الجمعة 09/مايو/2025

عودة مدرسة المشاغبين

رشيد ثابت

بداية أحب أن أنوه أنني أبغض المدعو علي سالم – مؤلف مسرحية مدرسة المشاغبين – في الله كثيرا جدا؛ وأكرهه وأمقته من داعية مشهور من أئمة الاستخذاء للعدو الصهيوني؛ أو ما يعرف في لغة ترويض وتزويق الرذيلة بالتطبيع مع “إسرائيل”. ومع ذلك فأنا لا أجد حرجا في ضرب المثل بمسرحية هذا المثقف المُستلَب؛ لا سيما أن المُمَثَّلَ بهم أو العناصر التي أعادت إلى ذهني سيرة المشاغبين هم ليسوا إلا أولاد عمومة الرجل في الفكر والمنهج التفريطي؛ وأعني بهم هنا حركة فتح وسلطة حركة فتح في فلسطين.

بدأت الحكاية منذ دقائق حين طالعت في شبكة فلسطين للحوار تسجيلا لمشهد من قاعة امتحان في مدينة نابلس؛ حيث يتقدم من سُمُّوا بالمطلوبين لامتحان الثانوية العامة؛ وظهروا في القاعة متكدسين متجمعين قرب بعضهم البعض في مجموعات تجاوب جماعيا؛ وتناقش المسائل معا؛ وتنسخ عن بعضها في جميع الاتجاهات؛ دونما أدنى اعتبار لفكرة أن القوم في امتحان خطير هو امتحان الشهادة التوجيهية؛ وليسوا أبدا في فاصل فكاهي في مدرسة الأخلاق الحميدة؛ وليسوا قطعا في المشهد الخاص بحصة “المَنْطَق”!

أنا الآن أفتح عيناي على اتساعهما وأحرك كلتا راحتي يدي بموازاة سطح الأرض؛ تقريبا على مستوى خط بصري وكما يفعل فيصل القاسم في اتجاهه المعاكس؛ وأتساءل: ماذا يحدث في فلسطين؟! ما الذي يحصل في نابلس؟!

كان الفلسطيني ولا يزال مضرب المثل في التعليم والحرص عليه والحرص على تحصيل الشهادات العالية؛ وكانت استطلاعات الرأي والتحقيقات الصحافية في بلدان الاغتراب العربي تجعل الشقة أو المنزل على رأس أولويات الإخوة من ذلك البلد العربي؛ وتجعل المال والاستقرار هدفا لفريق آخر من الإخوة العرب…أما الفلسطيني فكان دائما له همه الأقرب إلى فكره ولسانه؛ وهو “تعليم هالأولاد”! لكن يبدو أن فتح لا تريد فقط أن تتنازل عن فلسطين الكاملة؛ ولا عن القدس وحق العودة وحسب؛ ولا عن حق الفلسطينيين في العيش دون فساد مالي فاحش أو بلا أمن ضائع؛ بل هي تصر على “قردنة” الشعب الفلسطيني وتحويله إلى مجاميع من الحمقى والمغفلين الذين يضيع شبابهم كما يضيع أولاد الذوات في الدول المترفة؛ لكنهم في الوقت نفسه يحصلون على مستوى دخل وخدمات ومستوى معيشة هو أحسن قليلا من ذلك السائد في أفريقيا! يعني باختصار فتح تقود فلسطين إلى منهج “القلة والذلة”؛ أو منهج “لا دنيا ولا آخرة”؛ وكل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل بقاء فصيل أول السلاح وأول الرصاص وأول الكذب وأول التربح بالوطن مطوقا عنق هذا الشعب المتعب والمُضَّيَّع!

المضحك أن إراقة ماء وجه الشهادة الفلسطينية والسمعة الفلسطينية الراقية في طلب العلم لا يحصل إلا من أجل سواد عيني مطارد دعي كذاب من طراز “أربع عشرة سنة خدمة في ثانوي”؛ وقرر هذا العام أن ينجح أخيرا؛ ربما طمعا في أن يشتري بعدها بعامين أو ثلاثة شهادة دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة جزر الانتيل الصغرى للدراسة بالمراسلة – ولعل هذه الجامعة لن تشترط حصول الطالب على البكالوريوس لنيل الدكتوراة – ليعود بعدها كاهنا من دهاقين السياسة؛ بعد أن طبقت شهرته في نضال الانفلات الأمني كل أرجاء الوطن المنكوب؛ فيصبح هكذا “قياديا” فلسطينيا بارزا اجتمعت له رياسة السيف والقلم! وهكذا تقرر أسرة أبو جبل – مدير التربية الغاصب لموقعه في نابلس وأخوه الحرامي الأزعر – أن تسرق الحجر الأسود كما فعل القرامطة قديما؛ و”عمرين المسلمين اللي بحجوا ما سلموا عليك يا حجر”! وتقرر أن تقيم بازار التسيب هذا حتى ينجح “نضوة” نابلس؛ وتقرر أن تبيع كرامة فلسطين مقابل شهوتها الخاصة؛ و”عمرين” فلسطين ما تقدمت أو عاشت كبلد محترم!

لكن سوقة اللصوص لا يلامون بجنب عتاولتهم؛ فانفلات هؤلاء الزعران الصغار الذين وسخوا اسم المقاومة بجرائمهم؛ ووسخوها بتحويلها إلى مطية من مطايا إبليس – انفلات هؤلاء هو ليس إلا انعكاسا لمنهج حركة قامت وربت وقسى عظمها على فكرة أن الوطن كعكة؛ وفكرة أن لكل مشاغب من أبناء الحركة الغلابة نصيبه في هذه الكعكة لا يأخذه إلا غلابا! وبحسب موقع “الكادر” فإن حصته قد تكون شهادة دراسية لا يستحقها؛ وقد تكون أيضا عدة ملايين من الدولارات؛ أو جهازا أمنيا بكامل عدته وعديده؛ أو ما فوق الأولى وما دون الأخيرة من زينة الحياة الدنيا؛ كمنصب سفير يجلب للشعب الفلسطيني المسبة؛ أو رئيس تحرير صحيفة تسبح بحمد الباطل؛ أو نحو ذلك!

وكيف لا يصير الشغب هو سيرة شباب التنظيم ما دام قادتهم يمارسون ما هو أسخف من تفاهات علي سالم؛ اللهم إلا انها سخافات لا تسر ولا تشتري ولا حتى ضحكا مجانيا من وجه الفلسطيني العبوس بسبب صنيع عباس! فهل يلام في قصاصة ورق من قادته يبيعون استقلال فلسطين من أجل مصالحهم؟ من قادته يلوذون بالعرش البوشي لرفض كل دعوات الحوار من فصائل شعبهم؛ وحتى دعوات الحوار القادمة من الدول العربية التي تشبههم في “الاعتدال”؟ وكيف نلوم عفريتا يختلس إجابات الامتحان لينجح؛ وهو يرى قادته يسلمون رقاب الناس العالقين في رفح المصرية للصهاينة ليمروا من معبرهم؛ في سبيل أن لا يكون هناك ثغر حر يفتح أبواب قطاع غزة على العالم؛ لأن حماس هناك؟

إن من سرقوا أموال مؤسسة صامد؛ ومن سرقوا أموال ضريبة التحرير التي جمعت من الفلسطينيين في الخارج على مدى عقود؛ ومن سرقوا تبرعات الفلسطينيين والعرب والمسلمين على مدى عشرات الأعوام؛ ومن اقتاتوا على لحوم الشهداء؛ وجبلوا دعامات كراسيهم بأشلائهم ودمائهم وعلى جماجمهم؛ ومن تنازلوا عن كل ثوابت الوطن؛ ونكلوا بالمجاهدين قتلا وخطفا وأسرا – من فعلوا كل هذا فإنهم لن يتورعوا عن المناداة على المسجد الأقصى بالمزاد لو أنهم سمعوا عن صفقة رابحة أكيدة لبيعه تنعقد في الكواليس!

فيا أهلنا في الضفة: قد يكون الموقف الآن صعبا؛ وقد يكون الحصار قد أخذ منكم مأخذه؛ وقد يكون تهديد الفجرة من زعران التنظيم في حق من يقول كلمة حق منكم حقيقيا وصارخا؛ وقد يكون بعضكم من غير أنصار حركة حماس؛ لكنني متأكد أنكم جميعا تشبهون الفلسطينيين الذين عشت بينهم في غير بلد؛ وكانوا رغم كل الاختلافات في أوضاعهم الاجتماعية والثقافية والمعاشية حريصين على تعليم أولادهم؛ باعتبار أنه رأس المال الأوثق في عالم لا يحترم لحياة الفلسطينيين واستقرارهم – إن في الداخل أو في الخارج – أي قيمة أو قدر! فهل تسمحون لحفنة من اللصوص الهابطين عليكم ذات ليل؛ بدون توكيل منكم؛ وبدون شرعية – هل تسمحون لهم أن يسرقوا أصل رأس مالكم؛ ويطحنوا العظم ويسفوه بعد أن أذابوا الشحم؛ وأكلوا اللحم؛ ولم يتركوا لهزال فلسطين حظا ولا نصيبا من خير أو عافية؟!

إن أوضاع فلسطين لا يمكن أن تمثلها الكوميديا مهما كانت هذه نبيلة وهادفة؛ فكيف إن هي كانت رقيعة من مستوى مدرسة مشاغبي فتح وقادة فتح؟ لذلك أنا على يقين أن ما يجري لن يفضي في النهاية إلا لتفجير دراما العقاب الفلسطيني ضد مرتكبي الجريمة في حق وعيه وعقله وضميره! وحين يحصل هذا في يوم يرونه بعيدا ونراه قريبا؛ فإن فتح ستتمنى لو أن كل هزائمها كانت بلين ورقة ما حصل في غزة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...