الأحد 11/مايو/2025

عن أي فتح تتحدثون ؟!

لمى خاطر
بعد القنبلة التي فجرها عضو اللجنة المركزية لفتح هاني الحسن في لقائه الأخير على فضائية الجزيرة توالت ردود الفعل الفتحاوية الناقمة والمهاجمة متصدرة واجهة ردة الفعل الفتحاوية التي غيبت بعض الأصوات الخجولة والخافتة المساندة لموقف الحسن.

اللافت هنا أن هاني الحسن كان يتحدث بكل ثقة خلال اللقاء عن فتح الأصيلة وفتح التي أعلنت براءتها من تيار ديتون – دحلان الذي أكد الحسن أنه لا يشكل سوى أقلية في فتح بينما عموم الحركة هو مع الخط الوطني الأصيل الذي لا مكان في أجندته لأي اعتبار دخيل والذي لا يمكن أن يشترى بالمال أو يرتضي لنفسه أن يكون مأجوراً لأي مشروع صهيوني أو أمريكي!!

غير أن ردة الفعل الفتحاوية الرسمية والشعبية الظاهرة والمعلنة كانت تذهب باتجاه معاكس لما قاله الحسن وشدد عليه، مما جعل المراقب في حيرة من أمره وأوجب طرح السؤال الكبير: من يمثل فتح؟ ومن يعبر عن مواقفها؟ وأي فتح وأي تيار فيها هو صاحب الحق بادعاء (الوصل) بالقضية أو بالمشروع الوطني؟!

أحداث غزة الأخيرة وحسم حماس المواجهة مع عصابات دايتون والقضاء على مشروعها المشؤوم انعكس أيضاً على حركة فتح ومهد بشكل أو بآخر لأشكال موضعية من الحسم فيها وعلى مستويات معينة..
فقد ظهرت قوة ناشئة على الساحة هي (فتح الياسر) بقيادة خالد أبو هلال الفتحاوي القديم الذي حسم أمره مؤخراً واتخذ قراره الشجاع بتشكيل حركة مستقلة عن فتح (الأم) بعد أن تيقن أنه لا سبيل لإصلاحها أو تصحيح بوصلتها بعد أن هيمن عليها التيار المتنفذ إياه وصار صاحب القول الفصل فيها.

وعلى مستوى آخر وجدنا أن تيار (فتح غزة) يقرّ – ولو بشكل موارب – بمسؤولية تيار دايتون عن المآل الذي آلت له فتح ويؤكد أنه بصدد استنهاض الحركة في اتجاه تصحيحي، رغم أن الضبابية لا زالت تحكم مواقفه وتصريحاته، ولعل مرد هذه الضبابية هو وجود الخصم المتمثل بحماس في المنتصف والذي يبدو أنه لا زال في عرف كثير من الفتحاويين الخصم الذي تهون لأجل الوقوف في وجهه كل الخلافات وتغتفر كل الخطايا الداخلية أو تصبح قابلة للتأجيل ما دامت حماس حاضرة!!

ومن جهة أخرى تبرز أيضاً وبشكل أكثر وضوحاً هذه المرة إشكالية مجموعات فتح التي ما زالت قابضة على جمر المقاومة والتي تم استهدافها أيضاً من قبل (فتح الرسمية والمهيمنة) بقرار حل الأجنحة العسكرية، هذا القرار الذي جاء كبادرة (حسن نية) استباقية من طرف عباس وكهدية مجانية لأولمرت، وأعقبه على الفور اقتحام قوات الاحتلال لنابلس لاعتقال وتصفية كل المقاومين الذين لم يتورطوا في مهاجمة حماس عشية الأحداث ونأوا ببنادقهم عن التبعية لأوامر التيار المتآمر في فتح.

ولكن حاجة فتح الدائمة لاستثمار دماء المقاومين الشرفاء الذين ما زالوا يحملون اسمها وللاستفادة من رصيدهم يجعلها تتجنب خوض مواجهة مباشرة معهم، لكنها تكتفي باستصدار المراسيم التي تستهدف المقاومة وترفع عنها الغطاء بعد أن يتم تحوير مضامين تلك المراسيم وتجميلها لإخفاء غاياتها الحقيقية، وفي المقابل تتولى قوات الاحتلال تنفيذ المهام الصارخة على الأرض.

الواضح الآن أن ما يقال عن تحقيق داخلي في فتح ومحاسبة ومساءلة ليس سوى ذر للرماد في العيون، إذ يبدو أن معيار المحاسبة الوحيد هو التقصير في صد (هجوم حماس) على (مقرات الشرعية) في غزة، أي بمعنى آخر التقصير في المضي حتى الرمق الأخير في تطبيق خطة دايتون!!

ولأجل هذا فلست أحسب أن ثمة أملاً يمكن أن يرتجى في إمكانية تصويب فتح لمسارها والتخلص من عوامل ارتكاسها، فهذه العوامل لا زالت رموزاً متمكنة ومتنفذة تتصدر الواجهة وتتحكم بمفاصل القرار الفتحاوي ولا تترك سبيلاً أمام القاعدة الفتحاوية إلا انتهاج الرضوخ لاستحقاقات مواقف تلك الرموز والترويج لها والاضطلاع بمهمة تبرير كل السقطات الوطنية والقيمية.

وفي المقابل فإن أي صوت فتحاوي يجرؤ على وصف المشهد المزري لواقع الحركة أو يضع يده على موطن الخلل لا يقابل إلا بالعزل والإقصاء والتشويه، ويرجم بشتى صنوف القبائح أو على الأقل يصور (عميلاً لحماس) أو (بوقاً لها) ..!

وفي ظل هذه الحالة، يبقى السؤال قائماً وموجهاً بالدرجة الأولى لعضو اللجنة المركزية لفتح وأحد مؤسسيها هاني الحسن وكل من يحمل موقفه داخل الحركة: عن أي فتح كنتم تتحدثون حين أعلنتم هزيمة تيار دايتون وخلاص الحركة منه ومن كل ما يسيء لها؟! وأين هو دور تلك القاعدة التي راهنتم عليها لإسقاط كل المشاريع الصهيوأمريكية وللانتصار لفتح الوطنية وعزل (المتأسرلين) عن جسدها؟!

وإلى متى سيظل (الولاء للتنظيم) مقدماً على الولاء للقضية ومسوغاً للتعامي عن الحقيقة الفجة التي يشي بها حاله والتي باتت تشير إلى أن بقاءه بات مرهوناً فقط بالدعم الخارجي له بعد أن ارتضى أن يكون ورقة في يد من راهنوا عليه لتطبيق أجندتهم الاستعمارية ولاتخاذه واجهة لخوض المعركة مع قوى المقاومة بالوكالة عنهم؟!

يبدو على كل حال أنه سيمضي وقت طويل قبل أن تستفيق فتح من سكرة الأنا الحزبية وقبل أن تتنازل قليلاً عن نزعة التفرد والاستحواذ لتجد نفسها أمام الحقيقة المرة، ولا ندري حينها ماذا وكم ستكون فتح قد خسرت أيضا !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات