السبت 10/مايو/2025

إخفاقات التفكير الاستراتيجي الصهيوني في حرب لبنان الثانية

إخفاقات التفكير الاستراتيجي الصهيوني في حرب لبنان الثانية

1-   انعدام الاستعداد للحرب

2-   عدم وضوح الهدف السياسي

3-   كيفية إنهاء الحرب

4-   فقدان التعامل مع سوريا

5-   الاستهانة بالكاتيوشا كما صواريخ القسام

6-   فشل الاعتماد على سلاح الجو

7-   حجم الخسائر التي لحقت بالجيش والشعب

8-   عدم وضوح طبيعة النصر المطلوب

9-   خيبة الأمل الأمريكية بالدولة العبرية

بدأت حرب لبنان الثانية بعد اختطاف جنديين صهيونيين في الثاني عشر من تموز 2006، وكانت في الحرب إخفاقات وانجازات جيدة أيضا، وسينحصر كلامي في الأساس في التفكير الاستراتيجي الصهيوني كما تبين في الحرب، التفكير من هذا النوع من نصيب جزء من الساسة والقيادة الرفيعة في الجيش الصهيوني، لست على ثقة من أنني استطيع أن أُميز دائما من المسئول عن ماذا، لكن يمكن القول أن التفكير الاستراتيجي هو نتاج لقاء أذهان أعضاء حكومة كبار مع أصحاب المناصب الرفيعة في الجيش، وسأعرض عددا من مميزات التفكير التي تمكن نسبتها بسهولة للمستوى العسكري والسياسي الأعلى في دولة الاحتلال زمن الحرب الأخيرة، وكانت في رأيي إشكالية جدا، وحتى يمكن تعريفها أنها إخفاقات في التفكير.

1- الإخفاق التفكيري الأول : انعدام الاستعداد للحرب في الجبهة اللبنانية، في صيف 2006، على رغم أن حزب الله تحرش بالجيش الصهيوني من وقت لآخر، وعلى رغم أن خطط المنظمة لاختطاف جنود كانت معروفة، لم يكن الجيش مستعدا البتة لمواجهة واسعة النطاق معه، وتوجد على ذلك شهادات واضحة:

أ‌- في فترة وزير الدفاع السابق، شاؤول موفاز، قررت الحكومة تقصير الخدمة العسكرية لجنود الخدمة النظامية بأربعة أشهر إلى ثمانية، ابتداء من آذار 2007،

ب‌- لم يكن سرّا أن اقتُطع من ميزانية الجيش اقتطاعات عُبر عنها بتقصير كبير لتدريبات الوحدات المقاتلة،

ت‌- وتمت اقتطاعات كثيرة أيضا من سعة الوحدات المدرعة،

ث‌- ووجد ضغط آخذ في الازدياد، توقف هذه الأيام، لإبطال إنتاج دبابة المركافاه،

ج‌- بالإضافة لذلك، تدربت وحدات قليلة فقط من الجيش على طراز يلائم علاج “المحميات الطبيعية” لحزب الله، أي أنه تمكن الإشارة إلى إجراءات تمت على مدى عدة سنين لم ترَ فيها القيادة العسكرية والسياسية إمكانية نشوب حرب من النوع الذي جرّبناه في صيف 2006.

2- الإخفاق التفكيري الثاني : في مجال اختيار الهدف السياسي، ففي بداية الحرب، ويواصلون الأمر في الواقع إلى اليوم، قالت لمواطني الدولة جهات مختلفة، وفي ضمنها رؤوس الاستخبارات العسكرية “أمان” في الماضي والمستوى السياسي، إن هدف استعمال القوة هو أن يُخلق في لبنان إجراء سياسي يُضعف مكانة حزب الله ويقوي الدولة اللبنانية، أرى أن هذا خطأ كبير، فليس هناك احتمال لأن تؤثر تل أبيب باستعمال القوة أو بوسائل أخرى في الجهاز السياسي اللبناني، لقد تعلمنا الدرس في 1982، آنذاك مكثنا في لبنان في قوة كبيرة وحاولنا إحداث “نظام جديد”، تعلمنا بالطريقة الصعبة أن هذا يفوق قدرتنا.

علينا أن نفهم أنه توجد في الشرق الأوسط قوى اجتماعية وسياسية محلية، تفوق قوتها كل تدخل خارجي، لا نستطيع أن نُرتب المنطقة حسب إرادتنا، ليس هذا صحيحا بالطبع، في حالة الدولة العبرية الصغيرة فقط، فهذا صحيح للأسف فيما يتعلق بمحاولة القوة الأمريكية بناء العراق من جديد، على رغم أنها توجد لها قوة عظيمة وكبيرة، فالولايات المتحدة لا تنجح، لهذا لا يجب أن يكون هدف استعمال القوة إحداث بيئة سياسية أكثر راحة لنا، فهذا هدف غير واقعي، ما نستطيع فعله هو أن نمس بقدرات أعدائنا، يجب علينا أن نحصر عنايتنا في إحباط قدرات أعدائنا على استعمال القوة على أهداف صهيونية، مدنية وعسكرية، يجب منع الأعداء القدرات على إيلامنا، قد يكون هدف استعمال القوة هو التشويش على الأهداف السياسية التي ينصبها أعداؤنا لأنفسهم، لكن لا بناء شرق أوسط جديد، فبناؤه من جديد أحلام يقظة، لا نستطيع إحرازها.

