السبت 10/مايو/2025

عندما تقايض الحرية بالشرعية !!

أ. حسن القطراوي

قد لا يفسر أحد بدقة سر المقايضة التي طرحتها الحكومة الإسرائيلية على أسرى الشرعية الفلسطينية في مقابل الحرية ، الحرية التي سلبتها إسرائيل من رأس الشرعية لا لذنب إلا أنهم نواب عن كتلة لا ترضى عنها إسرائيل ولا أمريكا ولا حتى الأنظمة العربية ، والغريب في الأمر والذي يحتاج إلى وقفة دقيقة لمحاولة استقراء ما وراء هكذا مقايضة للحرية بالشرعية هو أن نسأل باستغراب : هل يحق لأحد في العالم أن يطالب نواباً شرعيين بأن يتنازلوا عن شرعية منحها شعب لهم ؟  وهي بالمناسبة ليست سرقة أو تزكية ، شرعية اعترف القاصي والداني لها ولنزاهتها حتى أمريكا وإسرائيل نفسها.

 ولكي نفهم سر هذا العرض الغريب الذي لم يعرض على أي نواب من قبل في تاريخ السلطة الوطنية الفلسطينية ، ولماذا تم هذا العرض في هذا الوقت بالذات ؟ أي بعد تشكيل الرئيس الفلسطيني لحكومة الطوارئ التي لم تعترف حماس بشرعيتها ، الإجابة تكمن في نصف السؤال السابق أي أن حماس لا تعترف بشرعية حكومة الطوارئ لذلك كان لزاما على إسرائيل التي تعمل بكل قوة من اجل إطالة عمر حكومة الطوارئ لأنه من وجهه نظر الحكومة الإسرائيلية فإن حكومة الطوارئ هي الحكومة المطلوبة إسرائيليا وهي الشرعية وهي التي يجب أن تحمى بكل الطرق وبكل الوسائل حتى لو كانت هذه الوسائل هي نزع الشرعية عن الشرعيين الأصليين ومنحها لأصحاب الشرعية المزيفة والمتحايلة على القانون “بالعربدة السياسية” وبقوة إسرائيل ولأن حماس تمتلك الأكثرية في المجلس التشريعي الفلسطيني والتي من خلالها تمنح الثقة لأي حكومة فلسطينية وبدونها لا يمكن لأي حكومة أن تعيش ، الأمر الذي يدعو الرئيس قانونا إلى الاتجاه نحو المجلس التشريعي الفلسطيني لأجل التمديد لحكومة الطوارئ التي شكلها مؤخرا وبالأكيد فإن حركة حماس لن تمنح الثقة لحكومة غير شرعية من وجهة نظرها ، لذلك كان لزاما على إسرائيل التحرك الفوري لأجل حماية الشرعية التي تعترف بها إسرائيل ، فكانت المقايضة الكبرى للأسرى النواب من حماس مقايضة الشرعية بالحرية ، حتى يتسنى نزع الأكثرية من حماس إن استطاعوا والمرور بالتشريعي لمنحه حكومة الطوارئ الثقة بعد أن تمثل حركة فتح الأغلبية فيه هذا إن نجحت إسرائيل في مخططها وهذا مستحيل ، يبقى أن لا تمنح الحكومة التي شكلها الرئيس عباس الثقة والاتجاه إلى تشكيل حكومة طوارئ جديدة بدون المرور بالتشريعي لأن التمديد أصلاً لحالة الطوارئ تحتاج إلى موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني عليها وبثلثي الأعضاء، وهذا أيضا غير ممكن لان حركة فتح لا تمتلك ذلك وهذا يعني استمرار المأزق السياسي الفلسطيني.

 ويتسع المأزق كلما ابتعدت الفصائل الفلسطينية والكتل البرلمانية عن الحوار لأنه لا توجد أوراق سياسية يمكن أن تخرج طرفاً من المأزق السياسي بدون الطرف الآخر وهذا يعني أن الأطراف الفلسطينية بحاجة إلى أن تدرس القيمة السياسية الكبيرة التي قد تعود على الشعب بالحوار والحوار على أساس من الإدراك الجيد لخطورة المرحلة ، سيما حالة الانقسام الحاصلة بين الضفة الغربية والقطاع .

لذلك بالاعتقاد أن كل الرهانات القائمة على عزل الآخر غير صائبة وتؤدي إلى نتائج عكسية مضرة بالمصلحة الوطنية ككل يتحمل مسئوليتها التاريخية الفصيلان الفلسطينيان الكبيران على الساحة الفلسطينية وأنه لا بديل عن الحوار كما أكدت معظم الدول العربية خصوصا مصر والسعودية لأن كل الدول العربية تعرف جيداً خطورة الانقسام الحاصل وانه لا يمكن لطرف فلسطيني إنهاء الآخر وان المستفيد الوحيد من حالة الانقسام والطلاق السياسي القائمة بين حركتي فتح وحماس لا يستفيد منها سوى أعداء الشعب الفلسطيني سيما إسرائيل وعندما أدركت الدول العربية هذا المنطق الجيد أرادت من خلال التأكيد على الحوار تفويت الفرصة على المتربصين بالقضية الفلسطينية والذين يعملون ليل نهار لإبادتها وإيصالها إلى درجة العقم السياسي والعسكري وإيهامنا بأن ما قد تمليه إسرائيل هو المتوفر فقط وانه ليس على الفلسطينيين إلا السمع والطاعة.

هذا المنطق الخطير الذي تود إسرائيل إزاحة فريق سياسي فلسطيني معين عن هذا المربع اعتقادا منها بأن ما يمكن أن تمليه على فريق سياسي آخر قد يعمم على مجموع الفلسطينيين وهذا خلل في التفكير الإسرائيلي لان أي حل سياسي لن يتم بحال من الأحوال إلا بتوافق فلسطيني فلسطيني قائم على قرارات الشرعية الدولية والتي لا تؤمن بها إسرائيل أصلاً.

لذلك لا يمكن أن تسير المركب الفلسطينية بدون التوافق وإن سياسة التهميش والعزل وسحب الشرعيات وتأليب المجتمع الدولي على فريق معّين لن تضر إلا بالمجموع الفلسطيني ككل إن انطلقنا في فكرنا وعقليتنا من واقع أن الوطن للجميع .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات