السبت 10/مايو/2025

كيف نجحت حماس في إقامة الجمهورية الإسلامية في غزة؟

كيف نجحت حماس في إقامة الجمهورية الإسلامية في غزة؟

في الرابع عشر من حزيران 2007، وفي ساعة متأخرة من الليل، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أنها احتلت مقر الرئاسة في غزة “المنتدى”، وقد شكل ذلك نهاية حقبة في السياسة الفلسطينية وبداية حقبة جديدة. 

حركة “فتح” ومنظمة التحرير أنهتا دورهما التاريخي وأخلتا، بعد هيمنة دامت قرابة أربعة عقود، مكانهما لصالح حركة “حماس”، وعلى أرضية الاشتباكات الدامية التي دارت في قطاع غزة خلال الأيام الماضية من السهل إرجاع هزيمة “فتح” وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى ضعفها العسكري، في الوقت ذاته ينبغي فهم أحداث الأسابيع الأخيرة على أرضية سياق تاريخي وجيوسياسي يتعدى السياق الآني المباشر للأحداث.

  • حماس جزء من الحركة الإسلامية العالمية

فنحن نشهد منذ الستينيات عملية مستمرة تتعزز وتتنامى في إطارها بشكل مطرد الحركة الإسلامية في أنحاء العالمين العربي والإسلامي، وحركة “حماس” التي أُقيمت في كانون الأول 1987، تشكل عملياً جزءاً من فسيفساء واسع من الحركات الإسلامية التي ظهرت إبان العقود الأخيرة في مصر وسورية والأردن وغيرها من دول الشرق الأوسط، والقاسم المشترك لكل هذه الحركات هو تقديم الإسلام كحل للوضع المتردي الذي يسود العالم العربي والإسلامي.

وكانت أغلبية أنظمة الحكم العربية في الشرق الأوسط أقيمت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي على أساس أيديولوجية علمانية تتمثل في القومية العربية، غير أن واقع الحياة اليومية الذي يسود اليوم في العالم العربي- استبداد، أوضاع اقتصادية سيئة للغاية، فجوات واسعة بين الأغنياء والفقراء وفساد سلطوي، جعل فشل هذه الأنظمة جلياً للجميع. 

ومما زاد الطين بلة، عجز تلك الأنظمة في مواجهة “العدو الصهيوني”، مما أضاف بُعداً مهماً لذاك الفشل، وهكذا باتت القومية العربية تمثل اليوم، عملياً “عالم الأمس”، وعلى أرضية كل ذلك فإن “العالم الجديد” الذي تَعِدُ به الحركات الإسلامية جماهيرها يبدو زاهراً وواعداً للغاية. 

  • فساد رجالات تونس دمر حركة فتح

هذه السيرورة الإقليمية وجدت تعبيراً لها في الساحة الفلسطينية أيضاً، فالتيار القومي العلماني في الساحة الفلسطينية وعلى رأسه حركة “فتح”، فشل في السنوات الماضية في الاختبارين المركزيين اللذين واجههما: تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية، وإدارة الحياة اليومية لسكان “المناطق”، وفي أوائل التسعينيات تخلت منظمة التحرير عن الكفاح المسلح وتحولت إلى مسار النضال السياسي كوسيلة لتحقيق قيام الدولة الوطنية العتيدة. 

جنباً إلى جنب، أخذت المنظمة على عاتقها منذ العام 1994 مسؤولية إدارة شؤون الحياة اليومية لمعظم السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أنه تبين للفلسطينيين بمرور الوقت أن المسار السياسي لا يقود إلى تحقيق تطلعاتهم الوطنية. 

وفي الوقت ذاته أخذت إنجازات السلطة الفلسطينية تتراجع وتتلاشى حتى على مستوى الساحة الداخلية، إذ اتضح أن الجهاز الحكومي البيروقراطي الذي أقيم في نطاق إنشاء السلطة الفلسطينية جهاز متضخم وفاسد، وساهمت أجهزة الأمن بدورها في إشاعة الفساد في القطاع العام، فضلاً عن أن هذه الأجهزة فقدت، خلال الانتفاضة الثانية، قدرتها على فرض القانون والنظام؛ وسادت إلى جانب ذلك أزمة اقتصادية مزمنة في ظل سياسات الإغلاق والحصار والحواجز والاعتقالات التي مارستها دولة الاحتلال، وهو ما جعل في المحصلة واقع الحياة اليومية في المناطق الفلسطينية، واقعاً لا يطاق، وفي هذه الأثناء صارت حركة “فتح”- بصفتها الحزب الحاكم- والسلطة الفلسطينية برمتها، مقرونتين أكثر من أي جهة أخرى بالفساد والأزمة الاقتصادية وانعدام الأمل السياسي.

  • حماس تراكم إنجازاتها الميدانية والسياسية

مقابل فشل التيار الوطني في “توفير البضاعة”، بدت حركة “حماس” وكأنها “الضمانة الكبرى”، فعلى الصعيد الوطني، وفي الوقت الذي تخلت فيه رجالات “فتح” عن الكفاح المسلح، واصل نشطاء “حماس” التمسك بالجهاد ضد دولة الاحتلال، وجاء اندلاع الانتفاضة الثانية ليتيح للحركة إظهار مجمل قدراتها على هذا الصعيد: عمليات استشهادية، عبوات ناسفة، عمليات إطلاق نار، وفوق كل ذلك إطلاق صواريخ القسام؛ واعتبرت كل هذه على أنها عمليات ذات تأثير شديد على “الكيان الصهيوني”، وأن انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة كان تتويجاً لها.

وبالفعل اعتبرت “خطة الانفصال”، من وجهة نظر الشارع الفلسطيني انتصاراً لطريق حركة “حماس”، مما رفع شعبية الحركة في قطاع غزة إلى مستويات قياسية، وثمار هذا التأييد الشعبي والجماهيري الواسع قطفتها حركة “حماس” في الانتخابات للمجلس التشريعي في كانون الثاني 2006، حيث أحرزت الحركة في محافظات قطاع غزة انتصاراً كاسحاً.

كما راكمت “حماس” في ميادين النشاطات اليومية مكاسب وإنجازات متزايدة لصالحها في الشارع الفلسطيني، فالحركة تعكف منذ الثمانينيات على بناء وتطوير شبكة خدمات اجتماعية، طبية، تعليمية، خيرية وغيرها، يتم تقديمها لكل محتاج بأسعار رمزية أو بدون دفع أية رسوم. 

وقد استخدمت هذه المؤسسات الاجتماعية والخيرية ليس فقط من أجل تقديم الخدمات للسكان، وإنما أيضاً من أجل توسيع دائرة مؤيدي وأنصار الحركة وإيجاد قاعدة اجتماعية راسخة لأنشطتها، والجهود الدائبة التي قامت بها الحركة في هذه المجالات، إضافة إلى صورتها النقية من الفساد مقارنة مع رجالات السلطة الفلسطينية، مكنت حماس من إحراز فوز ساحق أيضاً في انتخابات السلطات المحلية والبلديات التي جرت خلال عامي 2004-2005.

وهكذا، وبينما أخذ التيار العلماني الفلسطيني يخسر بالتدريج مكتسباته ومواقعه السياسية والاجتماعية، راحت حركة “حماس” تراكم المزيد من القوة والشعبية، ووقفت قيادات حركة “فتح” والسلطة إزاء هذه العملية عاجزة تقريباً.. فالصراعات بين الجيل والحرس القديم من رجالات تونس، وبين قيادات الجيل الشاب التي نشأت وتربت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عطلت النشاطات التنظيمية للحركة، كما ساهمت الصراعات الداخلية بين المعسكرات والأجنحة المختلفة في المحافظات في انهيار الأطر التنظيمية للحركة، وكانت هذه العملية قد بلغت ذروتها خلال انتفاضة الأقصى التي فقد قادة “فتح” والسلطة في أثنائها سيطرتهم على التشكيلات المسلحة لنشطاء “فتح” وسائر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.

  • عباس..الضعيف العاجز المتردد!

وجاءت وفاة الرئيس عرفات وانتخاب أبو مازن رئيساً للسلطة وزعيماً لحركة “فتح” ليساهما في ازدياد أوضاع الحركة سوءاً وتدهوراً، وكانت شخصية عرفات الأسطورية قد شكلت بدرجة كبيرة عاملاً موحداً ومصدراً للسلطة والهيبة بالنسبة لحركة “فتح” وأنصارها، فيما ظهر أبو مازن كشخصية ضعيفة، مترددة وعاجزة عن مواجهة التحديات المركبة التي أفرزها الواقع الناشئ في الأراضي الفلسطينية.

مقابل الضعف التنظيمي الذي اعترى حركة “فتح”، برزت حركة “حماس” كحركة منظمة، منضبطة، قوية وذات قيادة منظمة ووحدة فكرية، وعلى أرضية كل ذلك فإن سيطرة قوات حركة “حماس” على قيادات ومقار أجهزة الأمن والرئاسة في غزة، لا تدل فقط على نجاح عسكري، وإنما تدل أيضاً على انتصار العقيدة الإسلامية على الأيديولوجية العلمانية، ويمكن القول إن التطورات الأخيرة أدت من ناحية عملية إلى قيام الجمهورية الإسلامية الفلسطينية، واقعياً، في قطاع غزة، أما انعكاسات وتداعيات هذه الخطوة فمن المرجح أن تتعدى بكثير نطاق الساحة الفلسطينية ذاتها.

المشهد الإسرائيلي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات