السبت 10/مايو/2025

فتح ما بين غياب البوصلة و تيار الأسرلة ..!

وائل كريم

تفرق الجمع و بدأت تظهر نتائج الحسم العسكري ” الحمساوي ” على المعادلة الداخلية ” الفتحاوية ” انقضاض لم يسبق له مثيل في كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها حركة فتح فلم يذكر لنا تاريخ حركة فتح أنها تفرقت شيعاً و أحزاباً بهذا الشكل رغم كل ما تعرضت له عبر تجاربها المختلفة .

و لعل مرجع هذا التفرق و التشرذم يعزوه البعض إلى غياب المرحوم فهو وحده من كان يملك زمام المبادرة و يملك أيضاً إنفاذ القرارات أياً كان شكلها و أياً كانت صيغها و نتاجها.. و ليس أدل على هذا من اعترافه بحق ( إسرائيل ) في الحياة ! فلا أظن أن أحداً في تاريخ حركة فتح كان يملك أن يعترف بشرعية الاحتلال على أرضنا و إلا لأقمنا عليه حد الرِدة الثورية !!

صحيح أننا الآن نشاهد نماذج قذرة تتباهى بعمالتها و ارتباطها بالمحتل لكني أجزم أن هذه الأقزام أقل بكثير من أن تضفي شرعية للاحتلال على أرضنا لذا كان لابد من أن يفتح هذا الباب على يد رجل له وزن و تاريخ في ثورتنا المعاصرة و من ثم يأتي دور تلك الأقزام كي توغل في هذا المشروع الذي أصبح حقيقية واقعة بعدما شرعنه المرحوم .

لكن الأمر ليس كذلك فلم يكن لغياب المرحوم عن المعادلة كل هذا الأثر و لا أعتقد أن وجوده في هذه المرحلة الحساسة كان سيغير شيئاً أو أنه كان يملك جمع و توحيد الشيع و الأحزاب في بوتقة واحدة ضمن منظومة و أطر الحركة و لعل عودةً للخلف عدة سنوات ستعطينا الدليل على ذلك فالصراع _على_ حركة فتح لم يكن وليد المرحلة و إنما جذور هذا الصراع ترجع لأواخر عهد الرئيس الراحل .

أعتقد أننا حتى نقف على حقيقية هذا الصراع و أسبابه يجب علينا أن نستقرئ أهداف و خيارات أطراف هذا الصراع حتى يتسنى لنا أن ندرك الأهداف الحقيقية لهذا الصراع و ما إذا كان هذا الصراع سيحمل نتائج إيجابية للقضية و معادلة الصراع مع الصهاينة أم لا .
قبل الخوض في تفصيلات هذا الصراع لابد من تحديد أطرافه تمهيداً لتحليل موقف و أهداف كل طرف و هنا حتى نتجنب الأحكام المسبقة سأقتصر في تسمية طرفي الصراع كل باسم من يمثله لذا سيكون أحد التيارين هو تيار محمود عباس و الآخر تيار هاني الحسن .

أولاً_ تيار محمود عباس : يضم هذا التيار أفراخ أوسلو على اختلاف أشكالهم و أصنافهم و لعل السمة المميزة التي تجمعهم جميعاً أنهم جميعاً ممن تآمر على الرئيس الراحل عرفات و بعضهم لازال حتى الآن يحمل تذكاراً من المرحوم كمثل المستشار نبيل عمرو الذي سبقته إحدى ساقيه إلى الآخرة !

هذا التيار يرى أن السبيل الوحيد للدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف طبعاً ضمن حدود العام 1967 فقط لا غير هو الثورة السلمية المجردة من ( الإرهاب ) و العمليات ( الحقيرة ) و الصواريخ ( العبثية ) و أنه لا ضير من ” طخ ” كل من يحمل صاروخاً إن كان هذا الصاروخ سيؤدي لتشويه صورتنا في أعين العالم المتحضر الذي لم ينصفنا منذ قرن من الزمان و لن ينصفنا !

طبعاً هذا ما يصرح به هؤلاء القوم للإعلام و يعبرون عنه أمام عدسات الكاميرات و في البرامج الحوارية أما حقيقة الأمر فأعتقد أنه لو كان أحدهم يملك ترحيلنا للقطب الشمالي لإفساح المجال أمام ” أشقائنا ” الصهاينة لتوسيع مدنهم و مستعمراتهم في الضفة و غزة ” بدل الخنقة اللي هما فيها ” لما قصر في ذلك .

فلو هُيئت الأسباب لأمين سر منظمة ” التحرير ” الفلسطينية السيد ياسر عبد ربه لمنحنا جميعاً الجنسية الموزمبيقية بدل الفلسطينية لما توانى لحظة في ذلك و هو بذلك إنما يعبر عن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى في إدارة الصراع لا أعلم كيف و متى و لماذا لكنها حتماً رؤية تتعدى حدود عقولنا العاجزة لذلك لا داعي أن نتفكر بها فلن ندركها .

قد يظن البعض أنني أسخر هنا لكن الأمر ليس كذلك فمن تنازل عن حقنا في العودة لديارنا التي هُجرنا منها قصراً لن يتوانى لحظة في التنازل عن الجزء الباقي من فلسطين حين يتسنى له ذلك هل تعتقدون أن من تنازل عن 88% من فلسطين التاريخية سيعز عليه أن يضحي بالـ12 % المتبقية ؟!

تيار تعدى حدود النطق بلسان الصهاينة حين كان يصف عملياتنا ( بالحقيرة ) ليصبح مجرد ذراع للصهاينة في ملاحقة المقاومين وفق ” القانـــــــــون ” فملاحقة المقاومة عملية قانونية شرعية اتخذت شرعيتها من مرسوم السيد الرئيس الذي حرمها جملة و تفصيلا السيد الرئيس يظن المقاومة مثل الإجازة الأسبوعية أو مثل تعيين مدير عام هنا أو هناك و أنه بمقدوره بواسطة ورقة و قلم و ختم أن يُنهي المقاومة و للأبد !

تيار رتل كل تراتيل الخيانة و الفجور بين ذراعي أولمرت هل تظنون أنني كنت ساخراً حين قلت أنهم لو كانوا يملكون ترحيلنا للقطب الشمالي لفعلوا ذلك ؟!

هذا التيار الغاندي التوجه إعلامياً الصهيوني التوجه واقعياً ليس سوى ذراع صهيوني ينفذ إرادة الصهاينة و يعمل لديهم مقابل أجر معلوم وفق أعراف السادة و العبيد فلا يحتاج سيدهم أولمرت سوى التمني فيأتي أحد أفراخ هذا التيار ضارباً “الودع ” ليعرف أماني السيد أولمرت و من ثم ينفذونها على أكمل وجه دون أن يرهق السيد أولمرت نفسه بإجراء مكالمة هاتفية أو الذهاب إلى شرم الشيخ ! هذا هو التيار المتأسرل (1) فهناك المتأسرلون (2) و سنأتي لاحقاً على ذكرهم .!

ثانياً_ تيار هاني الحسن : السبب هنا في ربط هذا التيار بهاني الحسن أنه أول من خرج على الإعلام يهاجم تيار دايتون و يطالب بمحاكم عسكرية و ثورية إلى آخر تصريحات السيد الحسن على الفضائيات و ما تبعه من تصريحات السيد ياسر المصري سكرتير السيد الحسن الخاص من أن الأخير سيكون في رام الله خلال أيام و سيعقد مؤتمراً صحفياً للتأكيد علي مواقفه مما جري في قطاع غزة وسيطرة حماس عليه و كي يتصدي للتيار المتأسرل والمتأمرك داخل صفوف حركة فتح .

طبعاً هنا تتقاطع تصريحات السيد الحسن من تصريحات السيد فاروق القدومي الذي أصدر هو الآخر تعليماته الصارمة للعناصر في الميدان ألا تسلم سلاحها و ألا تلقيه طالما هناك احتلال يجثم على أرضنا .. و أخيراً موقف السيد أبو ماهر غنيم الذي أكد دعمه لأي خطة تنقذ حركة فتح و أكد على ضرورة الإسراع في عقد جلسة المؤتمر الحركي السادس !

10 / 4 / 2007 العاصمة الأردنية عمان و تحديداً في جمعية الشؤون الدولية التي يرأسها عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني الأسبق، و بحضور الدكتور سعيد التل نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، شقيق وصفي التل رئيس الوزراء الأسبق الذي اغتاله عناصر من حركة “فتح” في القاهرة أوائل السبعينيات ، ندوة عن الصراع العربي الإسرائيلي و طبيعية الخروج من الأزمة .

ألقى السيد الحسن محاضرة طويلة فيها جملة من التناقضات و حتى لا نغرق في التفاصيل سأذكر ما انتهى إليه الحديث حين قال : أنا من دعاة الخيار الأردني “ولا أخجل من هذا” !!!

و بين امتعاض الحاضرين و انتقاد بعضهم له حين أكد أنه لا بد من أن ” نولد متحدين ” جاء رده المُفحم عليهم أنني درست التكتيك و الإستراتيجية في مدرسة الكادر الفتحاوي !! و كأنه يريد القول أنني أعلم ما يخفى و انطلاقاً من علمي بما يجري في الخفاء أرى أنه لا سبيل لمواجهة الخطر القادم سوى بالاندماج مع المملكة الأردنية تجنباً لهذا الخطر . و السبيل لذلك يبدأ من تأسيس هيئة شعبية أردنية فلسطينية لبحث هذا الاندماج الذي يجب أن يسبق إعلان الاستقلال حيث أكد كما ذكرت سابقاً أنه يجب أن ” نولد متحدين ” . !!!

