تفجيرات لندن وأساليب التضليل ومنع تبدل سياسة حكومة براون

من المسلمات أن كلا من بريطانيا والولايات المتحدة من الدول الأكثر عرضة في العالم لعمليات العنف السياسي ولضربات مجموعة واسعة من التنظيمات المصنفة غربيا كإرهابية، وذلك بسبب توجهات سياساتهم الخارجية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب حروبهم الاستعمارية في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال والسودان وغيرها، ومحاولاتهما إعادة رسم خريطة المنطقة العربية بشكل يسهل تنفيذ مخططاتهم ويقوى فرص إسرائيل في البقاء.
من هذا المنطلق ليس غريبا ان تعرف بريطانيا هذه الأيام استنفارا امنيا بعد ما راج عن وقوع هجمات والعثور على سيارات مفخخة. غير أن هناك بعض المعطيات والملابسات التي تفرض طرح تساؤلات كثيرة وتضع علامات استفهام وتزرع الشكوك حول الروايات الرسمية.
تولى غوردون براون يوم الأربعاء 27 يونيو رئاسة الحكومة البريطانية بعد استقالة توني بلير، وقد توقع وتطلع غالبية البريطانيين وجزء هام من وسائل إعلامهم إلى التغييرات التي ينتظر أن يقدم عليها رئيس الحكومة الجديد والتي سيراد بها إصلاح عثرات وأخطاء سلفه سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي، والتي حولت بريطانيا إلى تابع لسادة البيت الأبيض. البعض توقع أن يعطي براون خلال أسابيع مؤشرات عن عزمه سحب القوات البريطانية من العراق وأن يدخل تعديلات على قوانين الهجرة ومقاومة ما يسمى الإرهاب حتى يقلص من الانتقادات الموجهة الى سلفه عن التورط في حرب خارجية خاسرة في بلاد الرافدين، وتحويله بريطانيا الى دولة بوليسية تنتهك فيها الحريات الأساسية ويفرق بين مواطنيها على أساس العرق والدين واللون. لم يكن أحد طبعا ينتظر من براون أن يقوم بتحول بقيمة 180 درجة في خيارات لندن السياسية والأمنية ولكنه كان مسلما أنه سيدخل تعديلات هامة من شأنها على الأقل أن تولد الرضا بين البريطانيين الذين هم على موعد خلال أشهر قليلة مع الانتخابات التشريعية التي يريد براون أن يكسبها حزبه “العمال”.
ما كان متوقعا من براون من تعديلات رغم ما قد يختلف البعض بشأن حجمها أو أهميتها لم يكن يرضي العديد من مراكز القوى والقوى الفاعلة والمحركة للجهاز الحاكم في لندن، بالإضافة إلى تكتل المحافظين الجدد الحاكم في واشنطن والذي مدد نفوذه الأخطبوطي في العديد من دول الغرب والعالم.
بعد 48 ساعة من تولي براون السلطة في 10 داوونغ ستريت جاء الخبر الأول الذي تحدث عن العثور على سيارة مرسيدس يوم الجمعة أمام ملهى “تايغر تايغر” قرب بيكاديلي، الشرطة أقرت بأنه كان بداخل السيارة هاتف نقال وعليها 60 لتراً من البنزين وعدة كيلوغرامات من المسامير، بعد ذلك بقليل عثرت الشرطة على سيارة من نفس النوع في مرآب وقوف سيارات منخفض عن مستوى الشوارع المحيطة قرب حديقة هايد بارك، وعل متنها وقود كذلك بكمية 45 لترا وقوارير للغاز .
الأمن البريطاني تحدث عن سيارتين ملغمتين وعملية ارهابية، ولكنه لم يتمكن من العثور على متفجرات قوية كالتي استخدمت في هجمات لندن في 7 يوليو 2005 والتي أوقعت 52 قتيلا ونسبت الى تنظيم القاعدة. ما تم العثور عليه أشياء يمكن أن تستخدم لأغراض عادية كما يمكن أن تستخدم للقتل، ولكن حتى إن كان الأمر كذلك فإن العملية لم تكن لتخلف سوى خسائر طفيفة خاصة وأن السيارة الثانية كانت في مرآب دون مستوى الشارع وبعيدة عن كتلة المتجولين.
بعد ذلك ومرة أخرى بعد أربعة وعشرين ساعة ويوم السبت تحدثت وكالات الأنباء عن حادث في مطار غلاسكو حيث اشتعلت النار في سيارة رباعية الدفع من طراز “جيب شيروكي” يركبها شخصان وقد اصطدمت بمدخل أحد صالات الدخول ونزل الراكبان بعد أن اشتعلت النار في ملابسهما واستطاع الحاضرون في المنطقة إطفاء النيران التي اشتعلت في ملابس الشخصين وهما من أصول آسيوية نقلا بعدها إلى المستشفى. في البداية كان الحديث عن حادث عادي خاصة وان السيارة رباعية الدفع لم تنفجر ولم تخلف سوى خسائر بسيطة.
غير أنه بعد مدة قليلة أعلن قائد الشرطة المحلية في مؤتمر صحافي أن الأمر يتعلق باعتداء إرهابي وان هناك صلة “واضحة” بالاعتداءين بسيارتين مفخختين اللذين أحبطا الجمعة في لندن.
وقال ويلي راي قائد شرطة ستراتشكلايد “استطيع التأكيد أننا نعتقد أن الحادث الذي وقع في مطار غلاسكو مرتبط بأحداث لندن الجمعة” مشيرا إلى وجود “تشابه واضح”.
وأوضح أن قائد شعبة مكافحة الإرهاب في شرطة سكوتلنديارد بيتر كلارك سيصل إلى اسكتلندا مؤكدا “عدم توافر أي معلومات استخباراتية قبل هذا الحادث يوحي بأن اسكتلندا ستتعرض لهجوم”.
مباشرة بعد هذه الأحداث وقبل أن تتضح الحقائق قال رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون يوم الأحد إنه من الواضح أن الهجمات في لندن وغلاسكو باسكتلندا يقف وراءها أشخاص لهم صلة بتنظيم القاعدة. وأضاف براون في مقابلة تلفزيونية مع بي بي سي، إن رسالة بريطانيا للإرهابيين يجب أن تكون كالتالي: “لن نستسلم، لن نقبل التخويف، ولن نسمح لكائن من كان أن يقوض طريقة حياتنا البريطانية”.
بدون الخوض في نقاش وجدل حول تفاهة القيمة التفجيرية والتدميرية لما ضبط وتباين ذلك مع ما تستخدمه القاعدة والتنظيمات المشابهة من معدات تدمير قوية، يتبين أنه بفضل هذه الأحداث تم وضع مكابح على العجلة السياسية التغيرية لبراون كما تم حشد وتجييش الرأي العام البريطاني مرة أخرى وراء سياسة مقاومة الإرهاب ومطالب المحافظين الجدد بمتابعة الحرب ضد العراق.
في التاريخ الحديث ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كشفت البيانات السرية للعديد من الحكومات وملفات الاستخبارات وآخرها ما كشفت عنه المخابرات المركزية الأمريكية في شهر يونيو 2007 كيف أن أجهزة رسمية تدبر التفجيرات وعمليات القتل والاغتيال حتى في أراضي وطنها من أجل دفع الأحداث في اتجاه معين ولخدمة سياسات محددة.
هكذا يجب النظر بحذر وبعقل منفتح وأسلوب عقلاني ومنطقي إلى ما سمي بعمليات لندن الإرهابية لنهاية شهر يونيو، حيث أن ثمارها لن تنفع سوى المحافظين الجدد وأنصارهم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...