الجمعة 09/مايو/2025

مشكلات الكيان الصهيوني في إدارة الحرب ضد حزب الله

مشكلات الكيان الصهيوني في إدارة الحرب ضد حزب الله

 

سأتناول في دراستي هذه مشكلات في إدارة الحرب مع حصر الاهتمام في الجوانب العسكرية، كباحث في الحروب، تأملت الحرب من وجهة نظر نظرية أيضا، وسألت: هل يوجد فيها تجديد نظري ما؟ يبدو أن إجابة ذلك بالنفي؛ فالحرب الأخيرة لا تعرض أي شيء يخالف ما عرفنا في حروب غير تناسبية أخرى، معارضة أساسية على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، لهذا لن أتوسع في الحديث عن هذه القضية.

مقابل ذلك، إذا فحصنا عن الحرب من وجهة نظرنا الأضيق، أي الصهيونية– العربية، تبيّنا على الأقل ثلاثة جوانب خاصة:

أ- كان الهجوم على الجبهة المدنية الداخلية بلا سابقة في سعته، فقد سقط ما يزيد على أربعة آلاف صاروخ أو قذيفة على ارض الدولة العبرية، من غير أن ينجح الجيش الصهيوني في وقف إطلاقها.

ب- دارت الحرب، في مراحلها الأولى على الأقل، في ظروف شبه مثالية، ووجد إجماع داخلي، وتأييد دولي واسع جدا، وفي ضمنه تأييد غير صريح من قبل دول عربية معتدلة، ووجد شعور أوحى به الأمريكيون بغياب قيد الزمن، هذه الظروف التي كانت شبه مثالية لم يعدُ أن زادت الإحساس بالفشل وإضاعة الفرصة مع انتهاء الحرب.

          ج- كانت مشكلات الكيان الصهيوني الرئيسة في الماضي في مجالات الردع والإنذار، وعوضت قدرتها العسكرية من الإخفاقات الردعية أو الإخفاقات في الإنذار – فقد كان لتل أبيب في الحرب الأخيرة صورة رادعة كما شهدت خطبة نصر الله بعد الحرب، وكذلك زودت “أمان” بإنذار قبل حادثة الاختطاف، مقابل ذلك كانت أعمال الجيش الصهيوني غير مُطرية جدا، وهذه مسألة لا يجوز التحول عنها إلى جدول العمل اليومي، لان الحديث عن مشكلة أساسية، لا يوجد لها أية صلة بهذا التصور السياسي أو ذاك، يمكن الاستبدال بالحكومة لكن لا يمكن الاستبدال بالجيش.

سأتحول الآن إلى عرض عدد من المشكلات الرئيسة في إدارة الحرب، مع تأكيد استعمال القوة العسكرية:

المشكلة الأولى : تتصل إحدى المشكلات بتعريف ما حدث كحرب، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا، فقد بدأت حرب لبنان الأولى أيضا كعملية تطورت لتصبح حربا، حينما لم يكن واضحا منذ البدء أن الحديث عن حرب ولم يُعرّفوا الحادثة كحرب، عُرف لذلك تأثير سلبي في تجنيد الاحتياط، وفي جهاز نشر المعلومات الاستخبارية، وفي تطبيق الخطط التنفيذية التي أُعدت من قبل، وفي النظام اللوجستي، وفي القيادة والسيطرة وغير ذلك.

          المشكلة الثانية: تتصل بتمسك الكيان الصهيوني، والجيش خاصة، بنمط قتالي يسمى “ما بعد البطولي”، فمنذ عملية الليطاني في 1978 تبنى الجيش نمطا قتاليا سماه ادوارد لوتفيك باسم “القتال ما بعد البطولي”ن لهذا القتال قاعدتان رئيستان، الأولى منهما: أ- تجب محاولة الامتناع عن خسائر لقواتنا. ب- يجب الامتناع عن المس بمواطني العدو.

يلائم هذا القتال الديمقراطيات الغربية، التي تُصرّف حروبا غير وجودية وتتمتع بتكنولوجيا متقدمة، تُمكّن من إصابة دقيقة من بعيد وتساعد على مضاءلة أن تصاب قواتنا قدر المستطاع وأن يصاب مواطنو العدو، ويُمكّن هذا القتال من أن تكون فعالا من ناحية تنفيذية، وأن تحافظ في الآن نفسه على معايير أخلاقية وعلى أن تحظى بشرعية داخلية بل خارجية أيضا.

لقد عمل هذا الطراز جيدا إزاء الفلسطينيين، وبنجاح جزئي إزاء حزب الله، على أية حال طبقت تل أبيب دائما هذا الطراز القتالي في حين واجهها عدو قاتل قتالا بطوليا، أي قتالا يُراد فيه أن تقتل أكبر قدر ممكن وليس من الفظيع إذا قُتلت.

لقد أيدت هذا القتال، لكن كان من المناسب في الحرب الأخيرة التخلي عنه، لم يكن في الإمكان بغير التخلي عن طراز القتال ما بعد البطولي، والمبادرة إلى هجوم بري واسع أن يُحسم الأمر عسكريا، وأن تُحرز أهداف الحرب الطموحة، أو لمزيد الدقة الطموحة جدا.

كان التمسك بقواعد القتال ما بعد البطولي قد يقطع الجهد العسكري في حالة كانت قواتنا تحملت خسائر باهظة وفي حالة إصابة شديدة للمواطنين في الجانب الثاني، كما حدث في حالة كفر قانا، عندما أوقف “الضرر البيئي” الحرب ليومين بضغط أمريكي، تحيّر المستوى السياسي والعسكري بين قتال بطولي وقتال بعد بطولي، ويبدو أن هذا كان أحد أسباب الحيرة أثناء الحرب، هل تستعمل قوات برية كبيرة أو لا.

المشكلة الثالثة : تتصل بعدد من الفروض الأساسية والاعتقادات الإشكالية التي قامت في أساس إدارة الحرب، وتأثرت بقدر كبير بالتغيرات التكنولوجية، التي قوّت أساس النار في ميدان القتال على حساب أساس المناورة، وسببت نشوء قدرات بعيدة المدى في مجال المعلومات.

·        تحليل مشاكل الحرب

1– مشكلة التكنولوجيا: يمكن أن نسمي الاعتقاد الإشكالي الأول عبادة التكنولوجيا، ففي حين أجرى باحثون أمريكيون قبل نحو عشر سنين مقابلات مع ضباط كبار من الجيش الصهيوني، ووجدوا توجها متزنا نحو التكنولوجيا، انتقل الجيش في السنين الأخيرة إلى أمركة كبيرة، سيطر عليه من جملة ما سيطر عليه منطق تكنولوجي، على حساب إحكام الحيلة.

التكنولوجيا عامل مهم، يجب تطويره واستعماله، لكن لا يجب جعله كل شيء، إن التأكيد المبالغ فيه للتكنولوجيا قد يسبب التفكير في العدو وأنه عامل أقل قدرا، وأن القوات المتصلة بالشبكة، والتي تتمتع بمعلومات استخبارية شبه كاملة في الوقت المناسب، وهو شيء غير موجود البتة، وبقدرات إصابة دقيقة ومدمرة عالية، تستطيع أن تعالجه بنجاعة على نحو شبه محكم، حتى لو كان الحديث عن منظمات حرب عصابات.

في الواقع لقي الجيش الصهيوني عدوا محكما، وذا حيلة، ومصمما، ومستعدا للتضحية، وذا نظام قيادة وسيطرة قوي ومنيع، يلعب هو أيضا في الملعب التكنولوجي، ويملك سلاحا بسيطا لكنه فعال، وأدوات لإدارة القتال الالكتروني.

          2- مشكلة سلاح الجو: يتصل الاعتقاد الإشكالي الثاني بالثقة بالقوة الجوية، فلم يُخضع جيش كامل قط من الجو، فكوسوفو، التي تُذكر في أحيان متقاربة كمصدر إلهام، ليست مثالا على حسم عسكري استراتيجي، لان قدرة الجيش الصربي على القتال لم تُستلب، وتم الحسم بواسطة الضرر الذي سُبب لمجتمع العدو واقتصاده وهو ما يسمى حسما استراتيجيا شاملا.

إن إخضاع حرب العصابات من الجو بإمكانه يؤول إلى الصفر أيضا، فالاعتماد على القوة الجوية يتصل بعبادة التكنولوجيا، وقد تغلغل إلى الوعي قبل الحرب بوقت طويل، بتأثير من “الزرق” بقدر كبير، الذين سيطروا على مفارق مهمة في هيئة القيادة العامة.

إلى جانب الاعتماد على القوة الجوية، تطور في السنين الأخيرة اعتماد كبير على قوات خاصة، بفرض أن التأليف بين القوة الجوية والقوات الخاصة سيثمر فاعلية تنفيذية كبيرة، تبين في هذه الحرب بالفعل مدى محدودية فاعلية الوحدات الخاصة وأنها لا يمكن أن تكون بديلا عن قوات برية كبيرة، وبيقين إذا أردنا إحراز حسم عسكري أو إزالة تهديد صواريخ الكاتيوشا.

3- مشكلة السيطرة البرية: ظاهرة أخرى، إشكالية جدا، تأثرت هي أيضا تأثرا كبيرا بتقوية أساس النار على حساب المناورة، هي تغلغل مفهوم “السيطرة” من عالم المفاهيم الجوية والبحرية للتفكير البري، إلى حد جعله بديلا عن احتلال الأرض، ونتذكر التصريحات في شأن السيطرة على بنت جبيل في أثناء الحرب، لا تُحسم الحرب بالسيطرة، وبالسيطرة لا يقضون على البنى التحتية لمنظمات حرب العصابات.

بتأثير تقوي أساس النار على حساب المناورة، مر الجيش الصهيوني أيضا بثورة لوجستية، في مركزها نظام أكثر تركيزا لحُزم لوجستية ميدانية، في ضوء المشكلات اللوجستية، التي تبينت في هذه الحرب، يُثار سؤال هل يستطيع نظام من هذا النوع، طور في السنين الأخيرة أن يدعم عملية برية واسعة النطاق مع أساس قوي من المناورة.

يُشتق مما قيل آنفا في الظاهر، من جملة ما يُشتق، انه إذا كان يمكن إحراز إنجازات عسكرية مثيرة بمساعدة تكنولوجيا مُحكمة، وقوة جوية، وقوات خاصة، بغير مناورة برية وما أشبه، فلا حاجة إلى قوات احتياط كبيرة مستعدة استعدادا جيدا للقتال، كانت النتيجة أن كفّت قوات احتياط كبيرة عن التدرب، والتزود كما ينبغي، أو الاتصال بالتكنولوجيا المُحكمة.

إلى هنا ينتهي الحديث عن الفروض والاعتقادات الخاطئة.

أريد الآن أن أشير باختصار إلى ثلاث مشكلات أخرى:

1- أزمة القيادة العسكرية : المشكلة الصعبة جدا التي كُشف النقاب عنها في الحرب هي مشكلة القيادة العسكرية، كانت الإجراءات العسكرية في الحرب مكشوفة، ومتوقعة، ومباشرة وغير إبداعية، وبرز بروزا خاصا الجهد الميداني لدفع حزب الله إلى الشمال، تحدثوا عندنا لمدة سنين عن الضباط وأنهم أرباب السيف والقلم، في الواقع، من يعرف الضباط الكبار من قريب في المسار التنفيذي يعلم أن الحديث على نحو عام عن ضباط يؤكدون التجربة والحدس خاصة، وهو ما أسماه ليدل هارت “جنودا عمليين”، في حين أن الجيوش الجدية تُنمي ما أسماه عالم الاجتماع العسكري جانوبيتش “جنودا مفكرين”، والقصد بـ “الجنود المفكرين” إلى ضباط، التزامهم الرئيس هو الأسئلة العملية، لكنهم من اجل مواجهة المشكلات العملية يستمدون الإلهام من نظرية عسكرية ومن تاريخ عسكري.

          في الفيلم القصير الذي عُرض في التلفاز قبل عدة سنين، تحدث الجنرال شفارتسكوف، القائد الأمريكي في حرب الخليج، عن إلهام تلقاه من حملة هانيبعل على ايطاليا، وأوضح كيف اعتمد التخطيط التنفيذي في حرب الخليج على مبادئ الحرب وعلى التاريخ العسكري.

شفارتسكوف ضابط متخصص، اجتاز مسار إعداد معتاد، هل نستطيع التفكير في قادة كبار في الجيش الصهيوني قادرين على تفكير يؤلف بين النظرية والتاريخ العسكري في المبدأ، والتخطيط والتنفيذ مثل شفارتسكوف وأمثاله؟ أخشى أن لا يوجد كثير كهؤلاء، إذا وجدوا أصلا.

ابتعد ضباط الجيش الصهيوني منذ وقت عن التجربة القتالية التي تتجاوز نشاطات العمل الشرطي في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تُعلم مسارات إعدادهم نظرية عسكرية تقريبا، ولا يقرأ الضباط أنفسهم أدبا عسكريا متخصصا، كله أو أكثره باللغة الانجليزية، التي لا يمتلك ناصيتها كثيرون منهم. <

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...