3- الإخفاق التفكيري الثالث : في مجال الأهداف السياسية، ولمزيد الدقة للبحث عن طريقة لإنهاء الحرب، في الأيام الأولى من الحرب اقترحت وزارة الخارجية أن يُؤتى إلى جنوب لبنان بقوة دولية، تجعل جنوب لبنان منطقة لا تُطلق صواريخ الكاتيوشا منها، ويكون من الصعب جدا على حزب الله ان يعمل منها، وأعلم أنه وُجد في الجهاز العسكري أيضا من أيد هذه الفكرة.

في رأيي، وأعترف أن عبء البرهان ما يزال أمامنا، احتمال أن تصمد القوة الدولية لهذه التوقعات ضئيل جدا، ولن يُحرز هذا الهدف، لا ريب في أنه إذا أراد حزب الله أن يعمل في جنوب لبنان، وإذا قرر مواجهة القوة الدولية فسيكون هو الغالب، جرّبنا في الماضي سيناريوهات مشابهة، ورأينا عدم صمود قوات أجنبية للضغوط، مع ضعف رأيي، في اللحظة التي سيواجهون فيها فدائيو حزب الله، ستقوم قوات الأمم المتحدة وتمضي ببساطة.

أصبحنا نعلم أن قوات الأمم المتحدة في لبنان لا تنجح في منع تهريب السلاح من سوريا إلى حزب الله، ونعلم أيضا أن قوات الأمم المتحدة لا تنجح في منع حزب الله الاستعداد من جديد في جنوب لبنان، والأمر مسألة وقت، أو مسألة قرار حزب الله أن يعمل في جنوب لبنان، وعندها ستعوق القوة الدولية نشاط الجيش الصهيوني لمواجهة حزب الله فقط.

أصبحنا نلقى جميع أنواع المشاكل مع القوات الدولية: فقد هدد الفرنسيون بأن يطلقوا النار على طائرات إسرائيلية، ويبدو أننا أطلقنا النار خطأ على قوة ألمانية في البحر، وسبب الأمر توترا لا داعي له في العلاقات الثنائية، كانت القوات الأجنبية على حدودنا دائما مصدرا للتعقيد، لأسفي، يوجد في وزارة الخارجية وفي الجيش أيضا مسئولون كبار ذاكرتهم قصيرة وتُغريهم أفكار باطلة، في السنين الأخيرة، يتسلون بالفكرة الغبية وهي أن وجود الأجانب سيحل مشكلات لا يستطيع المحليون حلّها.

4- الاخفاق التفكيري الرابع : موجود لدى جارتنا في الشمال، حيث سوريا، في أثناء الحرب خرجت الحكومة الصهيونية عن طورها لتُسكّن المخاوف في سوريا، في زمن الحرب قلنا عدة مرات للسوريين: أنتم لا تتصلون بشأن حزب الله، ولا توجد لنا أية نوايا هجومية نحو سوريا، في رأيي، لم يكن محل لمحاولة التهدئة، يجب على السوريين أن يعلموا أنهم قد يكونون هدفا لهجوم صهيوني لأنهم يُسلحون حزب الله، وهو منظمة تحارب تل أبيب وتسفك دمها، عندما نحارب حزب الله وهو اليد الطويلة لسوريا ولإيران فلا يوجد أي داعٍ لأن نقول للسوريين: لا تقلقوا، نحن نعالج حزب الله فقط، وستخرجون أبرياء من المسألة”.

إن أقوالا من هذا النوع توحي لدمشق بأنها تستطيع الاستمرار في سفك دم تل أبيب بواسطة حزب الله، من غير أن تخاف أن يُطلب إليها دفع أي ثمن، وفوق ذلك، ربما أضعنا في زمن حرب لبنان فرصة لمهاجمة نظام سوريا للصواريخ بعيدة المدى، الذي هو تهديد لنا، نظام الصواريخ هذا يغطي أكثر مساحة، ووجدت في الحرب فرصة لعلاج التهديد، يجب أن نتذكر دائما السابقة التركية، حيث يفهم السوريون لغة القوة، في تشرين الأول 1998 وجهت أنقرة رسالة واضحة إلى دمشق أن تكف عن تأييد الـ بي.كي.كي، المنظمة الكردية التي عملت في تركيا، استجاب السوريون للطلب التركي لأنهم أدركوا أنه توجد قوة عسكرية كبيرة وراء الرسالة التركية، خضع السوريون إزاء تفوق عسكري وتصميم تركي، كان يجب علينا أيضا أن نقول للسوريين في الصيف الأخير أن يكفوا عن تأييد حزب الله، وأن ندعم الرسالة بالأعمال.

5- الإخفاق التفكيري الخامس : وهو إخفاق تصور، حيث يبدو أن القيادة، السياسية والعسكرية، لم تفهم القدرة المتراكمة لصواريخ الكاتيوشا على إحداث ضرر شديد بالدولة، والنظر للصواريخ القصيرة المدى يثير التعجب، قبل الحرب وُجدت تصريحات استخفاف بصواريخ الكاتيوشا، مثل “ستصدأ في مخازن حزب الله”.

لم يوجد تناول جدي لهذا الموضوع، والى ذلك لم يظهر في وثيقة للجيش عن أهداف الحرب، سُربت مؤخرا، الخوف أو الحاجة إلى الدفاع عن الجبهة الداخلية في وجه صواريخ الكاتيوشا، تظهر نظرة مشابهة لصواريخ القسام التي تسقط على الجنوب: “هذا سلاح إحصائي يُسبب خسائر قليلة”، وفي نهاية الأمر أصبحت صواريخ الكاتيوشا رمز انتصار حزب الله، تلقت الدولة 200 صاروخ كاتيوشا في اليوم الواحد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات