السبت 10/مايو/2025

سلام فياض والحديث بلهجة اليانكي

رشيد ثابت

حين وصفت الحكومة التي اختلسها عباس في عجالة بأنها حكومة الطارئين فإنني لم يدر في خلدي أن سلام فياض طارئ على فلسطين كل هذا القدر.

منذ نحو يومين قدم سلام فياض مقابلة لمحطة سي إن إن الأمريكية. في ذلك اللقاء ضرب فياض دون شك نموذجا مقبولا من المشاهد الأمريكي. الأمريكي بشكل عام ولمن لا يعلم هو رجل يحب الاعتداد بنفسه كثيرا؛ ويحب أن يقول عن نفسه أنه ثوري يرفض التقاليد الجامدة والبيروقراطية في كل شيء: من الضيق بتقاليد العمل المعقدة؛ إلى عدم الارتياح للأكل بالشوكة والسكين؛ فرفض الحديث بلغة انجليزية تحترم القواعد والنحو؛ وانتهاء بالإصرار على امتلاك رأي شخصي خاص ومختلف في شتى مناحي الحياة؛ حتى تلك التي لا يعرف الأمريكي عنها كثيرا.

واضعا مثل هذا المُشاهد في عين الاعتبار؛ ومتصرفا كأحد أبناء مدرسة “اليانكي” انطلق سلام فياض لبيع برنامجه السياسي لدى الجمهور الأمريكي. ومن أبرز ما قاله البديل غير الشرعي لهنية في مقابلته تلك:

– أنا أبحث عن تعاون مكثف ونشط مع “إسرائيل” من أجل منع انتقال الاضطراب إلى الضفة من غزة
– لقد أرسلت الرسالة “لإسرائيل” ولا زلنا في انتظار الجواب
– أنا جلدي سميك ولا يؤثر فيه اتهامي بأنني عميل لإسرائيل
– أنا أعرف ماذا أريد أن أعمل؛ وأعرف ما هي المهمة: أنا أريد أن أخدم مصالح الشعب الفلسطيني

فياض في كل هذه المواقف المسرحية أعلاه تكلم بشخصية الأمريكي وبنوع الكلام الذي يؤثر فيه؛ لكنه على ما يبدو نسي أن الناخب الفلسطيني يسكن في قلقيلية وليس في تكساس؛ وأنه يشاهد الجزيرة لا السي ان ان.

الناخب الفلسطيني يا فياض يعتبر التعاون مع إسرائيل – سواء كان هذا التعاون نشطا ومكثفا أو خامدا وضحلا – وجها من وجوه الخيانة والعمالة؛ وهو حين يسمعك تقول أن جلدك سميك ويتحمل تهمة العمالة فهو لن ينظر إليك بعينين ممتلئتين بحبور وسعادة الأمريكي وهو يشاهد رجل الكاوبوي الوقح الذي يتحدى الآخرين؛ بل سيهز الفلسطيني رأسه يمنة ويسرة ويقول عنك أنك بالفعل “متَمسِح” وما عادت العمالة “تفرق معك”!

والناخب الفلسطيني يا فياض لا تنفع فيه خطط الأمريكان؛ ولا ينفع لزعامته الإتيان بالحكام من صفايا الأمريكان الهابطين عليه بمظلات دايتون وكوندي وتشيني؛ على خطى زلماي خليل زادة وقرضاي وعلاوي والسنيورة.

والناخب الفلسطيني يا فياض ليس أحمقا ولا مغفلا؛ وليس مثل المشاهد الأمريكي الذي ان امتلأت ثلاجته بالطعام؛ وكان سعر الوقود في المحطة ضمن حدود المقبول عنده؛ وفاز فريقه للكرة في البطولة فإنه يرى أنه جمع كل أسباب السعادة والهناء! لا يا فياض؛ فالفلسطيني حر وأبي وذكي وصاحب كرامة؛ ويهتم بوطنه كما يهتم بدخله وأكثر؛ وعينه على المسجد الأقصى والأسرى واللاجئين؛ وحين يراك تقول أنك أرسلت الرسالة للصهاينة وتنتظر الجواب رغم وقوع اجتياح لنابلس؛ ورغم ما حصل في نابلس من قتل واعتقال؛ فإنه سيظن بك أنك مغفل لا تفهم؛ أو متواطئ لا تريد أن تفهم!

والناخب الفلسطيني يا فياض لن يأخذ “بكش” ولا “هيلمة” من طراز “أنا أعرف مهمتي” أو “أنا أريد أن أخدم مصالح الشعب الفلسطيني”؛ فللفلسطيني قبلة سياسية في المسجد الأقصى وفي ثوابته الوطنية وفي فلسطين الكاملة وفي حق العودة لا يحيد عنها؛ وهو يعرف أن من انقلبوا على إرادته لا يريدون خدمته؛ وهو يعرف أن من يرعون هدم مؤسسات مجتمعه المدني وحرقها على يد زعرانهم؛ ويعتقلون أفراد حزب الأغلبية حماس ويعذبونهم – هو يعرف أن هؤلاء لا يريدون الخير لفلسطين ولشعبها؛ وهو يعرف ويفهم أن من أنيطت به مهمة حفظ أمن “إسرائيل” فإن ديدنه أن يبخس المقاومة كما فعلت أنت مع السي ان ان؛ وكما فعل عباس أمام كل الكاميرات مرات ومرات.

فهل يفهم فياض أن مقابلته التي لعب فيها دور المتأمرك بكل قوة قد تنفع لبيع أسهمه في أسواق تكساس؛ لكنها لا تشتري رضا الناخب الفلسطيني في نابلس وجنين وغزة والقدس؟

هو لن يفهم؛ ومن الأكيد أن جلده هنا أيضا سيكون سميكا؛ فهو يعرف انه قدم لفلسطين لا بإذن ناخبها؛ بل في الحقيقة جاء منقلبا على إرادته؛ وفي حكومة طارئة شكلا ومعنى على هذا الشعب وقيمه وثوابته!

وما دامت الشرعية قد قدمت من أمريكا التي أعطته المظلة؛ وما دام فياض قدم من أمريكا لإنفاذ رغباتها؛ فلا شك أنه سيكون معنيا بتقديم أفضل العروض الإعلامية بين يدي الجمهور من “اليانكي”؛ ولا عليه بعد ذلك إن اقتنع أهل قباطية وصوريف وبيت لاهيا أم لم يقتنعوا! 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات