من القوات إلى العراق ليصل عديدها إلى 200 الف ينضاف اليها اكثر من 300 الف من قوات المرتزقة المجندين ضمن الوحدات المسلحة التابعة لشركات الأمن الخاصة التي تدفع لها واشنطن وحلفاءها في بغداد مئات الملايين من الدولارات اسبوعيا لتساند قوات الإحتلال وتتحمل بدلها جزء من الخسائر البشرية والمادية التي لا ينشر شيء عنها في البلاغات العسكرية الأمريكية.
القيادات العسكرية في تقييمها لأداء القوات الامريكية في العراق واساليبها في مكافحة المقاومة التي يطلق عليها الامريكيون التمرد تعترف مرارا بالعجز، وقد قال باحثون نظموا مؤتمرا اكاديميا في الولايات المتحدة خلال شهر مارس 2007 ان الجيش الامريكي يمتلك اساليب اقل فعالية من تلك التي تطبقها المقاومة. ويعتقد امريكيون ان هذا يعتبر أكبر تحد للامريكيين منذ الحرب الكورية قبل نصف قرن. وفي تقارير سربت من المؤتمر الذي اتخذ طابع السرية وصف العسكريون الامريكيون الذين شاركوا في المؤتمر المقاتلين العراقيين بأنهم اذكياء، ودهاة، وشجعان .
وكان الجيش الامريكي قد تعرض لهزيمة في فيتنام بسبب قدرة وكفاءة تنظيم مقاتلي الفيت كونغ وفشل القيادات العميلة التي نصبتها واشنطن في سيغون في كسب تأييد او تعاطف مواطنيهم. وما يثير غضب المحافظين الجدد الآن أكثر من أي وقت مضى هو ان القوة العظمي الوحيدة في العالم، التي هزمت في فيتنام ضمن شروط الحرب الباردة تواجه خطر الهزيمة واجبارها على الهروب من طرف عدد لا يزيد عن بضعة عشرات الالاف من المقاتلين العراقيين المحرومون من أي سند خارجي يعتد به والمسلحين بأسلحة خفيفة، والذين استطاعوا تطوير اسلحة وتكتيكات قادرة على تدمير طائرات ومصفحات تكلف صناعتها مئات ملايين الدولارات.
ويقول مسؤولون عسكريون إن الجيش الامريكي كان بطيئا في رده على المقاومة العراقية. وتحدث الضباط الامريكيون الذين شاركوا في المؤتمر عن ان المقاومة العراقية اثبتت انها قادرة على التكيف مع الجو العسكري، وتغيير اساليبها بما يتناسب مع الظرف السياسي، واستطاع المقاتلون تغيير قواعد الاشتباك الامريكية وتحويلها لصالحهم وضد القوات الامريكية. كما يعاني الامريكيون من مشكلة تفكيك وضرب مراكز المقاومة، نظرا لبنيتها وطبيعتها القيادية المرنة، حيث تعمل المقاومة من خلال مجموعات صغيرة ومتحركة يصعب على الامريكيين تفكيكها، ويؤكدون أنه يظهر جليا أن القيادة العراقية في عهد الرئيس صدام حسين وضعت أسس هذه الحرب غير النظامية مدة قبل سقوط بغداد تحت الاحتلال.
ونقلت صحيفة اوبزيرفر البريطانية هذه التعليقات التي قالت انها قدمت اثناء لقاء نظمته جمعية الجيش الامريكي، في معسكر فورت لودرديل في فلوريدا.
وذكرت الصحيفة ان الجنرالات يتعاملون مع الحرب الدولية على “الارهاب” التي اعلن عنها بوش بعد هجمات سبتمبر 2001 وقالوا عنها انها اهم حرب منذ نصف قرن. وقال احد المشاركين ان العراق وافغانستان يمتصان مصادر الجيش الامريكي بوتيرة سريعة. وذكر المسؤول ان الجيش الامريكي يحتاج إلى آخر مستحدثات التكنولوجيا من اجل هزيمة قوات عسكرية ذكية مثل طالبان والمقاومة العراقية، وهي قوات لم يكن الامريكيون يتوقعون وجودها. ونقلت عن ضابط آخر قوله ان المقاومة العراقية تعرف متى وأين سيضرب الامريكيون وتقوم باستخدام قواعد الاشتباك ضدهم. وبقول آخر ان الصور التي وزعتها حركات المقاومة عن عمليات ضد الجيش الامريكي، ووضعت على الانترنت، هي محاولة لتعليم جماعات المقاومة الأخرى.
في بداية شهر مارس 2007 وفي اعتراف علني بالهزيمة والإحباط من جانب أكبر مسؤول في البنتاغون، طلب وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس من لجنة بمجلس الشيوخ تخصيص 4200 مليون دولار لتمويل الابحاث لابتكار وسائل للتغلب على القنابل التي تزرع على جانب الطريق والتي قتلت أكثر من ألف جندي امريكي في العراق.
وعبر غيتس عن شعور بالإحباط لقدرة المسلحين في العراق على تطوير تكنولوجياتهم وتمكنهم حتى الآن من هزيمة الاجراءات الامريكية المضادة لهذه العبوات الناسفة المحلية الصنع. وقال غيتس : أحد أكثر الجوانب غير السارة لوظيفتي هو أن أذهب كل ليلة إلى المنزل وأكتب رسائل بخط اليد إلى عائلات أولئك الذين يقتلون في العمليات خلف كل من تلك الرسائل توجد ورقة تبلغني كيف توفوا وحوالي 70 في المائة منهم توفوا بهذه العبوات الناسفة البدائية الصنع .
تخبط الإدارة الأمريكية
حجم تعثر وتخبط الإدارة الأمريكية في السنة الخامسة لاحتلال البوابة الشرقية للأمة العربية تفضحه تناقضات التصريحات الرسمية الآتية من البيت الأبيض والبنتاغون ففي الوقت الذي يروج فيه البعض لإرسال مزيد من القوات لتعزيز ما وصفه البعض بالمكاسب التي تحققت خلال الأسابيع الماضية من شهري يونيو ويوليو، يتحدث آخرون عن مخطط آخر للرئيس بوش لسحب القوات الأمريكية من المدن إلى قواعدها والاكتفاء بتقديم الإسناد الجوي واللوجستيكي للقوات المجندة محليا لدعم الاحتلال.
وبينما يتأزم الوضع الأمني في العراق، يضيق الخناق في واشنطن على إدارة الرئيس بوش الذي مازال ينتظر تحقيق النصر المزعوم الذي وعد به الأمريكيين.وأكدت صحيفة نيويورك تايمز أن كبار المسؤولين الامريكيين الذين يواجهون انشقاق جمهوريين نافذين بدأوا يبحثون في ما اذا كان على الرئيس جورج بوش الاعلان قريبا عن نيته البدء بانسحاب تدريجي للقوات الامريكية من المدن العراقية،وإلا سيجد نفسه مقيدا في سلطاته التنفيذية كبطة عرجاء.
ونقلت الصحيفة يوم الاحد 8 يوليو 2007 عن مسؤولين في الادارة الأمريكية لم تسمهم قولهم ان بوش ومساعديه الذين كانوا يعتبرون ان بإمكانهم الانتظار للبدء بالمناقشات حول العراق داخل الكونغرس إلى ما بعد 15 سبتمبر عندما سيقدم قائد القوات الأمريكية في العراق والسفير في الأمريكي في بغداد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...