السبت 10/مايو/2025

القضية الفلسطينية الآن في أفضل مراحلها!

م. بدر الدين حمدي مدوخ

“الثورة يفجرها مغامر.. ويخوض غمارها ثائر.. ويجني ثمارها جبان”، ” الثورة يفجرها الحكماء ووقودها الفقراء ويحصد ثمارها الجبناء”، ” الثورة يفجرها المظلومون و يشعلها الأبطال الوطنيون و يحصد ثمارها الجبناء المتسلقون”… عبارات عديدة من أفواه مختلفة، لكنها تذهب لنتيجة واحدة أن الثورات يحصد ثمارها الجبناء!

ليست هذه الكلمات بآياتٍ قرآنية أو أحاديث نبوية لا تخضع للتعديل و يجب الاستسلام لها، بل هي من أفواه بشرٍ عاديين يصيبوا و يخطئون، لكن الواقع في التاريخ الحديث يثبت صحة ما ذهب إليه هؤلاء الحكماء أو الثوار ولو جزئياً.

فالتاريخ الحديث يثبت أن الذين قادوا الثورات في العالم العربي و الإسلامي ضد الاستعمار لم يكونوا هم الذين جنوا ثمرتها، بل جاء جبناء متسلقون بمساعدة المستعمر و امتطوا صهوة جواد الثورات و أصبحوا زعامات، لها شرعيتها النضالية و الثورية لذر الرماد في العيون.

لقد سمعنا عن عبد القادر الجزائري و عمر المختار و الخطابي و عزالدين القسام و حسن البنا و الحاج أمين الحسيني، وغيرهم العديد ممن نعتذر لهم وللقارئ من عدم ذكرهم، سمعنا بهم كثوار و مقاومين، لكننا لم نسمع بهم و لا بمن ساروا على دربهم ليكونوا قادة و رؤساء، بل امتطى غيرهم المنصة و سلب الشرعية و لمعه الاستعمار فانقض أمام الناس على الزعامة، بل لم يكتفوا بذلك بل همشوا أصحاب الشرعيات الثورية الحقيقية و قاموا باعتقالهم و تغييبهم و اتهامهم بعد ذلك بالعمالة للمحتل.

هذا هو واقع العرب في التاريخ الحديث، وهذا ما كان يخطط للثورة الفلسطينية، ليتزعم القضية الجبناء المتسلقون المتساوقون مع الاحتلال ليلبوا لهم رغباتهم، بعدما أوصل المجاهدون والثوار القضية الفلسطينية لمرحلة هي أقرب من أي وقت مضى من تحقيق أهدافها المرحلية على أقل تقدير.

لقد أراد العدو و حلفاؤه المتسلقون و الجبناء أن يحصدوا ثمرة غيرهم ليستنسخوا تجارب شعوب المنطقة العربية السابقة، و لكنهم فوجئوا بإدراك الثوار و المجاهدون لما يخططون له، فأصيبوا بالصدمة و الهستيريا و أصبحوا يتخبطون.

إن ما حدث في غزة من سيطرة حماس على القطاع أمنياً هو انقلاب حقيقي و لكن ليس على الشرعية الفلسطينية بل على ما درج العدو و المستعمر التخطيط له بعدما ظنوا أنهم على أعتاب الانتهاء من فصل آخر من الفصول المعدة سابقاً.

أذكر و أنا في الغرب كان يأتي إلينا بعض المفكرين الإسلاميين، وكنا دائماً نقول لهم : لمتى ستبقى الحركة الإسلامية تزرع و يحصد غيرها؟ و نعني بالحركة الإسلامية كل إنسان أو جماعة تعمل لمناهضة الظلم و الاحتلال من منطلق شرعي و إسلامي. وكان المفكرون و المنظرون لا يجدون عادة الجواب الشافي، فكل أسماء الثوار و المجاهدين هي أسماء لعلماء و لرجال خرجوا من رحم الحركة الإسلامية ومن رحم المساجد، بينما أسماء الزعماء لا تعرف من الدين إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.

نحن لا نحتاج في فلسطين لاستنساخ نظام عربي جديد يضاف إلى النظم الموجودة، بل نحن بحاجة لنظام يرفض الواقع و يغيره، فطالما عبنا نحن الفلسطينيون على حكام و نظم الدول العربية لدورانهم في فلك المستعمر و المحتل، فهل من الحكمة أن نكرر خطأهم؟

أرى أن ما قامت به حماس في غزة عبارة عن خطوة كان لا بد منها لتتوجه القضية الفلسطينية لوجهتها الصحيحة و التي تتناسق مع قوانين التاريخ و سنن الكون، وسيسجل التاريخ لحركة حماس براعتها الفذة و المسبوقة في الاستفادة من أخطاء الثورات السابقة و الاستفادة منها. فالثورة الفلسطينية اليوم هي و الحمد لله في أيدٍ أمينة. ولن أعجب إن سجل التاريخ لاحقاً شكره لهذه الحركة المجاهدة و التي أعادت للثورات فلسفتها و رونقها.

بقي أن نذكر أن صلاح الدين الأيوبي لم يكن له أن ينتصر على الصليبيين في فلسطين و يخرجهم منها لو أنه لم يقم بمحاربة الإمارات العربية التي كانت توالي الصليبيين و تدعمهم، فخاض الحروب العديدة ضدهم حتى اضطر أن يواجه جيشاً من عملاء الصليبيين قوامه ستين ألفاً بقيادة أمير حلب العميل للصليبيين، وكانت هذه المعارك أحياناً قاسية و مفصلية، لكنه أدرك- رحمه الله- أن هذه خطوة لا مفر منها لتحرير أرض المسلمين.

أكرر القول إن القضية الفلسطينية هي الآن في أفضل حالاتها منذ وجود العدو الصهيوني على أرضنا الحبيبة، لأن الفرق و المجموعات بدأت تتمايز و يحدد كلُ وجهته بعدما انكشف الغطاء عن الجميع، فالانقسام الحاصل هو انقسام للتمايز لا للتناحر أو التنافس على الكرسي كما يدعي البعض، وهو شبيه بانقسام التمايز الذي حصل قبل غزوة أحد في صف المسلمين، فبقي المؤمنون و تخاذل وتراجع المنافقون، وهذا التمايز لم يورث الهزيمة كما يظن البعض بل أنتج نصراً مؤزراً، لكن الذي ورث الهزيمة انشغال بعض المؤمنين بالدنيا عن الآخرة “منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”، وهذا ما يجب أن نخشاه بعد اليوم، أما غير ذلك فليس له قيمة لا في التاريخ و لا في الشرع و لا حتى في هوامش الكلم.   

على المخلصين أن لا يلتفتوا إلى أفعال أصحاب الهستيريا، بل عليهم العمل للاستفادة من التاريخ الإسلامي و العربي و تاريخ البشرية و بالاستمرار في إكمال مشروع التحرير، فإرادة تغذيها الدماء و يدافع عنها المؤمنون لا يمكن أن يقف في وجهها الجبناء و المتسلقون.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...