كله على حساب فتح !

أتمنى على الله أن يأتي يوم يحاسب فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش عدو الإنسانية اللدود على ما ارتكبه في حق الأمريكييين وفي حق منطقة الشرق الأوسط -أي العالم العربي الإسلامي- وفي حق الإنسانية والتاريخ والتقدم ، وأيضا في حقنا نحن الفلسطينيين ضحية خطة دايتون التقسيمية اللئيمة .

فجميع هذه الدماء التي تشخب من أجساد الفرقاء العراقيين على اختلاف طوائفهم ، وأجساد الجنود الأمريكيين الذين يحاربون في صيف عراقي لم يتعودوا عليه ، ومن أجساد الأفغانيين المحاربين والضحايا المدنيين ، وأجساد عساكر حلف الأطلسي وكلهم قادم من أغنى بلاد العالم إلى أفقر بلاد العالم ، هي دماء في رقبة بوش الذي عصى أمر الشعب الذي انتخبه رئيسا ، حين احتج على حرب رئيسه وكتب فوق اليافطات منذ بداية الحرب NO BLOOD FOR OIL ) ) أي لا تهرقوا الدماء من أجل النفط !

فالولايات المتحدة بلاد غنية . ولو أن أغنياءها ـ وبينهم عائلة بوش ـ قللوا من جشعهم ، لعمت الرفاهية الولايات المتحدة . ولكنهم على العكس تماما . راكموا المال فوق المال . وسخروا الجنود للذهاب إلى البلدان الفقيرة ليسلبوها أي حظ من الرزق وهبها الرزاق الكريم، وليأتوا به إلى خزائن ذوي الامبراطوريات المالية في الولايات المتحدة مثلما يأتي كلب الصيد بالطائر الذبيح إلى جعبة الصياد.

نتابع بالاهتمام كله سقوط الشهداء والقتلى في العراق وغيرها . وآخرهم خمسة قتلى أمريكيون بالأمس . ونستمع إلى الرئيس بوش الذي يطالب الشعب الأمريكي أن يصبر ويؤيد ويدعم سياسة رئيسه في تمديد أمد الحرب في العراق . يا سبحان الله ! استنادا إلى ماذا يطلب الرئيس من شعبه المكلوم هذه الثقة .. وقد مضى الآن على ملحمة المقاومة العراقية ومستنقع القوات الأمريكية خمس سنوات دون أن تبدو أية إشارة إلى إمكانية الحسم العسكري من قبل أي طرف ؟ ما ورقة اليانصيب الرابحة التي يراهن عليها الرئيس بوش ويريد من الشعب الأمريكي أن يراهن عليها ؟ وما الذي سيناله الأمريكي العادي إذا ربحت تلك الورقة في نهاية المطاف ـ علما أن ذلك مستحيل ، حتى لو استمرت تلك الحرب مائة عام ـ ؟ أم أن الإسرائيليين هم الذين يقولون له : استمر ! استمر ! فنحن مثلك مستمرون !

سياسة أمريكا ودولارات أمريكا هي الوباء الذي يغزو البلاد ، ويركب الأدمغة، ويفسد الضمائر،  ويفرق بين الإخوة . فابحث عن دورات أمريكا وراء كل فساد .

إن الخسائر التي كبدونا إياها في العراق لا تتوقف عند حد تقسيم البلد العظيم عمليا إلى ثلاثة أجزاء وحسب ، ولا عند حد الستمائة وخمسين ألف قتيل منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق ، ولا عند حد إثارة الشقاق في الشعب الواحد واللعب على الطائفية والطوائف والعنصرية والأعراق والأديان والمذاهب وكل ما يمكن أن يفرق بين الناس ، ولا عند حد تنصيب الشخصيات العراقية التافهة المجندة في صفوف السي آي إيه حكاما ومسؤولين ، ولا عند حد نهب الأموال التي جيء بها إلى العراق ديونا في ذمته فسلبها الموظفون الأمريكيون وشركاؤهم العراقيون الخونة ، ولا عند حد تعذيب السجناء في أبو غريب بالكهرباء وبالكلاب ، ولا عند حد حرمان البلد النفطي من بنزين السيارات وحرمان بلد النهرين من الماء الصالح للشرب .. لا لم تكتف إدارة بوش بذلك كله حتى استقدمت مؤخرا المزيد من القوات من أمريكا إلى العراق لتقوم حسب التوجيه والخبرة الإسرائيلية بمحاصرة الأحياء الصغيرة أو القرى أو أجزاء المدن ثم تمشيطها بدقة وقتل الناس على الشبهة، وإجراء تحقيقات استكشافية مع الآلاف لاعتصار النفوس وجمع أكبر قدر من المعلومات تمهيدا لجولات أخرى ( وهو الأسلوب الذي يتبعه الإسرائيليون منذ عام 1967 أي منذ أربعين سنة لدينا، والذي لم يفلح في القضاء على المقاومة، ومع ذلك فالأمريكيون معجبون به ويتتلمذون عليه إلى درجة أنهم في بادئ أمرهم في العراق شكلوا وحدة خاصة أطلقوا عليها التسمية ذاتها التي كان الجيش الإسرائيلي قد أطلقها على وحدة بقيادة آريئيل شارون هي الوحدة 101 ) .

واليوم ، والصحف الأمريكية تتحدث عن مائة مليون دولار تلقاها رأس الطغمة الفاسدة في السنة الأخيرة وحدها ، ووزع بعضها ، واحتفظ بالباقي يبدو من أقوالهم أنهم يطالبونه بإتمام العمل بالمقاولة التي تعهد بها . وليس من الصعب التنبؤ بنوع العمل الذي تقوم به الطغمة الفاسدة اليوم : الاتصال بالعناصر المشتراة من قبل، وإعطاؤها تعليمات بالتخريب وبإحداث الفوضى وبإعادة دورة التفلت الأمني إلى سابق عهدها في قطاع غزة . وكله على حساب فتح وسمعتها وجماهيرها .. وعلى حساب الوطن أيضا .