حين فقد الجيش الصهيوني قدرته على الفوز في الحرب!

في دراسة نشرت في عدد سابق من التقييم الإستراتيجي قدم عوفر شيلح تحليلاً للحرب الثانية على لبنان انتهى فيه إلى القول بأن الانتفاضة الثانية، والحرب الإسرائيلية على لبنان كانتا “حربان في عصر ما بعد الحداثة”، وبناء على ذلك فإن القواعد التي كانت سائدة في الحروب السابقة لا تنطبق عليهما، فقد ضل القادة الصهاينة الطريق وهم يحاولون تطبيق القواعد الفكرية والسلوكية على الحرب على لبنان، وهي قواعد لا تنطبق على الواقع الذي انبثق عن هذه الحرب، وبالتالي، فإنهم جلبوا لأنفسهم الهزيمة.
ويرى شيلح، أنه في الحالة “المضادة للحرب” كما كان عليه الوضع في لبنان، فإن “القدرة على تحقيق مكاسب سياسية من خلال عملية عسكرية قد تلاشت بشكل تام تقريباً”، ولكن شيلح غير موفق في مقاله لأن تحليله مبنيّ على ما يسميه هو “الوقائع التاريخية” التي تدعم نقاشه في عدة مواضع، ولكن دراسته ظلت مع ذلك مفتقرة إلى الوقائع السياسية الحقيقية.
* غياب قدرة الردع
ليس المقصود من الردع إحداث تغيير أيديولوجي عند الطرف المعادي، بل المقصود منه ردع هذا الطرف عن سلوك طريق العنف من أجل تحقيق أيديولوجيته، ففي مراجعة للحروب التي شنها العرب قبل حرب الأيام الستة، نرى أنه حتى عام 1967كان هدف أعداء الدولة اليهودية تدمير البلد من خلال اجتياحها، فجاءت حرب الأيام الستة لتضع حداً لهذه الفكرة.
فالنصر الحاسم الذي تحقق في تلك الحرب ولّد رادعاً غير مسبوق لعملية عسكرية مباشرة شنتها الجيوش العربية، وبالتالي، فعلى الرغم من أن الأيديولوجية الأساسية لهذه الجيوش لم تتغير، فإن العرب انتقلوا إلى مقاربة عسكرية أخرى قائمة على الحرب الشاملة التي تهدف إلى تحقيق هدف عسكري محدود.
كما دفع الردع الصهيوني المتعاظم الرئيس المصري أنور السادات للتخلي عن فكرة تدمير الدولة العبرية وإنهاء احتلالها العسكري لصحراء سيناء، وقرر بدل ذلك القيام بهجوم محدود يهز الأوضاع في الشرق الأوسط، ويتولد على أثر ذلك عملية سياسية تهدف إلى إعادة جزيرة سيناء للسيادة المصرية، وأحدث الردع الصهيوني تغيراً في وجهة النظر في الشارع العربي، وفي أهداف العرب من الحروب التي شنت لاحقاً ضد تل أبيب.
وتقول الدراسة: من الأمور التي تمتاز بها إسرائيل الدولة العبرية أن المخابرات فيها تقول شيئاً والقيادة تتجاهله”، ولكن ذلك غير دقيق، فكل الدراسات التي قدمت عن حرب يوم الغفران أو حرب 1973 تتفق على أن جذر الفشل الاستخباراتي الصهيوني ينبع من عدم معرفتهم بالتغير الذي حصل لدى القيادة المصرية فيما يتعلق بأهداف الحرب.
* التصدي للعمل المسلح
نتيجة لما لحق بهم من هزائم عسكرية فادحة، فإن العرب انتهجوا طريقة أخرى في الحرب مركزين على الأعمال الفدائية المسلحة، التي تهدف مع مرور الزمن إلى الفتّ من عضد القوة التماسك القومي الصهيوني، وفي إطار مفهوم الردع يمكن القول بأن التحول للعمل المسلح هو العلامة الأهم على انتصار الجيش الصهيوني في سياسة الردع العسكري التي وصلت إلى أوجها بعد حرب عام 1967.
ففي السبعينيات نجح الجيش في اجتثاث المقاومة الفلسطينية حين ظهرت، وحقّق الجيش الأردني انتصاراً مشابهاً لما حققه الجيش الصهيوني حين قام بسحق العمل الفدائي الذي هدد المملكة الأردنية!
المشكلة في حرب الجيش الصهيوني على المقاومة الفلسطينية منذ العام 2000 تكمن في أنه بدأت تتسرب أفكار من مثل “ليس هناك نصر عسكري حاسم”، ومثل هذه المفاهيم الخاطئة جعلت مفهوم “النصر الحاسم” الذي يجب أن يعتنق في جميع أنواع الحروب، يتلاشى.
ولذلك، ليس غريباً أن الجيش الذي يقوده أناس ذوو أفكار انهزامية لم يستطيعوا أن يتغلبوا على أعدائهم، لكن الضباط الميدانيين في الجيش الصهيوني حملوا أفكاراً مناهضة لما ساد من مفاهيم خاطئة وأعادوا الاعتبار لمفهوم النصر الحاسم، حتى في إطار الحرب على المقاومة الفلسطينية.
الدراسة تدعي أيضا أن “صاروخاً لا يمكنه أن يجعل بلداً يركع، خاصة بلد ذو قوة اقتصادية وتنظيمية”، إن صواريخ الكاتيوشا التي أطلقت على شمال الكيان الصهيوني كانت عملاً عدائيا بلا شك، كان الهدف منها إقناع المدنيين أنه لا مفر لهم ولا ملجأ في أي مكان، ووحده قبول إملاءات من يقفون وراء العمل المسلح سوف ينقذهم ويجلب لهم السلام.
لكن كاتب الدراسة ينسى، أو اختار أن يتجاهل، أن النتائج الخطيرة التي ترتبت على الاعتداءات العسكرية على الدولة العبرية، تسببت بأضرار جسيمة في الاقتصاد الصهيوني وفي الحسّ الوطني الصهيوني أكثر من سابقاتها، ويمكن للإنسان أن يفترض بأنه لو لم يتعافَ الجيش الصهيوني من الاعتداءات التي لقيها في قطاع غزة، لوجدت الدولة نفسها في وضع يهدد جوهر وجودها، وهو تهديد لم تواجهه في الحروب السابقة.
* التغلب على القوة الصاروخية للمقاومة
كانت قوة حزب الله في سلاحه الصاروخي، وحين تم تدمير قدرته الصاروخية البعيدة والمتوسطة المدى لم يعد هناك سوى الصورايخ القصيرة المدى التي لا يمكن تدميرها إلا في ساحة المعركة، وبدل أن تعتمد الدارسة على هذه الوقائع لتقول بأهمية المعركة الأرضية وجهاً لوجه، توصلت إلى القول بأن حزب الله لا يمكن هزيمته، وبالتالي فإن من الخسارة تضييع أرواح الجنود أو تعريضهم للخطر في حرب معه.
لكن هذا التفسير خاطئ، فالجيش الصهيوني الذي تم تسميم أفكاره بمفاهيم خاطئة بذل كل جهد ممكن لعدم تحريك قواته الأرضية التي دربت لسنوات عديدة على كيفية شل عمل الصورايخ قصيرة المدى، بالإضافة إلى ذلك، تظهر الوقائع بأنه في أي مكان تتواجد فيه قوات برية، وتنجح هذه القوات في التوغل عميقاً في مناطق إطلاق الصورايخ، فإنهم يشلّون بشكل تام قدرة العدو على إطلاقها.
وبالفعل، فإن الخلاصة التي يجب أن نتعلمها من الحرب على لبنان هي أنه يجب أن يكون هناك تدريب على أعلى المستويات قبل الحرب المقبلة، وما يتم التخطيط له يجب أن يستفاد منه ومن فعاليته لأقصى حد، في حين لو أننا سلمنا جدلاً بأن ما جاء في الدراسة من أن الجيش الصهيوني فقد قدرته على الردع، وأن النصر الحاسم في عصر “حرب ما بعد الحداثة” لا يمكن تحقيقه، وأن القوة العسكرية غير مجدية وغير ضرورية، فعلام يمكن حينها بناء الأمن الصهيوني في مواجهة أي خطر وجودي؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...