الطموح العباسي الصهيوني في منع سقوط الضفة بيد حماس

إن هزيمة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي تشغلها فتح على أيدي قوى الذراع العسكرية لحماس، عجّلت تغير علاقات القوى في الساحة الفلسطينية الذي كانت بدايته في أيام الانتفاضة الأولى في المناطق.
أعلنت قيادة حماس، التي أُسست آنذاك على أساس البنية التحتية الاجتماعية والتربوية التي رعاها لسنين “الإخوان المسلمون” في القطاع، أعلنت مع إقامتها عدم نيتها أن تكون بديلا عن القيادة التقليدية للحركة القومية الفلسطينية، وما تزال فتح تتمتع إلى الآن بتأييد شعبي في شوارع غزة، وفي الضفة الغربية تعتمد الحركة على امتياز عسكري بالقياس للقوى التي تشايع التيار الإسلامي، لكن سيطرة حماس على القطاع بعد أشهر من المعارك في الشارع بين رجالها ورجال فتح، واستمرارا لنجاحها في انتخابات 2006 للمجلس التشريعي، هي تطور قد يُقرب الحركة من تحقيق رؤاها.
تسعى دولة الكيان الصهيوني لوقف المد بتعزيز فتح، التي تلتزم على رؤوس الأشهاد تسوية دولتين لشعبين، أعلن رئيس الحكومة ايهود اولمرت في لقائه مع الرئيس بوش، الذي تم بعد عدة أيام من سيطرة حماس على غزة، بأن تل أبيب ستعمل على تعزيز فتح، في الخامس والعشرين من حزيران حيث بدأت في شرم الشيخ قمة بمشاركة مصر، والأردن، الكيان الصهيوني ومحمود عباس، وبحثوا فيها طرق تعزيز عباس، بافتراض أنه قد أُزيلت الحواجز من طريق محادثته وهي التي نبعت من شراكة فتح السياسية لحماس.
وفي الحقيقة أن التطورات في غزة وضعت حدا للمحاولة، التي تمت على تقطع منذ 2002، لتسوية العلاقات بين الحركتين، خلص عدد من جولات التحادث لتفاهمات تتصل بوقف إطلاق النار، وهذا التفاهم، كالتفاهمات التي سبقته، رمى إلى إقرار الساحة الفلسطينية بمنع سبب إجراءات عسكرية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكان كمثلها أيضا قصيرا.
في آذار 2007 تم الاتفاق على مبادئ حكومة وحدة، فرضتها بالواقع حكومات عربية على الطرفين، بيد أن الائتلاف لم يُصغ ليصبح سلطة تؤدي عملها، إن تصميم فتح على أن تسلب حماس ما يراه رجالها حقا لهم بفضل إنجازها الانتخابي، وأول ذلك السيطرة على أجهزة أمن السلطة، مما أجج المواجهة التي أفضت إلى انقلاب عسكري في غزة.
هذا التطور أفرغ الاتفاق بين فتح وحماس على وقف مناضلة الاحتلال من داخل القطاع، من المضمون، الآن على التخصيص، والقطاع في يديها، ستسعى قيادة حماس إلى تهدئة المقاومة، في إطار جهودها للتمكين لسلطتها، لكن سيكون عليها أن تمنع بقايا قوات فتح محاولة جر الاحتلال لرد عسكري يشوش على هذه النية.
كما ستؤجج المواجهة أيضا بين المعسكرات في الضفة استمرار الصدام في غزة، وسيشهد هذا الحِراك بأن الانفصال بين المناطق بعيد من كونه كاملا، على رغم أن الصلة بينها سيتم التعبير عنها في الأساس بإيحاء متبادل لاستمرار التنافس، لن تريد قيادة فتح من جهتها وعلى أي حال من الأحوال، ولن تستطيع منع نشطائها من الاستمرار في محاربة حماس، بعمليات موجهة إلى الاحتلال، وفي هذه الساحة سينضم إليهم أفراد الجهاد الإسلامي، المتحررون من التزام التهدئة أو التنسيق مع حماس بأي معنى.
في ظاهر الأمر تُبسط سيطرة حماس على غزة التحدي الذي يواجه تل أبيب، ولم يعد الحديث عن سلطة فلسطينية مؤلفة من معسكرين، أحدهما محادِث والآخر بلا أساس تحادث، ولم يعد الحديث عن منطقتين منفصلتين يصل بينهما إطار واحد من الاختلاف.
لقد تخلت دولة الاحتلال راغبة عن السيطرة على أحدهما، وينتظر مستقبل الآخر تجدد العملية السياسية، حركة فتح التي هي شريك سياسي ممكن، تسيطر على الضفة، حُلت حكومة الوحدة، وأُعلنت في الضفة حكومة طوارئ يرأسها سلام فياض المخلص للرئيس عباس.
إن عدم الاتفاق بين الكيان الصهيوني وفتح لا تنقصه جوانب أمنية، لكنه قبل كل شيء سياسي ومناطقي، في غزة، في مقابلة ذلك، صيغ واقع، في أعقاب القطيعة السياسية بين الكيان الصهيوني وحماس، ضاءل المواجهة الصهيونية الفلسطينية هناك في المستوى العسكري، من هنا افتراض أن تل أبيب ستستطيع الآن أن تحاول التقدم مع السلطة التي يرأسها عباس لتسوية دائمة، مع الالتفاف على التعقيد الذي يتصل بمركزية حماس في الساحة السياسية الفلسطينية.
لكن سيطرة حماس على غزة لا تُغير جوهريا إطار الردود التي تملكها تل أبيب إزاء التطورات في الساحة الفلسطينية، إن نضال الاحتلال من القطاع، حتى إذا ازداد حدة، لن يجعل الخيار العسكري، والى جانبه إمكانية تورط جديد في غزة، أكثر جذبا مما كان عشية سيطرة حماس على القطاع، وإن سائر الخطوات التي ستخطوها تل أبيب ستكون استمرارا مباشرا للسلوك القائم تجاه السلطة: فالقطاع أصلا تحت حصار فُرض مع إتمام الانسحاب منه في آب 2005، وسيستمر تزويد القطاع بالكهرباء، والماء والمنتجات الأساسية لأسباب إنسانية، والعقوبات الاقتصادية التي فُرضت في أعقاب تأدية حكومة حماس اليمين الدستورية، أي الامتناع عن تحويل الأموال لا بتوسط الرئيس عباس، ستستمر هي أيضا، ولا يبدو في الأفق احتمال تمهيد طريق سياسية.
الطموح المشترك بين الكيان الصهيوني وفتح منع سقوط الضفة في يد المعسكر الإسلامي الحمساوي بعيد من أن يكون أساسا للمفاوضات في تسوية دائمة، إن قيادة فتح تذكير مشوه لسلسلة القيادة التي شغلت السلطة الفلسطينية مع إقامتها، تقوم مكانتها على تأييد شعبي، أسسه تاريخية، وعلى اعتراف صهيوني ودولي بها كشريكة في التحادث.
لكن أول شيء يهم فتح هذه الأيام جُهد كف زيادة قوة حماس في الضفة، وأن تُعيد إلى يديها السيطرة على القطاع، وليس في جدول أعمالها استعداد لتسوية مع تل أبيب تقتضي تنازلات تاريخية، وعلى أية حال، إمكانية فرض النظام، إذا تم الاتفاق عليه أيضا أصبح قد تجاوزها.
إن التحفظات الأمنية والفكرية الصهيونية من التنازلات المناطقية في الضفة ستستمر في جعل صياغة مصالحة بين الكيان الصهيوني وفتح صعبة، في استمرار مباشر لصعوبات التحادث من السنين التي سبقت انجاز حماس الانتخابي، وفوق ذلك، الانفصال السياسي الحالي بين الضفة والقطاع لا يعفي قيادة فتح من المسؤولية عن مصير سكان غزة، وقيادة حماس من السعي لتوسيع سيطرتها على الضفة.
ومع تجدد المسيرة السياسية ستُطرح الضفة والقطاع على مائدة المباحثات كوحدة واحدة، ستُصر المفوضة الفلسطينية في المحادثات، سواء أكانت دينية، أم علمانية أم مشتركة، على الصلة بينهما، ولن تستطيع تل أبيب التهرب من تناول هذه القضية مع تعقيدها كله.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...