الأحد 11/مايو/2025

جوناثان بولارد

جوناثان بولارد

قضية بولارد، هي قضية تجسس في الولايات المتحدة الأمريكية، كان المتهم الأول فيها مواطن أمريكي يهودي هو “جوناثان بولارد” أُدين بالتجسس لصالح الكيان الصهيوني، هو وزوجته آن بولارد، وأثيرت مؤخرا في إطار العروض الصهيونية بالإفراج عن الأسير مروان البرغوثي مقابل إفراج واشنطن عن الجاسوس بولارد.

وُلد بولارد في ولاية تكساس عام 1954 ودرس في جامعة ستانفورد، ثم التحق بخدمة الاستخبارات البحرية الأمريكية في ولاية مريلاند عام 1979، وعمل كمحلل استخباراتي مدني، وتدرج في عمله حتى أصبح له حق الاطلاع على العديد من المعلومات الحساسة، وفي مايو من عام 1984، جندته المخابرات الصهيونية للتجسس لصالحها، وأثناء محاكمته، أعلن بولارد أنه باعتباره صهيونياً متحمساً، استاء من رفض الحكومة الأمريكية تقديم القدر الكافي من المعلـومات الاستـخباراتية لدولة الاحتلال والمهمة لأمنها.

ويرجع الفضل في تجنيد بولارد إلى ضابط الاستخبارات الصهيونية “أفيعام سيلع”، الضابط في القوات الجوية، حيث قدم بولارد لدولة الكيان كماً هائلاً من المعلومات الخاصة بها وبالشرق الأوسط ودول أخرى، واستقبلت هذه المعلومات في تل أبيب وحدة اسـتخبارات مستقلة في وزارة الدفاع هي وحدة الربط العلمي، تعمل منذ الستينيات تحت رئاسة عميل المخابرات السابق رفائيل إيتان، وفي خلال الـ18 شهراً التي عمل خلالها جاسوساً، سافر بولارد لدولة الاحتلال ودول أوربا، كما حصل على وعد بحق اللجوء السياسي في حالة افتضاح أمره، وعندما اكتشف مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكي أمره وبدأ في مراقبته، لجأ بولارد وزوجته للسفارة الصهيونية في واشنطن وطلبا اللجوء السياسي، إلا أن السفارة رفضت طلبهما وألقتهما خارج مبنى السفارة، وتم القبض عليه في نوفمبر عام 1985.

وقد أثارت هذه القضية ردود فعلٍ عنيفة داخل الحكومة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، وأثارت قلقاً بالغاً بين أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة لما قد تثيره من اتهامات بازدواج الولاء، وفي الكيان الصهيوني، زاد التخوف من تأثير القضية على علاقتها بالولايات المتحدة، حليفها الأساسي، وعلى الثقة المتبادلة بينهما، حيث رضخت دولة الكيان، تحت ضغط من الولايات المتحدة والجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، للتعاون في التحقيقات، والسماح باستجواب الصهاينة المتورطين، وإعادة جميع الوثائق التي أخذها بولارد، وحل وحدة الربط العلمي، والموافقة على معاقبة المسئولين عن هذه العملية، وقد ساهمت الوثائق التي أعادتها تل أبيب في إدانة بولارد الذي حُكم عليه عام 1987 بالسجن مدى الحياة.

وقد استثير الرأي العام الأمريكي مرة أخرى بعد أن عينت الحكومة الصهيونية كلاًّ من إيتان وسيلع في مراكز مدنية وعسكرية مهمة، مما يعني نوعاً من المكافأة لهما، وأدَّى الاحتجاج الأمريكي إلى استقالة سيلع من منصبه العسكري الجديد كقائد لقاعدة جوية كبيرة، كما قامت وزارة الخارجية الأمريكية بسحب التصريحات الأمنية الممنوحة للموظفين اليهود ممن لهم أقارب في تل أبيب، ورضخت المؤسسة الأمريكية اليهودية للأمر ولم تصدر الصرخات المعهودة عن معاداة اليهود واضطهادهم.

وبعد صدور الحكم على بولارد، أسرعت الحكومة الصهيونية بتشكيل لجنة للتحقيق في القضية (لجنة تسور-روتنسترايخ) وتحديد المسئولية، كما شكل الكنيست لجنة برئاسة أبا إيبان للغرض نفسه، وتوصلت اللجنتان إلى أن المسئولية تقع على عاتق أعضاء مجلس الوزراء والقيادات السياسية العليا بسبب ضعف الرقابة، وضعف السيطرة على وحدة الربط العلمي، والأنشطة الاستخباراتية المماثلة، كما اتهمت كلاًّ من إيتان وسيلع بتعدي سلطاتهما والتصرف بدون حكمة.

