أشباه الرجال

المؤسسة الأمنية والسياسية الرسمية الفلسطينية والعربية تضج وتعج بأشباه الرجال الذين جمعوا كل مثالب اللئام؛ وكل صفات وخلال النفوس المتخامدة الهابطة الوضيعة؛ وأحداث فلسطين الأخيرة قدمت أمثلة ونماذج للعديد من هؤلاء الذين ابتلي بهم الشعب الفلسطيني وابتليت بهم باقي شعوب الأمة.

في أحد هذه الأمثلة بث تلفزيون الأقصى مؤخرا شريطا من أرشيف العملاء؛ وظهر فيه عباس يحض رجال المخابرات صراحة على قتل و”طخ” كل من يحمل صاروخا من رجال المقاومة. ولأن حمى الانتفاخ الكاذب قد طبعت الحاضرين من المخبرين الذين شرعوا في التصفيق؛ فإن الرائد أو المقدم سعيد عثامنة من مخابرات دايتون انفعل هو الآخر وعقب على كلام رئيسه قائلا أنه يؤيده؛ وأقسم أن سحق رجال المقاومة لن يأخذ من رجاله ورجال أمن عباس أكثر من “غلوة”؛ أو الزمن اللازم لغلي الماء – وهي كناية فلسطينية عامية للتعبير عن بساطة المهمة وقصر الوقت اللازم لإنجازها. ثم أتبع قوله ذلك بأنه في الميدان وأنه يعرف ما يقول “أنا في الميدان وبعرف الصحيح”. لا أعرف سر رغبة السيد “أبو غلوة” في سحق المقاومة؛ ولا أعرف سر تحمسه وتحفزه لتلك المهمة في حين أنه يفر من اجتياحات الصهاينة كالنعامة الفتخاء؛ لا بل ينسحب بكل جبن؛ كيف لا وهم يخبرونهم بمواعيد الهجمات والتوغلات؟ على أية حال هو الآن ساقط في ذل أسار كتائب القسام؛ وصار اسمه وتهديده للقسام وتذرعه بأنه في الميدان ويعرف الصحيح – صار ذلك نكتة قومية فلسطينية ستذهب مثلا وسيمضي الجيل بعد الجيل يرويها!

وشبه الرجل صفة يستحقها كل وغد من ضباط وعساكر الأمن الفلسطيني في نابلس من الذين اعتقلوا الشرفاء والأتقياء من أبناء الحركة الإسلامية خطفا من بيوتهم ومن سكنات الطلاب الجامعية؛ وعذبوهم وكسروا أطرافهم واضطروا بعضهم للنقل إلى المستشفى؛ هناك حيث يرقد نصر عباس الخراز ورفاق له على حافة الموت يجأرون إلى الله شكاية من ظلم ذوي القربى وتغول الفرع الوسخ في الجسد الفلسطيني! فأين هم أشباه الرجال من الدفاع عن نابلس التي اجتاحها الصهاينة على مدى يومين؟ أين هم عن رد العدوان؟ لقد أثبت هؤلاء أنهم لحديون حقيقة وواقعا؛ وبرهنوا بالدليل العملي على أن حظهم من المروءة قد نضب؛ ولم يبق لديهم من مشاعر آدمية إلا تلك الخاصة بالدياثة والتخنث السياسي؛ وإلا لما جرؤ مدير سجن الجنيد – حيث يحتجز أبطال الحرية على يد اللحديين – على التصريح بوجه جف ماؤه ونضب بالقول أنه سحب قواته من السجن منعا “للاحتكاك” بينها وبين القوات الصهيونية التي حاصرته!

الله الله! القائد الهمام يترك أسرى حماس دون حماية ولا يشعر أنه بحاجة لستر هذه الفضيحة وتغطية العار المقيم!

ثم هناك نموذج آخر من رجال السياسة هذه المرة؛ وهو وزير الشباب والأسرى في حكومة الطارئين. أشرف العجرمي الهابط على موقعه دون شرعية إلا من شرعية دايتون؛ ودون وجه حق إلا حقه في الانقلاب على إرادة الشعب الفلسطيني وبرعاية بساطير جيش الاحتلال في الضفة – أشرف العجرمي لم يراع حرمة وجود الوزير الحقيقي للأسرى وصفي قبها في سجن الاحتلال معتقلا؛ ولم يختر التصرف كرجل عنده مروءة؛ بل اختار أن يكون مداسا للصهاينة؛ والوجه الأكثر وساخة في التعبير عن سواد قلوب العملاء المنقلبين في رام الله؛ واتهم الوزير الشرعي بأنه سرق الوزارة؛ هكذا في مؤتمر صحافي فيما الوزير قبها مغيب مكتوم الصوت في سجون الاحتلال… هذا الاحتلال الذي رعى توزير العجرمي وسواه شيئا!

فهل سمعتم بخسة فاقت هذه الخسة؟ وهل رحاب التي ينسب لها العهد القديم أنها خانت مدينتها أريحا ودلت العبرانيين على عورات سورها – هل رحاب هذه ولغت في العهر السياسي أكثر من هذا البيدق في يد أحد بيادق تل أبيب؟! ليس هذا رجلا؛ ولا شبه رجل؛ ولا شق رجل؛ ولو وقف ألف مستنسخ من أمثال الأخس أشرف العجرمي فوق بعضهم بعضا وقفزوا قفزة رجل واحد لما طاولوا ولا كعب رجل وصفي قبها؛ فليس من يركب الجيب الإسرائيلي معتقلا كمن يؤتى به في مؤخرة الدبابة الصهيونية سندا وعميلا وخائنا!

أما آخر النماذج التي لفتت انتباهي بين ساسة الاستخذاء وعساكر الخضوع فهو نموذج مختلف؛ وهو مثال على جاهلية لما تزل تحضر في عقول وأذهان أبناء مدرسة دايتون. العقيد ناصر أبو شاور الذي حوصر مع من حوصروا حين شنت حماس هجومها على آخر معاقل قوات دايتون رفض الأمان الذي منح له ومنح لأقرانه؛ وتساءل في كلمة استكبار وعتو مستنكرا:” أنا أسلم نفسي للقسام؟” ثم وضع المسدس في فمه وأطلق النار منتحرا!

فهل رجولتك لا يقدح فيها العمل مع أجهزة أمنية تحولت إلى ذراع للصهاينة؟ وهل رجولتك لا يخدش كبرياءها أن يتحول الفدائي إلى راع لأجندات الصهاينة ومطارد للفدائيين الجدد وباحث عنهم؟ وهل رجولتك لم يطعن فيها أن تكون بإمرة الخونة من خيرة الخيرة من عملاء دايتون؟

هذه الرجولة التي ترفض الانصياع للمقاومة وترفض العفو منهم؛ وتتمسك بالجيفة والميتة من الخونة ومن الصهاينة هي رجولة جاهلية؛ وكبر كمثل عناد أبي جهل في بدر؛ وهو وإن لفت الأنظار للوهلة الأولى وجمع حوله المعجبين – كما اجتمع المشركون حول أبي جهل وهم يقولون “أبو الحكم لا يُخلص له” – إلا أنه سرعان ما ينهار؛ وسرعان ما تتكسر جذوع المروق والخروج على الحق جذعا جذعا؛ فيموت الباطل ويهلك أبو جهل إن بيد عبدالله بن مسعود أو منتحرا غير مأسوف عليه! فهل سينفعك في انتحارك أن يمنحك عباس “نوط القدس”؟ وهل نوط القدس يستحقه رجل يسهر على ملك “أورشاليم”؟! لقد اختار عباس أن تلحقك اللعنات والآثام تحت التراب؛ وأصر على الإساءة لك حيا وميتا؛ فهل من مدكر؟ وهل من متعظ؟!

في صفوف فريق الاستكبار الدايتوني لا يبدو الاتعاظ والاعتبار خيارا مرجوا؛ فهؤلاء القوم يكرهون من يتطهر منهم؛ ويحملون عليه بكل فجور؛ وما يحدث مع هاني الحسن وما حصل مع خالد أبي هلال ليسا عنا ببعيدين. لذلك؛ فإن كل المؤشرات تؤكد على أن مصير فريق دايتون الذي يسدر في غيه في الضفة لن يكون بأحسن من مصير عملاء غزة؛ وأيتام دايتون في رام الله يحتضنون الآن أيتامه من غزة؛ ولا يبدو القوم قد فهموا حكمة درس القسام لهم جميعا!

أما نحن فلن نهين ولن نستكين؛ ولن نشعر برهاب لأن سياط القهر اللحدي تضرب إخواننا في الضفة؛ فنحن على ثقة أن عهد الرجال سيجب عهد أشباه الرجال؛ وما فشل في غزة فسوف يخيب في الضفة؛ وهذه الأرض التي تطرد خبثها سوف لن تسلم رقبتها للعملاء؛ ويوما ما ستلقم جهنم فلسطين كلاب رام الله ونابلس وجنين وقلقيلية كما هي ابتلعت سفاح دايتون في غزة؛ واسألوا سعيد أبو غلوة؛ فهو في الميدان ويعرف الصحيح !