إدخال المساعدات إلى غزة تحت حكم حماس

قبل أكثر من عامين، ومع خروج الجيش الصهيوني من غزة، تم اقتراح إلغاء أو تمدين الصورة الـمتأخرة للحكم العسكري والإدارة الـمدنية، إدارة التنسيق والارتباط وتحويلهما إلى سلطة شبه وزارية.

انجرفت الفكرة مع عواصف السيطرة التي قامت بها “حماس” تدريجيا، واستمرار الهجمات على الكيان الصهيوني، وعمليات الجيش، وفي غياب الاتصال الـمباشر بيننا وبين “حماس” ظهرت إدارة الارتباط كضرورة مُلحة أكثر من أي وقت سابق، وفي صورتها العسكرية تحديدا.

في نهاية الشهر الـماضي ظهر جون كينغ، رئيس مكتب “الأونروا” في غزة إلى جانب رئيس إدارة الارتباط، اللواء احتياط نير بيريس، وشكره على مساعدته وإصراره ونجاعة الدعم الـمقدّم لتخفيف الضائقة في غزة.

تصريح كينغ العلني النادر في ايجابيته جاء بعد أسبوعين عاصفين من حرب الشوارع في غزة، في الأسبوع الأخير هدأت غزة تحت وطأة نظام “حماس”، كما قام بعض ممثلي الـمنظمات الدولية الآخرين بمهاتفة ضباط الارتباط والامتنان لهم.

“حماس” أيضا تعترف، على طريقتها، بأهمية إدارة التنسيق والارتباط إذ يقصفون مكاتبها مرارا بالراجمات من باحات وشرفات بيت حانون، مما أدى إلى إصابة عدد من جنود هذه الإدارة.

وحسب معطيات الـمنظمات الدولية، يقوم الـمواطنون بجمع وتخزين الـمواد الأساسية الضرورية التي تكفيهم لـمدة شهر تقريبا، أما لدى الـمنظمات فيوجد مخزون لعدة أسابيع فقط، الإمداد كله يعتمد على الـمعابر الـموجودة تحت السيطرة الدائم لـ “حماس” وشركائها.

إحباط مساعي إدخال خلايا مسلحة أو عبوات ناسفة يستوجب ضمان أمن الـمعابر من الجانب الفلسطيني أيضا، الحراس الذين كانوا من أفراد حرس الرئاسة التابع لـمحمود عباس طُردوا من هناك قبل ثلاثة أسابيع، لذلك اضطرت إدارة الارتباط إلى ابتداع حلول خلاّقة للتغلب على هذه العقبة مثل استخدام أدوات ووسائل إسمنتية لإنزال حمولات الطحين الـمرسلة الى غزة للطرف الآخر.

أتباع “حماس” يوجهون ضرباتهم للـمعابر، إلا أنهم يتجنبون ضرب الإمدادات الغذائية نفسها خشية إثارة نقمة السكان عليهم، مثلا أشتال الأزهار تصل الـمزارعين الغزيين من تل أبيب حيث يزرعونها بدورهم ويُعيدون الأزهار إلينا ليتم تصديرها من هناك عبر أوروبا.

الجدار الحدودي يعتبر رمزا للفصل، إلا أنه ليس رمزا للقطيعة، الكيان الصهيوني وغزة تشبهان زوجين بقيا شريكين في تربية أولادهما بعد طلاقهما، وهْم إمكانية توجيه غزة نحو الغرب الـمصري تبدد من نفوس البعض، الـمورد الوحيد الذي لا فيه نقص في مصر هو الفقر.

اقتصاد غزة ما زال متعلقا بالاقتصاد الصهيوني، معبر إيرز الـمتطور والباهظ 50 مليون دولار، خُصص لـمرور 20 ألف شخص يوميا، والآن لا يمر فيه إلا 200 فقط، كما أن هذا الـمعبر يخفف من البطالة نوعا ما من خلال تشغيل بعض الشبان والنساء في الـمدن الجنوبية، وتوفير فرص عمل لهم.

نجاح إدارة الارتباط يُقاس أيضا من خلال تأثيرها في تخطيط العمليات العسكرية، مسارات الإخلاء الطبي وإرسال الإمدادات وتوقيت الاستراحات في حظر التجول وحماية البنى التحتية، كل هذه الأمور مقبولة اليوم على قيادة الجنوب وفرقة غزة ليس كإزعاج إجباري، وإنما كجزء من “الانجاز الـمطلوب” كمقياس لنجاح العملية أو فشلها.

الكيان الصهيوني لا يُقدم معروفا لسكان غزة، وإنما تصنع الـمعروف مع نفسه: الجانب الأخلاقي والجانب الـموضوعي يتلاقيان مع بعضهما، إيران تقف من وراء “حماس”، مثلـما تقف من وراء “حزب الله”، عسكريا وماليا وفكريا، لذلك يعتبر ترك الساحة الغزاوية لإيران سببا في تحويلها إلى قاعدة إيرانية، لان الاقتصاد يُترجم للسياسة، والـمس بالبنى التحتية، كما يقترح أصحاب الرؤوس الساخنة لدينا، سيكون هدية لـ “حماس” وإيران، وإذا لـم يتم استبدال النظام في إيران فستصبح طهران هنا على الـمدى الأبعد، وهذه مسألة يجب أخذها في الحسبان.