وجاءت هذه التحقيقات لإثبات مدى جدية دولة الاحتلال في تحديد ومعاقبة المسئولين، كما جاءت النتائج كمحاولة لإبعاد أية مسئولية مباشرة عن القيادات السـياسـية العليا، وبالتالي التخفيف من حدة الانتقادات الأمريكيـة.

وتثير هذه القضية مسألة ازدواج الولاء لدى أعضاء الجماعة اليهودية، وحقيقة ما يُسمَّى “النفوذ الصهيوني” في الولايات المتحدة، فدولة الكيان الصهيوني تعتبر أن الجماعات اليهودية في العالم تدين لها وحـدها بالولاء، وتؤمن بمركزيتها في حياة يهود العالم، وينطبق هذا الاعتقاد بالأخص على اليهود الأمريكيين الذين يشكلون المصدر الأساسي للتبرعات والدعم المالي والسياسي لها.

ورغم الحماس الشديد لدى كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة بشأن تأييدهم للكيان الصهيوني، ورغم وجود جماعة ضغط أو ما يُسمَّى “لوبي صهيوني” يتسم بنشاطه المكثف ونبرته العالية والحماسية في تأييد تل أبيب والتأثير على السياسة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط، إلا أن هذا التأييد وهذا الدعم نابعان في المقام الأول من انتماء أعضاء الجماعة اليهودية إلى وطنهم الأمريكي، وارتباط مصالحهم بنظامه الرأسمالي ومصالحه الإمبريالية.

ولذلك فإن تأييدهم لدولة الاحتلال مستمر ما دام متفقا مع السياسات الأمريكية، ولا يخلق أية شبهات بعدم الولاء لوطنهم، كما ترحب الولايات المتحدة بهذا التأييد الحماسي، فهو يعني تدفُّق المعونات والتبرعات عليها، قاعدتها الأساسية في الشرق العربي، ولكن عندما تمس إسرائيل مصالح الولايات المتحدة، مثلما حدث في قضية بولارد، يجيء الرد الأمريكي سريعاً وحاسماً ولا مكان فيه لضغوط اللوبي الصهيوني أو غيره.

وأسرعت الجماعة اليهودية بالضغط على تل أبيب للرضوخ لمطـالب واشنطن اتفاقاً مع السـياسة والمصـالح الأمـريكية مـن ناحية، ومن ناحية أخرى حمايةً لمصالحهم وسمعتهم فيها، تلك السمعة التي قد تتعرض للاتهام بعدم الولاء للوطن، ولهذا، أصدرت أهم المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، المجلس القومي الاستشاري لعلاقات الجماعة اليهودية بياناً قالت فيه: إن الحكم الصادر على بولارد ليس ثمرة عداء اليهود أو التمييز ضدهم، بل إنَّ بولارد ارتكب جريمة تجسس خطيرة، واستخدام كلمة “تجسس” هنا يستهدف التأكيد عـلى انفصـال الوطن الأمريكي، وطن يهود أمريكا، عن الدولة الصهيونية، وأن على الجميع أن يدرك ذلك، وقام المواطن الأمريكي الحاخام جيكوب نيوزنر، أحد أهم علماء التلمود في العالم، بتلخيص الموقف بقوله: إن أمريكا أفضل من القدس بالنسبة لليهود، وإذا كانت هناك أرض الميعاد، فإن الأمريكيين اليهود يعيشون بالفعل فيها ويشعرون بالسلام والأمن على نحو لا يمكن أن يتاح لهم في دولة الاحتلال.

وقد كتب بولارد نفسه خطاباً يستنكر فيه ما فعله، ويبين أنه كان مخطئاً، وأنه مواطن أمريكي يهودي يدين بالولاء لبلده وليس مجرد يهودي يدين بالولاء للكيان الصهيوني، وكتب خطابه هذا على أمل أن تفـرج عنه السـلطات الأمريكية لكنـها لم تفعل حتى الآن، حيث تأسست منظمة أمريكية يهودية لطلب العفو عنه، لكن المنظمات اليهودية الكبرى رفضت تبنِّيها، كما رفض الرئيس بوش ومن بعده كلينتون وبوش الابن إصدار عفو عنه قبل انتهاء مدد رئاستهم، تماماً كما فعلوا مع بعض الجرائم الأخرى، وقد طلبت زوجته الطلاق منه وهو في سجنه وحصلت عليه، ثم أصيبت بما يشبه الانهيار العصبي وأُرسلت إلى مصحة نفسية، ثم قررت الاستيطان فـي الكيان الصهيوني والحصول على الجنسية الإسرائيلية بمقتضى قانون العـودة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات