من جيش الشعب إلى جيش الضواحي

نشرت صحيفة هآرتس في ملحقها الأسبوعي كتاب جديد للدكتور ياغيل ليفي “من جيش الشعب إلى جيش الضواحي” وقد ارتأينا أن نقدم قراءة موجزة لهذا الكتاب الجديد، وأهم الجوانب التي يتناولها المؤلف، وهو الباحث والأستاذ في قسم علوم الإدارة والسياسات العامة في جامعة بن غوريون في النقب، حيث يطرح في كتابه الجديد سلسلة من الحقائق المفاجئة حول المكانة المتغيرة للجيش الصهيوني داخل المجتمع الصهيوني، وحول تأثير الأيديولوجية الرأسمالية بخصوص “قوى السوق” على ما كان يسمى بـ”جيش الشعب”، وعلى التركيبة العرقية المتغيرة للجيش الصهيوني.
وكتبت الصحيفة في تعليقٍ على الوقت الذي صدر فيه الكتاب، خاصة وانه كتاب يعالج التغييرات التي مرّت على الجيش الصهيوني في السنوات الأخيرة من زوايا نظر غير متوقعة، وتمت طباعة الكتاب بالضبط في الأيام التي صدر فيها تقرير لجنة فينوغراد الذي تضمن انتقادات شديدة لأداء الجيش الحالي وقادته، والاستعداد لإحياء الذكرى السنوية الأربعين لحرب الأيام الستة وربما لذكرى النصر الأكثر سطوعا لـ”ذاك” الجيش، الذي كان هنا ذات مرة ولم يعد موجودا أكثر.
يتناول الكتاب قضية “خرق المعادلة الجمهورية في الكيان الصهيوني”، حيث يقول المؤلف: إن مصطلح المعادلة الجمهورية، يعني استبدال التضحية العسكرية بحقوق اجتماعية وسياسية واقتصادية يتم منحها للإنسان الذي يؤدي الخدمة وللشبكات الاجتماعية التي ترسله لأدائها، وهناك أوضاع تشعر فيها المجموعات المضحية بأنها لا تحصل على مقابل مناسب لقاءَ التضحية، وعندها تنسحب من التضحية أو تضع مطالب جديدة تؤدي إلى توازن المعادلة من جديد، ويرى أن هذا المبدأ مشترك للدول الغربية في الـ200 عام الأخيرة بأشكال مختلفة، وهناك فروق في حجم التضحية وشكل الحقوق، لكن المبدأ هو مبدأ عالمي”.
ويطرح ليفي في كتابه ادعاءاً يرى فيه أن المعادلة الجمهورية لم تعد سارية المفعول بالنسبة للمجموعات (اليهودية) الأشكنازية من الطبقتين الوسطى والعليا، أي أن هذه الطبقات لم تعد بحاجة إلى الجيش لتحقيق المكانة والحقوق والمال، لم يكن الشعور العام على هذا النحو في حرب لبنان الثانية، فالقتلى الصهاينة في هذه الحرب كانوا من جميع الشرائح الاجتماعية.
ويضيف: الفرق الوحيد والمهم بين الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية هو أنك تلحظ حضوراً أكبر خصوصا لأبناء الكيبوتسات، وحتى أن حضور هذه المجموعة في خارطة الثكل خلال حرب لبنان الثانية أكبر مما كان عليه في حرب لبنان الأولى، وهذا المعطى لم يأت صدفة، إذ أنه ثمة عودة لحركة الكيبوتسات في السنوات الأخيرة إلى الخدمة في الجيش.
وتمت مهاجمة حركة الكيبوتسات بسبب غياب المحفز لدى أبنائها، وبدأت في أعقاب ذلك تجمعات داخلية تدعو الشبان إلى التجنيد وتم إنشاء دورات تحضيرية علمانية، كذلك فإن خطة فك الارتباط بثت داخل حركة الكيبوتسات الشعور بضرورة وجود قوة مضادة أمام سيطرة الصهيونية الدينية على الجيش.
ويبين الكتاب تجسيداً واضحاً لهذا التفسير: ففي الانتفاضة الثانية، وعلى الرغم من سقوط ضحايا كثيرين من سلاح المدرعات، فإنك ترى أنه لا يوجد قتلى تعود أصولهم إلى حركة الكيبوتسات، فيما هناك تغير ملموس في حرب لبنان الثانية”.
ويفسر ليفي ذلك بأنه في سنوات الخمسين كانت هناك صفقة بين الطبقة الوسطى الأشكنازية والدولة، وهكذا تم منح هذه الطبقة ثمار الحرب والمقابل المناسب لقاء الخدمة العسكرية، الأمر الذي لم يؤدِ إلى نشوء معضلة غير أنّ المعضلات تصبح أكثر حدّة في حالة وجود ثمن: عندما لا يوجد ثمن، تكون المعضلة ضعيفة أكثر”.
-
ابتعاد الطبقات الميسورة عن الخدمة العسكرية
يتناول الكاتب قضية ابتعاد الطبقات الميسورة عن الخدمة، حيث يرى أن هذا الابتعاد لا يساعد الجيش، كما أنّ هذا الابتعاد ينشئ كتلة تتبلور خارج الجيش، وحقيقة أن التحالف العرقي- القومي احتل مكان الطبقة الوسطى منح الجيش قوى بشرية موالية أكثر، وتتماثل مع قيمه، لكن من الواضح تماما أن الجيش كان يفضل الحفاظ على المجموعات القوية في داخله، من دون شروط وعقود جديدة”.
ويدّعي الكاتب في كتابه حقيقة أن القتلى في العقد الأخير هم في الغالب من الضواحي وهذا الأمر يؤدي إلى تغيير شكل الاحتجاج فيقول: ثمة أهمية، لا يمكن تجاهلها، لتزايد كمية القتلى، ففي الانتفاضة الثانية قُتل 244 جنديا خلال حوالي أربع سنوات، وغالبية الجنود والمواطنين الذين قتلوا خلال هذه الفترة كانوا من المجموعة العرقية- القومية، أي من الضواحي والوسط الديني، وهذه مجموعة تؤدي دوراً بالغ الأهمية حيال الشرعية السياسية لعمليات الجيش الإسرائيلي ولا تؤسس كتلة كبيرة من الاحتجاج، ورغم أن المجموعات التي أخذت تضعف تسربت إلى الجيش، إلا أنها عززت مكانتها في تنظيم ضعفت مكانته، أي أن مجموعات الضواحي تكاد لا تربح من الخدمة العسكرية لأن الجيش خلافاً لما كان عليه في الماضي، لم يعد قادراً على منحها إنجازات حقيقية إلا في الهوامش.
لكن هذه المجموعات ما زالت تعتقد بأن مجرد الخدمة العسكرية يمنحها خشبة قفز، وهذا الاعتقاد يندمج مع توجه عرقي- قومي قوي، وهذا الدمج يولد استسلاماً للثكل وعدم الرغبة في الاحتجاج على سياسة الجيش وأنا ألاحظ بكل تأكيد لدى المجموعة العرقية- القومية وجود نوع معين من “فخر الثكل”، أي أنّ الثكل بالنسبة لها يعتبر جزءا من الاندماج في المجتمع الصهيوني.
ومن جهة أخرى، فإن الشك والابتعاد عن الجيش لدى الطبقة الوسطى يولد احتجاجاً سريعاً جداً، لماذا بدأت المعارضة لحرب لبنان الثانية مباشرة بعد أول موجة من القتلى؟ لأنه كان هناك بين مجموعة القتلى الأولى وزن كبير للمجموعة القوية في المجتمع الإسرائيلي، وعندها فإن الحراك الناشئ هو أن ثمن الثكل تحول إلى ثمن يتجه بسرعة نحو القيادة السياسية ويؤدي دورًا مركزيًا في التردد بشأن عملية برية شاملة، وقد قال: رئيس هيئة أركان الجيش دان حلوتس، إن عملية برية معناها سقوط عشرات القتلى ولن نعرف كيف سنفسر ذلك”.
ويضيف ليفي أنه ومنذ سنوات الثمانين نشأت فجوة بين شرعية استخدام القوة، التي ما زالت عالية وبين النخب أيضًا، وبين الشرعية المتراجعة لدفع ثمن في مقابل تفعيل القوة، خصوصاً لدى الطبقة الوسطى، وهذه الفجوة تسبب مشاكل كبيرة جداً للجهازين السياسي والعسكري، وإن حرب لبنان الثانية هي تعبير خطير جدا عن هذه الفجوة، أخطر بكثير من الانتفاضة، لأن الحكومة دفعت خلال ساعات قليلة قوة كبيرة للغاية، وذلك في مجتمع دفع قدمًا فقط قبل أسبوع واحد أجندة مدنية تمثل جزء من منطقها في التقليص الحاد في ميزانية الجيش وعبء التجنيد الإلزامي وتجنيد الاحتياط. وهذا تناقض وجّه أداء الحكومة في الحرب”.
ويضيف: أن الجيش يحتاج إلى الحروب لتحقيق شرعية، وأن المجتمع الذي يحكمه اقتصاد السوق يشكل الجيش عبئاً اقتصادياً عليه، ولذلك يريدون إجراء تقليصات فيه، وعندها فإن الجيش، ومن أجل أن يعزز مكانته وشرعيته، يحتاج إلى ميدان يظهر فيه قوته وأهميته، لكن عملياً فإنه لا أحد في الجيش يفكر عملياً بهذا الشكل.
وبشكل أساسي فإن برنامج استخدام القوة هو الأكثر تداولاً في الجيش، مثلما أن برنامج الجراحين هو إجراء عملية جراحية وليس المداواة فحسب، إن الجيش يعي تماماً القيود التي يفرضها عليه محيطه: الحكومة، المجتمع الإسرائيلي، الرغبة في تقليص موارده، والجيش، بحسب مفهومه، يريد استغلال الفرصة.
-
الجيش الصهيوني واقتصاد السوق
يتحدث الكتاب عن تأقلم الجيش مع اقتصاد السوق، فيقول:إن النقطة المفصلية في هذا الموضوع كانت في سنوات الثمانين، عندما تم إجراء التقليص الأعمق في ميزانية الجيش ونشأ وضع تم فيه إرفاق ثمن بكل عملية ينفذها الجيش، ومثال إخضاع أيام خدمة قوات الاحتياط، وهذه أحد الموارد الرمزية الكبرى في الجيش، للميزانية هو المثال الأفضل: فجأة تم إرفاق تجنيد الاحتياط بثمن، وهذه هي اللحظة التي بدأ فيها مصطلح “جيش الشعب” يفقد فاعليته.
وأخذ هذا المركب في اقتصاد السوق، الذي من خلاله فإنّ كل عملية يتم وضع ثمن لها والتنظيم مطالب بوضع صورة واضحة للتكلفة مقابل النجاعة أمام زبائنه، يتسرب تدريجياً إلى الجيش، ويضيف أن هذه العملية تضع قيوداً في اتجاهين متناقضين: من جهة الجيش مطالب بتقوية أدائه الاقتصادي، بأن يكون أكثر نجاعة وأن يقلص تكاليف لا ضرورة لها، من الجهة الأخرى، الجيش يريد تبرير شرعية الموارد الممنوحة له، وعندها فإنه يُبرز مخاطر موجودة، في حرب لبنان الثانية لم يكن هناك تصعيد تدريجي، إذ اندلعت الحرب خلال ساعات معدودة، وهنا أدعي بأنه عندما يتوجب على التنظيم تجنيد مجتمع متوجس للحرب فإن النتيجة هي تصعيد سريع.
ويقدم الكتاب انتقاداً للجنة فينوغراد فيقول: انتقاداتي على اللجنة يتعلق بخلق مناخ وكأننا جيش لديه دولة، وأنا ارفض هذا التشخيص، وقد شاركت مؤخراً في ندوة وتحدث جميع المشاركين فيها حول ضرورة نشوء نظم تخفف من تأثير الجيش، ولا أعتقد أن هذا هو الأمر الهام، لماذا ؟ لأن التحدي الأهم هو كبح جماح الفكر العسكري لا الجيش نفسه، يوجد هنا فكر عسكري يعتبر أهم وأقوى مما يعبر عنه التنظيم العسكري.
ويضيف: عندما يكون هناك برنامج عسكري بشأن مشكلة كهذه أو تلك في العلاقات أو الاتصالات بين دولة الاحتلال والدول المحيطة بها، يجب أن نمتلك في مواجهتها أيضًا بديلاً يقف في صلبه فكر مدني- سياسي لا عسكري، فكر يستند في أساسه إلى اعتراف عميق بجيراننا، وربما أعدائنا، ويطور القدرة السياسية لدولة الاحتلال على حساب الفكر العسكري، إن الفكر السياسيّ- المدنيّ ضعيف في تل أبيب، حتى اتفاق أوسلو، الذي كان سياسياً، أصبح مع مرور الأيام اتفاقاً عسكرياً، وأصبح ضمن مسؤولية الجيش وتحت إدارته ووفقا لرؤيته، وأصبحت السلطة الفلسطينية عملياً مطالبة بأن تنفذ لصالحنا أعمال القضاء على الإرهاب “من دون مراقبة محكمة العدل العليا وفي المقابل حصلت على حكم ذاتي محدود.
ويضيف: إن الفكر السياسي موجود في صلب الفكر العنيف للتحالف العرقي- القومي، لكن لديه كذلك أساس متين في فكر مواطنين مصدر تجنيدهم السياسي هو الطبقة الوسطى- العلمانية، والفكر العسكري هو ليس فقط فكر الجيش، ولذلك فإن الفكر العسكري ليس قوياً لأن الجيش قوي وإنما العكس تماماً- لأنه توجد قوة للفكر السياسي فإن للجيش قوة. والتحدي هو كبح جماح الفكر، وليس الجيش.
-
حرب لبنان أضعفت الجيش على التجنيد
ويقول: لا يوجد بعد في المجتمع الص
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...