انعكاس سيطرة حماس على التفكير الأمريكي الصهيوني

يشغل الدكتور روبرت ساتلوف مدير المركز التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وبعد أحداث غزة تقدم بملاحظات إلى ندوة مخصصة لمراجعة انعكاسات أحداث غزة وسيطرة حركة حماس نظمها المعهد المذكور، ونشرت تلك الملاحظات بتاريخ 18/6/2007 وتقع في خمس صفحات تبدأ بمقدمة تاريخية لنشوء كل من فتح وحماس، وتنتهي باستنتاجات مكثفة بصورة نصائح للسياستين الأمريكية والإسرائيلية في كيفية التعامل مع الوقائع المستجدة في غزة.
* كيف هزم عشرات الآلاف أمام عناصر حماس؟
يبدو ساتلوف على يمين السياسي الصهيوني ليبرمان السيئ الصيت، فهو ينتقد الحكومة الصهيونية ليس بسبب سياستها العنصرية وإنكارها الحقوق الفلسطينية، بل بسبب تساهلها في تمرير الغذاء والماء والوقود لغزة في حين يقوم مقاتلو القسام بقصف أهداف في سديروت، وهو يلوم شارون على انسحابه المتسرع من غزة دون ترتيبات سياسية وعسكرية كافية لدعم حكم عباس في وجه المتشددين من جهة، ولكون الانسحاب لم يمنح الحكومة الصهيونية الفرصة للتحلل من التزاماتها الاقتصادية والسياسية تجاه القطاع، والأكثر كارثية -حسب رأيه بالطبع- هو أن أحدا لم يجبر تل أبيب على السماح لفئة سياسية تنكر وجودها وتدعو لتدميره للدخول في انتخابات المجلس التشريعي!
ينتقد ساتلوف الدول العربية المعتدلة التي لم تمنح الكيان الصهيوني شيئا سوى مبادرة سلام افتراضية متأخرة خمسين عاماً في التوقيت، بينما قامت بإمداد حركة حماس بالمال اللازم لتزيد من قوتها وتصل إلى أن تتمكن من السيطرة على غزة في أيام، ويلوم المملكة السعودية التي أضفت على حماس الشرعية باتفاق مكة بدل عزلها وإضعافها.
ومن ثم فهو يلوم حكومة الرئيس بوش بسبب سياستها المعلنة منذ عام 2002، والهادفة لتأسيس دولة فلسطينية مجاورة لدولة الاحتلال، مما أوصل لدعم انتخابات قادت حماس للسلطة في غزة والضفة، واليوم أصبحت غزة بيد حماس التي تغوص في العمل المسلح أكثر فأكثر.
وفي نهاية حملات اللوم التي تستبطن اعتبار سيطرة حماس على غزة خسارة وخطرا مستقبليا، ينحي ساتلوف باللوم أيضا على قيادة فتح التي امتلكت ما يقرب من 50 ألف مقاتل في غزة هزموا في ستة أيام، وفي مكان آخر يذكر أن هذه هي حرب الأيام الستة الثانية ملمحا لهزيمة حزيران، أمام قوة أصغر منهم، ويستشهد بحديث قيادي لفتح تم أسره في غزة وإطلاق سراحه فيما بعد حيث يقول: لقد قررنا الاستسلام لأننا لم نشعر أن قيادتنا خلفنا، لقد كانوا جميعا قد هربوا إلى رام الله والقاهرة ليصدروا الأوامر عن بعد في غرف الفنادق المكيفة.
* سيطرة حماس ..انتكاسة صهيونية كبيرة
يقرر ساتلوف أن الوضع الذي تمخضت عنه أحداث غزة وسيطرة حماس عليها يشكل انتكاسة كبيرة، مع ذلك فهو يتضمن أيضا عناصر مشجعة إذا أحسن استغلالها:
1- الفائدة الأولى هو الوضوح، ففي غزة اليوم “عدو” غير ملتبس ومتلفع بعباءة منظمة التحرير،
2- الفائدة الثانية نهاية اعتبار الضفة وغزة إقليما سياسيا واحدا حسب اتفاق أوسلو،
3- الفائدة الثالثة أن انتصار حماس في غزة يتيح للكيان الصهيوني عدة بدائل واضحة منها: إعادة احتلال غزة أو أجزاء منها، أو عزلها بصورة تامة، بالمناسبة فإن دولة الكيان على حد قوله هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتحمل مسؤولية تأمين الماء والكهرباء والغذاء لمقاطعة سياسية تطلق يوميا عليها الصواريخ أليس ذلك محض جنون؟ ثم يفصل في كيفية وجوب قيام تل أبيب بإحكام الحصار على غزة بحيث تصبح مصر هي المخرج الوحيد لها، ومصدر تأمين الماء والكهرباء والغذاء، وهذا تلميح لإعادة ربط غزة بمصر،
4- الفائدة الرابعة هي الاستثمار في الوضع الجديد الناشئ عن فصل الضفة عن غزة، بدعم سلطة عباس ولكن ليس إلى حد الوصول للنقاش حول أفق سياسي للمسألة.
في الاستنتاجات النهائية يقرر ساتلوف أنه لا وجود لحلول بسيطة، صافية، ذكية لمساعدة السياستين الأمريكية والصهيونية على الخروج من الطور الجديد للصراع العربي الصهيوني، وأنه يتوجب على الولايات المتحدة وشريكتها دولة الاحتلال العمل بطريقة أفضل من السابق في مواجهة التحديات الجديدة، فالصراع سيستمر، وحسب رأيه فإن أفضل ما يمكن فعله هو إدارة الصراع بحيث يتم تحجيمه والتخفيف من آثاره الجانبية والتمهيد لليوم الذي يمكن فيه تحقيق الحل النهائي.
أخيرا يرى ساتلوف أن الوضع الناشئ يطرح فرصة تفكيك المشكلة الفلسطينية إلى أجزاء أصغر وأسهل للهضم، لكن مع الحذر بالحفاظ على النظرة الواقعية التي لا ترى الطريق سهلا ومعبدا.
* التحذير من تقديم التنازلات لسلطة عباس المهزومة
أولا : أن في تيار اليمين الأمريكي من هو أكثر تطرفا من اليمين الصهيوني في النظر للصراع العربي الصهيوني، ومثال ساتلوف واضح الدلالة، ولنا أن نتوقع ماذا يمكن أن يكون تأثيره في السياسة الأمريكية.
ثانيا : أن الشعور العام لدى ساتلوف هو الشعور بالنكسة لانتصار حماس والخوف من المخاطر القادمة، أما الحديث عن الفرص والاستفادة منها فهو يأتي داخل هذا الشعور كنوع من تطمين الذات إلى إمكانية تحويل النكسة إلى انتصار، دون أن يصل إلى حد طمس حقيقة الشعور بالخيبة.
ثالثا : ليس لدى ساتلوف قناعة حقيقية بإمكانية أن تتمكن الطبقة السياسية المهزومة في غزة (حركة فتح) والتي هربت منها قبل المعارك من تثبيت إدارة كفؤة وقوية في الضفة، لذا فرغم تسليمه بضرورة دعم سلطة عباس فهو لا يريد للكيان الصهيوني المجازفة بأي تنازل سياسي حقيقي من أجل دعمها.
رابعا : لاشك أن ساتلوف تنقصه الحكمة حين يفكر في دفع غزة لتعتمد على مصر، فمثل ذلك الحل يتضمن تحولا استراتيجيا هاما لصالح القضية الفلسطينية، ولصالح إعادة ارتباط مصر بها، ولو فكر ساتلوف مرة ثانية لامتنع إلى الأبد عن التطرق إلى هكذا حل، إذن، عزل غزة لا يمكن أن يستمر فعليا رغم إمكانية تطبيقه فترة من الزمن، مع ما يحمله من معاناة وآلام، ولقد تم تجريبه دون جدوى بعد صعود حماس، والأرجح انه سيلاقي ذات المصير إذا تم تجريبه ثانية.
خامسا : أما تقسيم المشكلة الفلسطينية وفصل غزة عن الضفة فهو لعب في الوقت الضائع، فخط المقاومة الذي انتصر في غزة سينتصر في الضفة عاجلا أم آجلا، سواء عبر حماس أو عبر جبهة وطنية عريضة تتبنى المقاومة وإسقاط نهج أوسلو، لقد اختار الشعب الفلسطيني المقاومة باختياره لحماس ومن السخف التفكير بأنه قد تراجع عنه.
سادسا وأخيرا : يجدر بنا أن لا تحجب الآلام والصراعات الداخلية والأخطاء عنا رؤية الحقائق السياسية، ومع ضرورة نقد كل الممارسات الشاذة والتجاوزات غير المقبولة في معارك غزة، ينبغي أن لا نغرق في التشاؤم واليأس، فها هو ساتلوف الأكثر صهيونية من شارون ونتنياهو وليبرمان يعترف بأن انتصار حماس هزيمة له ولمعسكره الامبريالي الصهيوني وذلك يكفي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...