الأحد 11/مايو/2025

عمال الخليل.. رحلة يومية مع الآلام عبر منافذ الخط الأخضر الضيقة

عمال الخليل.. رحلة يومية مع الآلام عبر منافذ الخط الأخضر الضيقة

يعيش آلاف العمال من محافظة الخليل أصنافا مختلفة من العذاب والمعاناة أثناء توجههم وعودتهم إلى أماكن عملهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وعودتهم منها، الأمر الذي يكلِّفهم ثمناً باهظاً في البحث عن لقمة العيش.

وقد استحدثت قوات الاحتلال الصهيونية مؤخراً معبراً جديداً جنوبي قرية الظاهرية، الواقعة إلى الجنوب من مدينة الخليل، وهناك تجبر تلك القوات العمال على الخضوع لتفتيش دقيق ومهين قبل دخولهم إلى أماكن عملهم، ما يضطرهم للوقوف في طوابير طويلة قبل تمكّنهم من اجتياز ذلك المعبر.

ويُشترط فيمن يضطرون لعبور المعبر الجديد؛ الحصول على تصاريح صهيونية خاصة تتيح لهم العمل في الداخل الفلسطيني، وهذه التصاريح تصدرها “مكاتب الارتباط” ومرهونة بموافقة المخابرات الصهيونية، وغالبا ما تصدر لمن هم فوق سن الخامسة والثلاثين من العمر.

طوابير طويلة في الانتظار

ويقول المواطن “أبو أيمن”، وهو عامل بناء، إنه مضطر للبحث عن عمل داخل الأرض الفلسطينية المحتلة سنة 1948، لكثرة المصاريف المترتبة عليه وعلى عائلته في ظل الظروف الراهنة، ولانعدام فرص العمل أمامه في الضفة الغربية.

ويضيف أبو أيمن أنه حصل على تصريح العمل بعد سنوات من الانتظار، موضحاً أنه كان ينتظر لساعات طويلة في طوابير العالقين أمام أبواب مكاتب الارتباط الصهيونية للحصول على التصاريح، وبعد محاولات متكررة حصل على “بطاقة ممغنطة”.

ويوضح العامل الفلسطيني المغلوب على أمره أنّ البطاقة الممغنطة تعني أنّ صاحبها ليس في سجله لدى السلطات الأمنية الصهيونية ملاحظات، مشيراً إلى أنه تقدم بعد حصوله على البطاقة الممغنطة بطلب للحصول على التصريح الذي حازه بعد شقاء وتعب وطول انتظار.

ولكن، لم يكن يخطر ببال أبي أيمن أنّ الوصول إلى موقع العمل سيكون أكثر إذلالاً من الحصول على التصريح، حيث يقول إنّ العمال يقفون في طوابير طويلة مع ساعات الفجر الأولى على بوابات معبر الظاهرية الجديد، ليُسمح لهم باجتياز الخط الأخضر.

وبشأن ما يقاسيه العمال في هذا المعبر؛ يوضح عامل البناء هذا أنّ على جميع العمال إبراز بطاقات هوياتهم وتصاريحهم، ولدى وصولهم لشباك التدقيق يدخل العامل مرحلة أخرى يتم فيها إخضاعه لتفتيش جسدي وإلكتروني مشدد، ويتم تفتيش أغراضه المحمولة وهي في الغالب الطعام الذي يحتاجه خلال رحلة شاقة، ثم يمر بمسرب طويل حتى يعبر الجهة المقابلة ويستقل السيارة التي تنتظره لمكان العمل.

ويوضح أبو أيمن أنّ أي جندي من قوات الاحتلال عند ذلك المعبر بإمكانه وبعد انتظار طويل أن يعيد أياً من العمال لأتفه الأسباب من حيث أتى، كأن يطلب منه تجديد صورته في الأوراق الثبوتية أو التصريح وغير ذلك.

ويقول عدد من العمال إن وجود عدد من المراقبين على المعبر يساعد في تيسير حركة العمال، لكن إذا غاب أي منهم عن ذلك الحاجز الكريه؛ فإنّ الجنود لا يترددون في التعدي على العمال وإهانتهم بكافة الأشكال.

هروب لمسافات طويلة

أما العامل خالد أبو يوسف، البالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، فيقول إنه لا يحوز على تصريح عمل، لذلك يضطر إلى التوجه لمكان عمله بالتهريب، أي بسلوك دورب طويلة ووعرة بواسطة مهربين مختصين، رغم ما يتخلل ذلك من مخاطر جسيمة عليه.

ويضيف أبو يوسف أنه يمشي في بعض الأحيان عدة كيلومترات لتجاوز خطوط الدوريات الصهيونية أو للهرب منها، مضيفاً أنه مضطر للعمل هناك نتيجة “الأوضاع القاسية” في الضفة الغربية وارتفاع أجرة العمل في الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948.

ويوضح أبو يوسف أنّ عدداً من العمال تم اعتقالهم أثناء تهربهم إلى الداخل، ومنهم من حُكم عليه بالسجن لعدة شهور، ومنهم من تعرّض للتعرية والضرب المبرح، أو تم توقيعه على وثائق بعدم البحث عن العمل في الداخل مستقبلاً.

أما إذا ما نجح العمال في الوصول إلى أماكن عملهم؛ فإنّ كثيراً منهم وخاصة غير الحاصلين على تصاريح عمل؛ قد يقعون ضحية للنصب والاحتيال، حيث لا يتقاضون أجرهم، أو يجري تهديدهم بتبليغ شرطة الاحتلال عنهم لاعتقالهم، ما يضطر بعضهم للسكوت عن تلك المظالم وعدم المطالبة بحقوقهم.

أعداد كبيرة من العمال العاطلين

وتقدِّر هيئات مختصة بشؤون العمل، عدد العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية بنحو مائتين وخمسين ألفا، منهم ثمانون ألفا في الخليل. ومن بين هذا العدد في الخليل يوجد عدة آلاف فقط يتمكنون من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر.

وفي غضون ذلك؛ تحذِّر جهات مختصة من تزايد نسبة البطالة في محافظة الخليل، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وتُقدّر نسبة البطالة بين العمال في الوقت الراهن بنحو 65 في المائة، ونسبة الفقر بين العمال بنسبة 80 في المائة، حسب ما تذهب إليه تلك الجهات.

وفي السياق ذاته؛ ذكرت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، في تقرير لها، أنّ الانتهاكات الصهيونية جعلت الاقتصاد الفلسطيني يواجه ظروفاً قاسية، ما أصاب مختلف القطاعات الاقتصادية بحالة من الشلل.

وأضافت الهيئة أنّ العمّال الفلسطينيين يشكِّلون شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، وباتوا يقاسون تبعات حرب وسعة في لقمة عيشهم، ويتعرّضون باستمرار إلى الضغوط الصهيونية، مشيرة إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة بين العمال الفلسطينيين والأسر الفقيرة.

وقالت الهيئة في تقريرها إنّ عدد العاطلين عن العمل يزيد على 212 ألف مواطن فلسطيني، فيما يتسبب الحصار الصهيوني بخسائر مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الفلسطيني بنحو 1.1 مليون دولار يومياً، حسب تقديراتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات