السبت 10/مايو/2025

محاولة استكمال تنفيذ المؤامرة

عمر نجيب

أقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس على خطوات جديدة لتكريس عملية فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وتجويع عشرات الآلاف من مواطنيه في غزة وتشديد الحصار حولهم انتقاما من مواقفهم التي لم تساير حركة الانقلاب الفاشلة التي قام بها تيار داخل منظمة فتح. قرارات أبو مازن حول حبس الأجور وإغلاق المعابر تعتبر تنفيذا للمطالب الإسرائيلية التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت خلال اللقاء الذي جمعهما والذي اشترط فيه ألا تذهب الأموال التي جمدتها تل أبيب من دخل الضرائب المستحقة للفلسطينيين لدفع أجور أنصار حماس أو لأية مشاريع في قطاع غزة.

وهكذا قررت حكومة الطوارئ الفلسطينية برئاسة الدكتور سلام فياض يوم الاثنين عدم دفع الرواتب لـ 23 ألف موظف تم تعيينهم في عهد حكومتي حركة حماس والوحدة الوطنية السابقتين، كما قررت إلغاء عقود تشغيلهم وبالتالي فصلهم، كما أكدت حكومة فياض ان حرمان الأجور سيمس كذلك آلاف الموظفين غير الملتزمين بتعليمات الحكومة الجديدة والذين يتعاونون مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها إسماعيل هنية والتي تتمسك بشرعيتها وترفض قرار إقالتها الذي أصدره الرئيس عباس.

وفي محاولة لتبرير هذا الإجراء التعسفي وبأسلوب مشابه للذي تستخدمه إسرائيل، صرح وزير الشباب والرياضة في حكومة الطوارئ اشرف العجرمي أن قرار إلغاء كل عقود التوظيف التي تمت بعد 31 ديسمبر 2005 تم لأن هذه العقود غير قانونية.وادعى العجرمي ان حكومة حماس العاشرة وحكومة الوحدة الوطنية وظفت آلاف المواطنين بصورة غير قانونية ووفق أجندات حزبية وليست مهنية على حد قوله.

وفي نطاق محاولات حكومة فياض مساومة وابتزاز الموظفين على مواقفهم ذكر العجرمي أن الباب ما زال مفتوحا لكل الموظفين لتصويب أوضاعهم والالتزام بقرارات الحكومة الجديدة والاعتراف بشرعيتها من أجل أن تعترف بشرعيتهم وتؤمن لهم رواتبهم الشهرية، مضيفا لن ندفع رواتب للموظفين غير الملتزمين بشرعية حكومة الطوارئ.

وكانت حكومة فياض قد تسلمت من حكومة الصهاينة يوم الأحد 1 يوليو 118 مليون دولار شكلت أول دفعة من العائدات الضريبية والجمركية المستحقة لها والتي كانت اسرائيل تجمدها منذ تولي حركة حماس رئاسة الحكومة الفلسطينية، والمقدرة في مجملها بين 650 و700 مليون دولار. وقد أكدت اسرائيل أنها ستحول لحكومة فياض شهريا مبالغ بقيمة 50 الى 60 مليون دولار من الرسوم الضريبية المقتطعة فضلا عن كامل المبالغ المستحقة سالفا.

أموال كل الشعب الفلسطيني

قرار حكومة فياض أثار ردة فعل غاضبة سواء في غزة او الضفة الغربية حيث أنه قسم الشعب الفلسطيني على المقاس الإسرائيلي، وقد جابت مسيرة جماهيرية حاشدة غاضبة شوارع مدينة غزة احتجاجا. في حين أكد إسماعيل هنية رئيس الوزراء في حكومة تسيير الأعمال الشرعية بأنه سيبذل قصارى جهده من أجل حل قضية استثناء موظفي غزة من الرواتب، الذي اتخذته حكومة ما يسمى “الطوارئ” غير الشرعية التي عينها رئيس السلطة محمود عباس. وقال هنية في كلمة له ألقاها أمام مسيرة تجمع النقابات المهنية الرافضة لقرارات حكومة سلام فياض يوم الثلاثاء 3 يوليو “إن هذه القرارات تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان”، واعداً المشاركين بحل كافة قضاياهم بكافة الوسائل الممكنة.

من جانبه طالب الدكتور أحمد بحر رئيس المجلس التشريعي بالإنابة رئيس السلطة محمود عباس بالتراجع عن قرار استثناء آلاف الموظفين من الرواتب. وقال بحر في كلمة ألقاها أمام المسيرة: “نطالب عباس بأن يتراجع عن هذا القرار، وأن لا يكون هناك فصل أو مساهمة في الفصل والتجزئة بين الموظفين في الضفة الغربية وقطاع غزة”. وأضاف يقول إن على رئيس السلطة محمود عباس أن “يعدل ويتراجع عن كثير من المراسيم والقرارات التي تؤجج الساحة الفلسطينية والتي تؤجج الخلافات بين أبناء الشعب الفلسطيني وتؤدي إلى الفتنة بين أبناء الشعب الواحد”، مشددا على وحدة ولحمة الشعب الفلسطيني.

وأشار بحر إلى أنه سيطالب بحقوق الموظفين في جلسة التشريعي المزمع عقدها يوم الخميس 5 يوليو.

 واتهم يحيي موسى نائب رئيس كتلة حماس البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني حكومة الطوارئ بأنها تعمل تحت إمرة الاحتلال الإسرائيلي، وقال إن سلام فياض لا يمثل حكومة فلسطينية وهو مغتصب للسلطة، جاء خلافا للقانون والدستور، مضيفا هذه الحكومة ترتكب جريمة برفضها إعطاء مرتبات لموظفين شرعيين تم توظيفهم بصورة شرعية وبتوقيع من الرئيس أبو مازن . وأكد موسى أن كل موظف فلسطيني لن يأخذ راتبا من حكومة الضفة ستوفر له حكومة غزة راتبا.

جريمة ابتزاز

ومن جهته أعلن الدكتور محمد المدهون رئيس ديوان مجلس الوزراء الفلسطيني والقائم بأعمال رئيس ديوان الموظفين في حكومة هنية رفض حكومته قرار فياض وشدد على رفض محاربة الموظفين في رواتبهم جملة وتفصيلا، داعيا كل المسؤولين في مختلف مواقع القرار الي إعادة النظر في مثل هذه القرارات لأنها تجلب لهم العار وتضعهم في خانة عداء مع أبناء الشعب الفلسطيني. وشدد المدهون على أن محاربة أرزاق المواطنين تحت ذرائع سياسية أمر مرفوض شرعا وقانونا ويضع مرتكبي ذلك في خانة عداء مباشر مع الشعب الفلسطيني .

وأشار المدهون إلى أن الأموال التي تم الإفراج عنها من قبل الحكومة الإسرائيلية هي أموال كل الشعب الفلسطيني ويجب أن تعود لكل الشعب الفلسطيني وألا يجري إنفاقها وفق أجندات حزبية أو سياسية أو أجندات تراعي المفهوم الأمريكي في التعامل مع الوضع الفلسطيني علي حد قوله.

وأكد المدهون على وعد إسماعيل هنية بصرف رواتب من سيجري استثناؤهم بقرار من حكومة فياض، لكن لفت إلى أن ذلك يحتاج لخطوات إدارية وفنية لترتيبها، خاصة أن ملفات وقواعد البيانات موجود في رام الله والتعاطي معها يحتاج لأمور إدارية وفنية وبالتالي يحتاج لوقت.

إغلاق معبر غزة إلى مصر

حكومة فياض لم تقتصر في تعديها على حقوق الشعب الفلسطيني على حجب الرواتب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث رفضت إعادة فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة وأيدتها في ذلك تل أبيب بدعوى أن المعبر أصبح منذ سيطرة حماس على غزة في أيدي سلطة غير شرعية.

وفي رد على هذه الخطوة دعت الحكومة الفلسطينية برئاسة هنية، إلى إعادة فتح معبر رفح الحدودي مع مصر، معلنة عن رفضها لفتح معبر كرم ابو سالم “كيريم شالوم” مع اسرائيل لإعادة آلاف الفلسطينيين العالقين في الجانب المصري من معبر رفح الى غزة. وفي بيان لها قالت الحكومة، إنها “تعلن عن رفضها القاطع لاعتماد معبر كرم ابو سالم لإدخال المواطنين الفلسطينيين العالقين في الأراضي المصرية”. وشددت على “ضرورة” فتح معبر رفح أمام حركة المسافرين الفلسطينيين من والى قطاع غزة “حتى لا يتحول القطاع إلى سجن كبير”.

 واعتبر البيان أن “أي نقل لحركة المسافرين” من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم يعتبر “مسا خطرا بحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، ومسا بالسيادة الفلسطينية على القطاع وتكريسا للحصار الإسرائيلي ويعرض المئات من المواطنين العائدين لخطر الاعتقال على يد قوات الاحتلال”. كما أكد رفض “عودة السيطرة الإسرائيلية على حركة المواطنين الفلسطينيين”.

وتقول مصادر فلسطينية إن ستة آلاف فلسطيني على الأقل عالقون في الجانب المصري من المعبر منذ سيطرة حماس على القطاع قبل ثلاثة أسابيع وهم ينتظرون إعادة فتح المعبر من اجل العودة إلى غزة. وتوفيت على المعبر امرأة فلسطينية ومسن من بين هؤلاء العالقين بسبب تردي وضعهما الصحي.

 وتغلق إسرائيل عبر المراقبين الدوليين المقيمين على أراضي خاضعة لسيطرتها معبر رفح جنوب قطاع غزة وهو المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة على الخارج بشكل متكرر منذ منتصف العام الماضي. ومعبر كيريم شالوم يقع على بعد عدة كيلومترات إلى الشرق من معبر رفح على الحدود مع مصر وهو خاضع للسيطرة الصهيونية وليس به مراقبون أجانب.

ويأتي تشديد الحصار وإغلاق المعبر رغم تحذير الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، من أن المساعدات التي تم تقديمها إلى الفلسطينيين بقطاع غزة، لا تكفي للحيلولة دون وقوع أزمة إنسانية خطيرة.

وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا”، أن هذه الكميات قليلة للغاية مقارنة مع الحاجات اليومية من المواد الغذائية والتجهيزات الطبية والاسمنت الضرورية لمنع حصول أزمة إنسانية في قطاع غزة.

وقال كريستوفر غونيس المتحدث باسم الاونروا، “يجب نقل 175 شاحنة محملة بالمواد الأساسية إلى غزة يوميا لمنع حصول أزمة إنسانية”. وأوضح أن80 في المائة من السكان البالغ عددهم مليون ونصف نسمة، يعتمدون على لمساعدات الإنسانية.

تعاون أمني مع عدو يقتل يوميا في الضفة والقطاع

ولإكمال صورة التآمر على الشعب الفلسطيني الذي قتل الجيش الإسرائيلي العشرات من أبنائه في الضفة وغزة خلال الأيام الأخيرة أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت يوم الثلاثاء إن التنسيق الأمني بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية قد عاد للضفة الغربية، وهدد بأن كل تعامل بين الجانبين سيتوقف إذا ما بدأ رئيس السلطة محمود عباس في الحوار مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وأضاف أولمرت في جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إن هذا التنسيق “قد يؤدي” إلى رفع بعض الحواجز المقامة في المناطق المختلفة في الضفة الغربية، دون أن يؤكد أنه سيرفع الحواجز بالفعل، مضيفا أن قراره بالإفراج عن 250 أسيرا فلسطينيا- ومن حركة فتح تحديدا- جاء لإعلام الفلسطينيين أن “هناك مكافأة لمحاربة حماس”!

يشار إلى أن هذا القرار لم يتم طرحه للتصويت بعد على الحكومة الإسرائيلية بدعوى عدم القدرة على اختيار 250 اسما من أسرى فتح لم ينفّذوا أيةَ عمليات فدائية ، إلا أن بعض المصادر الإسرائيلية قالت إن السبب الحقيقي هو خشية أولمرت من أن تستغل المعارضة هذا القرار في حملتها للإطاحة به بالدعوة لانتخابات مبكرة!

وتأتي تصريحات أولمرت لتتطابق مع مواقف رئيس السلطة محمود عباس الذي يجدد رفضه فكرةَ الحوار مع حركة حماس، على الرغم من إطلاق الحركة وحكومة الوحدة الفلسطينية ومصر والسعودية ودول عربية كثيرة العديد من الدعوات للحوار، والتي كان آخرها دعوة رئيس حكومة الوحدة إسماعيل هنية التي شدد فيها على أن المخرج الحقيقي لما يحدث في الأراضي الفلسطينية هو الحوار.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات