رحلتي إلى شاطئ غزة

دعيت لرحلة مع الأصدقاء لقضاء ساعات من السمر والترفيه والاستجمام على شاطئ غزة والذي لا يبعد عن بيتي سوى عدة أمتار ولم أدخله هذا الصيف إلا مرة واحدة عندما أصر الأولاد أن يذهبوا للبحر.

وكان الأصدقاء قد اختاروا مكان الرحلة غرب منتدى الرئيس محمود عباس، فقلت في نفسي غرب المنتدى فهذا المكان لم أدخله طوال حياتي، 41.5 سنة وأنا ابن غزة ومن مواليدها وسرحت هل سندخله بتنسيق أمني، أم برفقة الأصدقاء ممن يحملون V I P .

حقيقة وبدون أي تكلف في الكلمات لست أدري كيف سنصل لتلك المنطقة، المهم ركبنا السيارة وسرنا على الخط الساحلي من مفترق الميناء باتجاه ميناء الصيادين حتى توقفنا أمام بوابة الميناء الحديدية فاستقبلنا بعض أفراد القوة التنفيذية وبكل أدب: إلى أين متوجهين؟! نريد أن نلحق بأصدقائنا الذين سبقونا وها هي سياراتهم داخل الميناء فقال تفضلوا وفتح الباب فرأيت العجب العجاب السيارات على الجانبين والمصطافين زرافات وفرادى والتجمعات العائلية والشبابية تقاتل رمل الشط، ما هذا؟! أنا ابن غزة؟ والذي لا أبعد عن بحرها سوى الأمتار!! لا أعرف ماذا يحدث على بحر غزة! فلقد هب الناس بانتفاضة جديدة ولكنها هذه المرة خالية من الحجارة ومن الرصاص والقذائف، إنها انتفاضة الابتسامات والضحكات والنكات والجري ولعب كرة القدم والركت بجانب المتعة الأساسية السباحة وركوب البحر، فالجميع خالد بالاستمتاع بالجو الساحر قبيل غروب الشمس حيث الأشعة الذهبية وهي تعانق مياه البحر ويبدآن بالتناغم وتجاذب الكلام ويمسكان بأيديهما ويتواريان عن الأنظار إنه لمشهد مؤثر وساحر.

أعود بكم إلى الشاطئ ومصطافيه حيث تكسرت الحدود وأزيلت الموانع وعاد الشاطئ ليكون لحمة واحدة فلا تمييز بين شاطئ المخيم وشاطئ الشيخ عجلين وشاطئ المنتدى الذي كان طوال الفترة السابقة مقصوراً على فئة واحدة ولون واحد، بل وسعوا رقعة شاطئ المنتدى وضموا له شاطئ الشاليهات وما أدراك ما الشاليهات، إنها شواطئ الدول المطلة على البحر المتوسط من الجهة المقابلة، فهي قطعة أوروبية على أرض غزة وفي قلبها وعلى شواطئها ؟؟ يدخلها المواطن الفلسطيني الآن بدون تذاكر باهظة الثمن وليس بالخفاء مع محبوبته ليعمل المنكر في غرفها وعلى شواطئها، وما عادت تقام على شواطئها السهرات والحفلات الماجنة وما عادت تباع زجاجات الخمر ذات المسميات المختلفة.

فركت عيناي كثيراً هل أنا في علم أم في حلم؟ هل أؤلئك الناس الذين يتحركون أمامي “حقيقيون أم خياليون” لا بل إنها الحقيقة بعينها فلقد تطهرت هذه البقعة من الأزلام والأرجاس والأوباش. لقد صلى الناس صلاة العصر والمغرب والعشاء جماعات وفرادى.

والملفت للنظر أيضاً أن الشاطئ واسع ويمتد عبر اليابسة عشرات الأمتار إن لم يكن المئات بينما شاطئ مخيم الشاطئ صاحب الكثافة السكانية العالية ما يزيد عن 80000 نسمة شاطئه عدة أمتار لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة بل في معظمه لا تتجاوز المتر الواحد وفي بعض المناطق لا تستطيع المرور لتشابك المياه مع الحجارة التي وضعت لحماية المخيم من محو أثاره بفعل مياه البحر.

وكنا نعلم نحن أبناء الشاطئ أن الميناء التي اقتطعت من البحر لصالح مركبات الصيد ستكون وبالاً على شاطئ مخيم الشاطئ لكون البحر وتياراته تتجه شمالاً فستأكل يابس المخيم والمنطقة الشمالية الغربية من الميناء على حساب أرض المنتدى والشاليهات التي تزداد رقعة شاطئها لينعم به بعض العشرات أو المئات على حساب الألوف المؤلفة من سكان مخيم الشاطئ والذي إن دل فإنما يدل على أن موقع الميناء لم يكن عن تخطيط سليم ؟! وأخشى أن يكون وراءه نوايا سياسية خبيثة ؟!

أعود مرة أخرى للشاطئ المزدحم الذي ما كان يزدحم لولا الأمن والأمان الذي شعر به المواطن بعد انقشاع الغيمة السوداء التي حلت بسمائنا على مدار أكثر من 12 سنة، رحلوا ورحلت معهم صفحت الدماء والدمار، صفحة الفساد والإفساد، صفحة الإسقاط والابتزاز، صفحة الضيق والخناق، رحلوا ؟! رحلوا ليلتقوا مع أزلامهم في الضفة ليعيثوا فيها الفساد والخراب ؟! ولكن نقول إن أرضنا طاهرة مطهرة والظلم لا يدوم عليها ولن يبني له أوكاراً وزوايا.

وعجلة التاريخ تدور وسيلفظهم التاريخ كما لفظ سابقيهم من الأشرار والطغاة ؟! ليعد العدة للتحرير فالتاريخ يعلمنا أن النصر والتحرير لا يأتي إلا بعد تنقية الصف الداخلي من المغرضين والمتاجرين والمتربصين بأبناء شعبنا وأمتهم ولنا في انتصارات القائد صلاح الدين الأيوبي الدليل القاطع المبين.