باراك .. جنرال السياسة..والتاجر الماهر

يعود ايهود باراك، الذي انتخب زعيما لحزب العمل، للحلقة السياسية الصهيونية في وقت حساس جدا، سواء فلسطينيا او إسرائيليا، فالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتدهور بشكل كبير، والكيان الصهيوني قد لا يتدخل اليوم، لكنه قد يفكر في التدخل، عندما تنتقل الظروف الأمنية من غزة إلى الضفة.
وعلى الصعيد الصهيوني يعود باراك فيما النخبة السياسية الصهيونية غارقة في مشاكل فساد أخلاقي وسياسي، ومشاكل اجتماعية وسياسية تحتاج إلى علاج، وسيحاول باراك المتغطرس المعتد بنفسه أن يعيد بناء تاريخه السياسي، بتحقيق نجاحات في كل هذه القضايا.
ينحدر باراك من عائلة يهودية ليتوانية اسمها الأصلي “بروغ”، ولد في مستعمرة ميشمار هشارون التعاونية الصغيرة عام 1942، وهو الابن الأكبر بين أربعة أبناء لـ”يسرائيل بروغ” وزوجته إستر غودين، حيث غيّر إيهود اسم عائلته من “بروغ” إلى باراك، وتعني هذه الكلمة العبرية “برق” بالعربية عام 1959، وفي العام نفسه التحق بصفوف الجيش الصهيوني، وأدى خدمته العسكرية في سلاح المدرعات، وخلال بضع سنوات التقى بزوجته نيعافا وتزوجا وأنجبا ثلاث بنات، لكن الطلاق وقع بينهما في أغسطس2003.
* المؤهلات العسكرية
يحمل باراك، بجانب مؤهلاته العسكرية، شهادة بكالوريوس علوم في الرياضيات والفيزياء من الجامعة العبرية في القدس عام 1968، وشهادة الماجستير في العلوم تخصص تحليل أنظمة من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة عام 1987.
كان إيهود باراك قبل أن يدخل ساحة السياسة عسكرياً، وهو مهما فعل، ومهما نجح في المعترك السياسي، سينظر إلى نفسه كرجل سلاح، وسيكون من حسن طالعه أن ينظر إليه الناخب الصهيوني القلق أو المتطرف النظرة ذاتها.
فالكيان الصهيوني اليوم ما عاد يطمئن إلا للعسكر، إنه مجتمع يتعسكر يوماً بعد يوم، اجتماعياً وسياسياً، حتى أن الشخصيتين الوحيدتين البارزتين حالياً على حلبة الصراع على السلطة من غير العسكريين مدينتان لعسكريين في “مصداقيتهما” مع الناخب.
فرصيد رئيس الحكومة الحالي إيهود أولمرت الأساسي أنه “وريث الجنرال” آرييل شارون، ورصيد بنيامين نتنياهو الأقوى أنه شقيق يوناثان (يوني) نتنياهو، الضابط الصهيوني الوحيد الذي قتل في “عملية عنتيبي” بأوغندا، وصار في نظر الصهاينة “شهيداً وطنياً”.
وبناء عليه، لم يكن خيار أمام حزب العمل سوى أن يثبت للناخب الصهيوني أن لديه من “الصقور” العسكريين ما يكفي لطمأنته، وحقاً انحصرت معركة الزعامة الأخيرة للحزب الذي كان في يوم من الأيام حزب السلطة الطبيعي وشبه الرسمي في الخمسينات بين باراك رئيس أركان الجيش السابق، وعامي أيالون ضابط الكوماندوز وقائد سلاح البحرية ثم قائد الاستخبارات السابق.
والواقع أن باراك شغل في المنصبين اللذين باتا أهم المناصب في الكيان الصهيوني، أي رئاسة الحكومة ورئاسة أركان الجيش، كما أنه كان آخر رئيس حكومة منتخب من حزب العمل، ويرى أنصاره أنه يشكل آخر فرصة لإنقاذ الحزب من الضياع والانهيار، بعدما كان حزب السلطة الطبيعي والرسمي في البلاد.
ويشير سجل باراك العسكري إلى أنه قاتل في حرب 5 يونيو حزيران 1967، وكان قائد طاقم استطلاع، ثم في عام 1973 كان ضمن فرقة عمليات خاصة نفذت عملية اغتيال ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية في بيروت، هم “أبو يوسف” النجار وكمال ناصر وكمال عدوان.
وفي حرب أكتوبر تشرين الأول 1973 قاد كتيبة دبابات في الجبهة الجنوبية في سيناء، وفي يونيو 1976 كان باراك أحد مخططي “عملية عنتيبي” في أوغندا التي تمكن خلالها الكوماندوز الصهاينة من إنقاذ ركاب طائرة ركاب فرنسية اختطفها حركيون تابعون للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و”الخلايا الثورية” الألمانية اليسارية بعد إقلاعها من اللد تل أبيب.
وفي مطلع عام 1982 حصل باراك على رتبة جنرال وعيّن رئيس قسم في هيئة الأركان العامة، وخلال الهجوم الواسع على لبنان، الذي وصلت فيه القوات الصهيونية إلى العاصمة بيروت في ذلك العام، خدم كنائب قائد “القوة الفوق فرقية” التي نشطت في منطقة البقاع بشرق لبنان، ثم في أبريل نيسان 1983 عيّن رئيسا لقسم الاستخبارات.
وفيما بعد، عيّن قائدا للواء المركز نائباً لرئيس الأركان العامة، وعام 1991 رئيسا للأركان العامة، وبفضل شغله هذا المنصب أطلعه إسحق رابين، رئيس الحكومة آنذاك، على سجلات المفاوضات مع الفلسطينيين، التي لم يشارك فيها باراك، بل كان من المشككين في نتائجها، وبعد التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ مع الفلسطينيين في سبتمبر 1993، عمل على تنفيذ التسويات الأمنية للاتفاقية، كما عمل على إعادة الانتشار في غزة وأريحا التي حوّلت للفلسطينيين، وقبل أن تنتهي فترة خدمته في الجيش عام 1995 التقى باراك مرتين برئيس الأركان السوري في واشنطن في إطار المحادثات الثنائية بين الكيان الصهيوني وسوريا.
* اقتحام الحلبة السياسية
عام 1995 دخل باراك الحكومة لأول مرة عندما عيّن وزيرا للداخلية في حكومة اسحق رابين، وفي أعقاب اغتيال رابين خلال مهرجان سياسي في قلب تل أبيب على يد شاب صهيوني يميني متطرف، أسندت إليه حقيبة وزارة الخارجية في حكومة شيمعون بيريس.
ثم انتخب باراك عضوا في الكنيست عام 1996 على قائمة حزب العمل، وبعد فشل القيادي العمالي المخضرم، ورئيس الدولة الجديد شيمعون بيريس في انتخابات رئاسة الحكومة، أعلن خوضه المنافسة على رئاسة الحزب، وبالتالي على ترشحه ممثلاً له في معركة رئاسة الحكومة.
ويوم 4 يونيو حزيران 1997 فاز في المنافسة على الترشيح الحزبي متغلباً على منافسيه يوسي بيلين وشلومو بن عامي وإفرايم سنيه، ثم في الانتخابات التي أجريت للكنيست الخامسة عشرة ولرئاسة الحكومة في السابع عشر من مايو أيار 1999، قفز باراك إلى الواجهة السياسية في دولة الاحتلال، إذ حصل على 56.08 % من أصوات الناخبين، متغلباً على منافسه اليميني بنيامين نتنياهو، بعدما ترأس قائمة “يسرائيل أحات” التي تألفت من حزب العمل و”جيشر” (الجسر) و”ميماد”.
وفي السادس من يوليو تموز 1999، قاد باراك حكومة ائتلافية شارك فيها حزبا “شاس” والمفدال الدينيان، وفور تسلمه منصب رئيس الحكومة تعهّد بأنه خلال عام سيسحب الجيش الصهيوني من لبنان، وفعلاً سحبه من جنوب لبنان عام 2000.
بيد أن نجاحات باراك العسكرية لم تنعكس على مسيرته السياسية، التي طالما افتقدت المرونة والصراحة والالتزام، وفي حين ظل “الجنرال” السابق أسيراً لشكوكه وتحفظاته على سلام حقيقي ذي معنى، كان الائتلاف الذي تزعمه هشاً يضج بالتناقضات والكيد المتبادل.
وخلال عمله رئيسا للوزراء أظهر باراك تسلطا واعتدادا بالرأي، مما خلق له الكثير من الأعداء، كما ظل أسيراً لشكوكه وتحفظاته على سلام حقيقي ذي معنى، وعندما دخل في مفاوضات ماراثونية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات استمرت نحو عام، لم تسفر عن تقدم حقيقي، إلى ان قرر الرئيس كلينتون خوض تجربة الرئيس الأسبق جيمي كارتر مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الصهيوني الراحل مناحيم بيغن، التي أسفرت عام 1979 عن اتفاق الصلح بين مصر والكيان الصهيوني، في كامب ديفيد جديد، عرف باسم كامب ديفيد الثاني.
* عجزه وتردده في اتخاذ القرارات
وفي يوليو تموز 2000، دعا الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون باراك وفريقه المفاوض، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وفريقه المفاوض، إلى مفاوضات بعيدة عن أعين الطفيليين وكاميرات الصحافيين، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، في محاولة لكسر الجمود في المفاوضات والوصول لاتفاق يختتم به ولاية الثانية رئيسا للولايات المتحدة بعد بضعة أشهر.
إلا أن كامب ديفيد الثاني فشل في إقناع عرفات بتقديم أي تنازلات في موضوع السيادة على القدس، رغم موافقته على إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين، ومبدأ التبادلية في الأراضي وغيرها من القضايا الرئيسية، وخلال المفاوضات أظهر باراك انه مفاوض بارع يجيد لعب كل الأوراق التي في يده، كما أظهر انه بارع أمام الكاميرات، والعالم ما زال يتذكر حتى اليوم اللقطة الشهيرة التي جمعته مع عرفات، وكل منهما يضع يده على ظهر الآخر كي يتقدمه ويدخل قاعة الاجتماعات مع كلينتون، وكأنهما صديقان قديمان، وخلال المفاوضات لم يمانع باراك ان تلتقط له عدسات الكاميرات لقطات وهو يعزف على البيانو.
وعلى خلفية مباحثات كامب ديفيد التي دعا إليها كلينتون بين باراك وعرفات، والتي أبدى باراك استعداده فيها لتقديم “تنازلات كبيرة بعيدة الأثر”، خرجت أحزاب “شاس” و”المفدال” و”يسرائيل بعالييا” (الممثل لليهود الروس) من الائتلاف الحكومي، وكانت كتلة حزب “ميرتس” اليسارية قد خرجت من الحكومة، قبل ذلك بأسبوعين، على خلفية الخلاف السياسي الحاد بينها وبين “شاس”.
أكثر من هذا، أدى تردد باراك وعجزه عن حسم الخلافات واتخاذ قرارات قاطعة، إلى تزايد لانتقادات داخل حزبه، ومن الجناح اليساري بالذات، لأنه لم يبذل ما يكفي من أجل تغيير جدول الأعمال الاقتصادي والاجتماعي في الدولة العبرية.
كما انتقده العلمانيون اليساريون والليبراليون أيضاً لأنه تراجع عن معارضته الشديدة لعدم تجنيد أبناء المدارس الدينية للخدمة العسكرية، وفي أعقاب فشل مباحثات كامب ديفيد وتفجّر “انتفاضة الأقصى” في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي اندلعت في أواخر سبتمبر بسبب زيارة آرييل شارون الاستفزازية للحرم القدسي، أعلن باراك يوم 5 ديسمبر كانون الأول موافقته على إجراء انتخابات مبكرة.
وفي العاشر من نفس الشهر قدم استقالته عن رئاسة الحكومة، لإفساح المجال لإجراء الانتخابات لرئاسة الحكومة فقط، وبالفعل، في فبراير شباط 2001 خسر باراك معركة انتخابات رئاسة الحكومة أمام شارون مرشح اليمين، وغادر يوم 7 مارس آذار منصبه، مبتعداً عن السياسة ليعمل في القطاع الخاص حتى عاد مؤخرا لقيادة حزب العمل.
* الذهاب لعالم القطاع الخاص
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...