السبت 10/مايو/2025

قرارات وفرامانات رئاسية تُعمق الأزمة وتُعزز الفصل

د. حسن محمد أبو حشيش
عودتنا مؤسسة الرئاسة الفلسطينية منذ تولي السيد محمود عباس الرئاسة على قرارات سريعة وفرامانات عاجلة يُدرك من أصدرها بُعدها عن الواقعية وعدم امكانية تطبيقها وعدم تقاطعها مع القانون وروحه وإن وجدت من يُؤول لها نصوصا قانونية محددة وتفسيرات خاصة… ومازالت قرارات الرئيس أبو مازن حول اجراء الانتخابات المبكرة ماثلة أمامنا رغم تأكيد كل المحللين والمراقبين المنصفيين والمحايدين له أن هذه خطوة بعيدة المنال ما لم يتم التوافق عليها ولكنه رفض الاستماع للجميع وأصر على إصدار القرار أمام وسائل الإعلام وبصيغ رسمية وسط تصفيق وتهليل وتأييد من مستشاريه وممن يعملون حوله وكان بذلك يواجه أزمة التوافق على الوثيقة التي صدرت عن الأسرى ولكنه لم يتمكن من إقناع الآخرين والمنافسين لا بقبول وثيقة الأسرى كما يريد ولا بتطبيق الاستفتاء والانتخابات المبكرة وتبخرت كل قراراته ولم يلمس المواطن أنها قابلة للنفاذ وأنها صادرة عن جهة عُليا لها الكلمة الأولى في الأراضي الفلسطينية وهذا أمر طبيعي لمن لا يقرأ الواقع ببصيرة ولمن يستمع من أطراف لا علاقة لها بتركيبة المجتمع الفلسطيني ولا تهتم بنبض الرأي العام المحلي.
 
الموقف ذاته يتكرر مع كل أزمة تنشأ مع مؤسسة الرئاسة. فبعد أن صمتت مؤسسة الرئاسة طويلا عن كل الانتقادات لها في علاقتها مع حماس وبعد أن غضت البصر عن كل الجرائم التي كانت تُرتكب في غزة في حماها وفي حمى مربعها الأمني الواسع والضيق وبعد أن بلغ السيل الزُبي وبات الأمر لا يُطاق ووصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه… فبدلا من التبصر بالأسباب التي أدت إلى ما حدث ودراسة الساحة بشكل موضوعي ومنصف وأخذ العبرة والعظة للمساهمة في ترتيب البيت الفلسطيني بشكل عادل وبعيدا عن الوضع السيء السابق الذي عايشه الرأي العام بنفسه… اتخذ قرارات ماراثونية كلُها نزق ومن شأنها تعطيل القانون والنظام الأساسي وتعزيز الفصل بين القطاع والضفة والتفريق بين الشعب الفلسطيني في شقي الوطن وترك مليون ونصف مليون وحدهم في مجابهة الحصار اللعين يواجهون مصيرهم لوحدهم معاقبين ومنبوذين لأنهم فرضوا الأمن والأمان ويحاولون العيش بنظافة سلوكية بغض النظر عن الإنتماء السياسي …
 
إن هذه القرارات التي يستيقظ الاهالي يوميا عليها بمثابة تطبيق لسياسة التطهير العرقي ضد قطاع غزة و لسياسة الفصل العنصري وهي هروب للوراء وعجز عن مواجهة الحقيقة والواقع وعدم شجاعة في تحديد المجموعات التي سببت كل هذه المعاناة على مدار سنة ونصف ومزقت النسيج السياسي والاجتماعي للشعب الفلسطيني. هذه القرارات المتسرعة تمس  بمصير وحقوق المواطن اليومية وتجعل من سكان قطاع غزة مواطنيين من الدرجة الثانية : قرارات لها علاقة بعقود آلاف المواطنين ورواتب الموظفين وبشهادات الميلاد والوفاة وجوازات السفر والأوضاع التعليمية والصحية والإقتصادية ولها علاقة بالوضع الإداري داخل المؤسسات و الوزارات ووصل الأمر إلى كيانية مؤسسات خدماتية لها عشرات السنيين وإلى شرف المقاومة وسلاحها.
 
والأخطر من ذلك وضعت الرئاسة نفسها في وضع مقارنة واضحة من خلال كلمة لا كبيرة للحوار الداخلي ونعم كبيرة للحوار واللقاء مع الإحتلال!!! ثم شكَل الرئيس عباس لجنة تحقيق للنظر فيما حصل وتوقعنا أنها ستكون للفائدة والإتعاظ ولكنها جاءت فقط لمعاقبة كل شخص لم يساهم في الأحداث بحجة التخاذل والفشل وترقية الذين كانوا على علاقة مباشرة في إراقة الدماء بحجة الدفاع عن المؤسسات وغريب الأمر أن نتائج التحقيق المزعوم والوهمي سريعة جدا ولم يشعر الرأي العام بأدائها بينما الإحتلال مكث شهورا طويلة وهو يحقق في هزيمته في لبنان، وحين صدر التقرير كان موزعا وجزء منه سري وآخر علني أي أن كل مواطني دولة الإحتلال بل والعالم شعر بالتحرك والتحقيق والموضوعية أما نحن فقرارات لجان التحقيق صدرت من الأيام الأولى. ففي كل ذلك أين الذكاء السياسي ؟! أين الخبرة في إدارة الازمات ؟! أين المصلحة العامة وهم المواطن؟! أين أثر أربعين عاما من العمل السياسي ؟! أين الخبرة والذكاء والحنكة ؟! الكثير من المراقبين حتى أولئك المعارضين لحماس والمخالفين لمنهجها وفكرها يرون أن ما يقوم به الرئيس أبو مازن باسم حركة فتح وباسم الرئاسة وباسم المنظمة وباسم الضفة الغربية هو انتحار سياسي وتعميق للأزمة ولن تجد هذه القرارات سبيلا للمكوث والصمود لمخالفتها للفطرة والواقع والمصلحة وبُعد النظر  وهذا  سيُعزز مكانة حماس في الشارع الفلسطينيى ويُشتت حركة فتح وملحقاتها… وكل ذلك نتيجة طبيعية لتوصيات سوداوية للفريق المحتكر للشرعية من حول الرئيس أبو مازن.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات