لماذا يحاولون اغتيال الوطن؟!

منذ أن اتخذت حركة حماس قرارها بالمشاركة السياسية وذهبت للانتخابات في 25 يناير2005، والتآمر الأمريكي الإسرائيلي عليها لم يتوقف، وكان التفاف الجماهير الواسع حول الحركة وبرنامجها في الإصلاح والتغيير هو الردُّ الحاسم على كل محاولات ضرب الحركة أو تهميشها، وجاءت النتائج بشكل فاجأ الجميع، لم تجد حركة حماس أمام هذه الثقة الغالية التي منحها الشعب لها إلا المضي بتسلم أمانة القيادة، والعمل على تحقيق مطالبه في محاربة الفساد، والعمل على إنهاء حالة الفلتان الأمني وفوضى السلاح، التي أحالت البلاد إلى صراعات دامية بين العائلات والعشائر تذكرنا بحرب البسوس وثأريات الزير سالم ونزاعات الأوس والخزرج، كما تحولت المدن والمخيمات إلى مربعات أمنية لهذا التنظيم أو ذاك الفصيل.
ومنذ اللحظة التي تشكلت فيها حكومة حماس بعد فشل جهود تشكيل حكومة ائتلاف وطني ومحاولات تعطيل عملها وإظهارها بمظهر العاجز عن تلبية الحاجات والمتطلبات الوطنية لم تتوقف، وقد أخذت أشكال المكر أبعادًا مختلفة، بهدف تقييد عمل الحكومة والضغط باتجاه إفلاسها سياسيًا ودفعها لإعلان انسحابها من حلبة التنافس الحكومي لصالح خصومها في الساحة السياسية، وهي المحاولة التي لم يكتب لها النجاح وذهب المكر والكيد أدراج الرياح.. ويتلخص مخطط العمل لإسقاط الحكومة العاشرة (حكومة حماس) وحكومة الوحدة الوطنية في النقاط التالية:
أولا: التآمر الغربي.
لا شك أن فوز الإسلاميين في فلسطين ووصولهم إلى سدة الحكم ديمقراطياً لم يرق لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، باعتبار أن ذلك شكّل ضربة لسياسته بالحرب على الإرهاب، حيث إن مقاومة حركة حماس تقع ـ حسب التصنيف الأمريكي ـ ضمن قائمة الإرهاب.. من هنا عملت الإدارة الأمريكية على كل المحاور وفي كل الاتجاهات لإجهاض هذه التجربة الإسلامية وتطويق أية فرصة قد تؤدي إلى نجاحها وإثبات وجودها سياسيًا.
وقد تمَّ اعتماد ساسة التجويع والحصار للضغط على الحكومة وعزلها مالياً وسياسياً، بحيث تعجز عن دفع رواتب الموظفين أو القيام بوظيفتها كحكومة، ولا تُمنح إلا خياراً واحداً؛ القبول بالمطالب الأمريكية والأوربية الثلاث،: الاعتراف بـ(إسرائيل)، ونبذ العنف وقبول الاتفاقات الموقعة منذ سبتمبر 1993.
بالطبع لم يخف بعض كبار المسئولين الأمريكيين حماسهم في إيضاح أن أمريكا ليست مهتمة إهتماماً كبيراً بتحول حماس إلى حركة غير عنفيّة، بقدر ما هي مهتمة بإخفاق هذه الحكومة التي تقودها حماس، وقد قال الدبلوماسيون الأمريكيون لنظرائهم الأوربيين بوضوح: ” يجب أن يعاني الفلسطينيون بسبب خيارهم “، وقد تحدث مساعدو نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لبعض رجالات السلطة السابقين حول رغبتهم بالقيام بانقلاب تدريجي ـ على ظهر أزمة حاجات الفلسطينيين الإنسانية ـ لكي يعيدوا الأمور إلى ما كانت عليه قبل وصول حركة حماس إلى الحكم.
ولذلك أطلقت أمريكا يد (إسرائيل) العسكرية لتمارس كافة أشكال القتل والتخريب والدمار ضد الفلسطينيين، لإذهاب هيبة الحكومة وتأليب الشارع عليها، وعملت في ذات الوقت على توفير التغطية والحماية للجرائم والعدوان الإسرائيلي، وجعلت حمانا كلأً مستباحاً لطيرانه ودباباته يرتكب فيها أبشع الحماقات والمجازر الدموية، والتي هي بمثابة جرائم بحق الإنسانية، يلاحق القانون الدولي مرتكبيها بأشد أنواع العقاب.
لم يقتصر عمل الإدارة الأمريكية على شلِّ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على تبني أي قرارات بإدانة (إسرائيل) وعدوانها المتواصل على الأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب، بل أسهمت ـ كذلك ـ في إفشال أي تحرك للجنة الرباعية لخلق حراك سياسي، يدفع في اتجاه تخفيف المعاناة والحصار عن شعبنا الفلسطيني، ويمكن الآن الرجوع إلى ما كتبه ألفارو دوسوتو، تحت عنون (تقرير نهاية المهمة) في مايو 2007 ، والذي يكشف فيه حجم تورط إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في إفشال جهود الأمم المتحدة والرباعية في التوصل إلى أي اتفاقات أو تفاهمات مع حكومة حماس كان يمكن أن تسهم في تحريك عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
ثانيا: التواطؤ الإقليمي
إن شعور شعبنا بالمرارة والإحباط كبير.. ففي الوقت الذي نتفهم فيه عداوة أمريكا وبعض دول الغرب الأوروبي لقضيتنا، وتآمرهم على حكومتنا التي جاءت عبر خيار ديمقراطي حرٍ ونزيه، فإننا نجد أنه من الصعوبة بمكان تقبل مواقف التنصل والتخاذل أبدتها بعض الرسميّات العربية والإسلامية تجاه نُصرة شعبنا، حيث يظهر بعضها وكأنه في شراكة مع القوى الصهيوأمريكية لإفشال حكومتنا وممارسة الضغط عليها، وذلك بهدف تدجين مواقفها وإيصالها لحالة مترهلة من “الواقعية السياسية” التي يريدها الغرب، والتي تجعلها ترضخ للمطالب اللاإنسانية واللاأخلاقية واللاقانونية التي تفرضها أمريكا و(إسرائيل).. وللأسف، فإن بعض حكوماتنا العربية لم تمارس ما هو مأمول منها من دور عربي أصيل لتخفيف الحصار الظالم المفروض على شعبنا، وغضت الطرف بشكل أو بآخر عن تحمل مسئولياتها القومية تجاه لحلحة طوق الحصار وحركة الانسداد التي نواجهها، ولبس الجميع ثوب العجز والهوان، بل وأسهم بعضهم بتراجعه وخذلانه على إضعاف قدرات شعبنا في الصمود والممانعة.
وبالرغم من انفتاحنا على كل الجهات العربية والإسلامية، واعتمادنا لسياسة العلاقات المتوازنة مع الجميع، إلا أن خيبة الأمل كانت في البداية كبيرة، ولم تكن الهبّة والنصرة بالمستوى المطلوب، وكانت استغاثة الحرائر تذهب سدىً، وحالها يقول: ” يشق صُراخنا الآفاقَ من وجعٍ، فأين تُرى مسامعكم.!؟ “
لاشك أن اتفاق مكة بين فتح وحماس قد خلق حراكًا ايجابيًا، وأرسل تطمينات مريحة للفلسطينيين بقرب نهاية الحصار والعزلة السياسية، إلا أن إصرار واشنطن على إفشال حكومة الوحدة الوطنية التي تقودها حماس، قد أعاد من جديد خلط الأوراق، ومنح تياره النافذ داخل الأجهزة الأمنية معاودة التحرك لإجهاض التحالف الوطني بين فتح وحماس، وإغراقهما في أتون حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر.. ولكنَّ الضربة الاستباقية لعناصر هذا التيارـ بعد انكشاف مخططهم للإجهاز على الجناح العسكري لحركة حماس ـ قد حمت شعبنا من مجزرة كان يبيت لها هؤلاء، “ومكر أولئك هو يبور”.
ثالثا: التحريض والتشويش والتشهير الداخلي
لا يختلف اثنان أن أثر التحريض الداخلي هو أشد وقعاً وأكثر فتكاً من الحصار الخارجي، إذ إن الحصار الخارجي معلوم الوجهة والمصدر، مفضوح الأهداف والغايات، ويصدر عن دول وجهات تجاهر بعدائها لشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة، إلا أن التحريض الداخلي فإنه يصدر عن جهات تدعي الحرص على الوحدة الوطنية، وتتسربل برداء المصلحة الوطنية، في الوقت الذي تَكنُّ فيه البغض والعداء لحكومتنا الفلسطينية وتجربتها الجديدة في الحكم والإدارة، وسياسة أمور السلطة والجماهير.
لقد أثبتت الشهور الخمسة عشر الماضية أن الحصار الخارجي قد فشل في تحقيق أهدافه، وتكسرت مخططاته على عتبة ثبات الحكومة وصمودها، وإسناد شعبنا وتكاتفه خلفها، وعجزت القوى الغربية عن ابتزاز أي موقف سياسي مُخلّ منها، في ذات الوقت الذي تمكن فيه التحريض والمناكفات الحزبية من التأثير على جبهتنا الداخلية، وإحداث نوعٍ من الإرباك السياسي والإعلامي والميداني والإداري داخل ساحتنا الفلسطينية.. وحتى الدم الفلسطيني الذي كان دائمًا خطًا أحمر تمَّ استباحته من قبل أصحاب الأجندات الخارجية، لأن هناك من بينهم من كان يظن بأن التمرد العسكري على الشرعية الفلسطينية يمكنه أن يُعجل بحل الحكومة أو الانقلاب عليها.
وليس خافياً على أحد أن ما مورس من تعبئة وتحريض وتشويش داخلي ممنهج كان يهدف إلى تسميم المناخ الوطني، وتوظيف حالة الاحتقان والغضب الشعبي جراء الحصار لإسقاط الحكومة، سواء العاشرة أو الحادية عشرة.. وكان هذا البعض من المرجفين يجعل من تأليب الجماهير ضد حكومتها الشرعية أولوية له، ولا يتوانى من إتيان كل ما يحرج الحكومة ويحشرها في الزاوية ويربك نشاطاتها وفعالياتها وجهودها بمختلف الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة، وما شاهدناه من إضرابات لتعطيل قطاعي الصحة والتعليم إلا دليل على ذلك.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...