حقيقةً لا أدري كيف لهذا الكادر الفتحاوي الكبير الذي درس التكتيك و الإستراتيجية في مدرسة الكادر الفتحاوي التي لا نعرف عنواناً ولا مكاناً لها كيف له أن يستخف بعقول الآخرين بهذا الشكل كيف يظن أن هذا الحرص العروبي يمكن له أن ينطلي على أحد هل يظن أنه بإمكانه تحويل تحالفات الأردن مع محمود عباس بهذه البساطة من خلال ترسيخ تحالفه مع النظام الأردني بتقديمه للضفة الغربية المطمع القديم الجديد للأردن على طبق من فضة !!

الأهم من ذلك كله هل لا يعلم أستاذ الإستراتيجية و التكتيك أن الخيار الأردني ليس سوى أحد مشاريع الأسرلة التي يهاجمها و يواجهها عبر الفضائيات ؟!
أم أن شهوة الانتقام من عباس الذي سلبه مواقعه القيادية داخل أطر الحركة أعمت بصيرته الإستراتيجية ؟!

في هذه الندوة القيمة لم يتوان السيد هاني الحسن عن الإعلان جهاراً نهاراً أنه كان من السباقين للتفاوض مع الصهاينة منذ ثمانينيات القرن المنصرم بل و أضاف أنه مع سقف أوسلو و أنه ليس ممن يرفضون الحل السلمي بشرط تضمينه آليات تنفيذ !! طبعاً هذه المواقف كان الهدف منها تطمين الجانب الأردني من أن حليفكم الجديد لن يكون سبباً في إحراجكم مع من ترتبطون معهم باتفاقية السلام ! فهو من الخط المعتدل الذي يعترف بوجود ( إسرائيل ) و يقبل بالـ12% التي تريد أن تمُن علينا دولة الكيان بها و أن جل ما يسعى إليه هو اندماج مع الأردن ..

هذا الاندماج الذي يتوافق مع فكرة الوطن البديل التي بدأت تظهر عقب نكسة حزيران 1967 و كانت أهم مشاريع الأسرلة هكذا و بكل بساطة أصبح مشروع الوطن البديل يرادف مفهوم البعد العروبي في مدارك الإستراتيجي المخضرم هاني الحسن . !!

بعد شهرين من هذه الندوة القيمة جاء الحسم العسكري في غزة لتظهر متغيرات جديدة في الصراع و ليجد السيد الحسن لاعبين جدد يدخلون بقوة على المعادلة جاء الحسم العسكري في غزة بعد أن فقد السيد الحسن الأمل في النظام الأردني فتحالفات النظام الأردني مع عباس لا يمكن أن يضحي بها لأجل عيون السيد الحسن الإستراتيجي المخضرم.

طبعاً السيد الحسن يدرك بيقين مطلق أن قيادة حماس السياسية ليست من السهولة التي تمكنه من استغلالها للانقضاض على عباس على العكس تماماً فهو يدرك أن أي تقارب مع حماس سيكون على قاعدة توظيفه وفق برنامجها بعيداً عن حرف المسار و أن حماس تعي جيداً من هو هاني الحسن و تعي جيداً مواقفه في نابلس حين كان وزيراً للداخلية وكان يقدم الأموال لقادة كتائب شهداء الأقصى لوقف هجماتهم على الصهاينة تعزيزاً لقدراته الأمنية أمام الصهاينة !!

كل هذا دفع الإستراتيجي المخضرم لسبيل وحيد لا بديل له ” على قاعدة مجبر أخاك لا بطل ” يقوم على استغلال أخطاء تيار الأسرلة (1) و هزيمتهم النكراء في غزة و من ثم شحن العواطف ضد هذا التيار الذي أسقط الحركة تمهيداً لأخذ الثأر من عباس الذي جرده من كل شيء و كتب شهادة وفاته الحركية هكذا و بكل استخفاف يظن السيد الحسن أنه من الممكن أن يلعب على التناقضات للنيل من عباس و تياره ولا يدري هذا الإستراتيجي المخضرم أن وجود عباس و تياره في المعادلة يعبر عن الإرادة الأمريكية و الصهيونية التي لم يُحسن تسويق نفسه لها .

ترى هل لازال أمل في حركة فقدت البوصلة ؟! هل لازال لزاماً علينا أن ننتظر ظهور المارد الفتحاوي من جديد ؟ هل سيخرج هذا المارد من رحم تيار الأسرلة (1) أم من تيار الأسرلة (2) !!!

هل لازال في فتح ما يدعو للبكاء عليه بعد أن بُحت الحناجر مطالبة بالتحقيق في ” الهزيمة ” التي لحقت بهم من حماس و بالمقابل لم يخرج صوت واحد يدعو للتحقيق في اغتيال الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات !!!

هل من سبيل لنهوض فتح بعد أن عبر صغارها قبل كبارها عن اختلال مفاهيمهم و مداركهم تجاه الصراع ؟!

أعتقد و بكل ألم أن حركة تغص في غياهب التيه و فقدان البوصلة يتنازعها تياران لا يميزهما سوى صراحة الأول و ” ألعبانية ” الثاني لا يجوز عليها سوى طلب الرحمة !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات