الأحد 11/مايو/2025

الشرعية المهدورة بيـن غزة والضفة

سليمان تقي الدين

يرتبط اسم منتجع «شرم الشيخ» في الذاكرة بالمؤتمر الإقليمي الأول لمكافحة «الإرهاب» في العام 1996، بعد ذلك صار المكان الأبرز للقاءات العربية الإسرائيلية التي تتناول الشأن الفلسطيني. لقد دارت فيه المفاوضات الرئيسية التي سبقت انسحاب (إسرائيل) من غزة، لكن (إسرائيل) -كما هو معروف- لم تعط الفلسطينيين «شرف» الاتفاق الموثق لهذا الانسحاب. هي من قرر من جانب واحد التخلي عن إدارة شؤون القطاع الذي صار في يدها مثل كرة النار الملتهبة. غزة في تراث الاحتلال لفلسطين تعني مجموعة أشياء سلبية: الكثافة الأعلى من السكان على مساحة الأرض الأصغر والأفقر بالموارد، والبيئة النضالية الأكثر تشدداً.

واهمٌ –إذاً- من يتوقع ان تسعى (إسرائيل) لاستعادة غزة، او حتى استخدام قواتها لاستعادة سيطرة السلطة الفلسطينية التي تدعمها. ما تستطيعه (إسرائيل) هو استئناف خطة الحصار بكل أشكاله وممارسة لعبة الصيد لكوادر «حماس» وقذف حمم النار لمنع تطبيع الحياة في القطاع.

انعقدت القمة الرباعية في شرم الشيخ (مصر، الاردن، فلسطين، اسرائيل)، لمهمة واحدة هي: إنقاذ سلطة الرئيس محمود عباس وحكومة الطوارئ التي شكلها في الضفة برئاسة سلام فياض. جدول الأعمال معروف سلفا: حزمة من المعونات و«الصدقات» التي يقدمها أولمرت بالافراج عن جزء من رصيد أموال الشعب الفلسطيني، المزيد من السلاح الأمني والتدريبات وتعزيز التنسيق بين أطراف الرباعية، والاتفاق على محاصرة «حماس» عربياً ودولياً ورفع مشروعها الى مرتبة «الإرهاب».

في كل ردود الفعل على ما جرت تسميته «انقلاب حماس»، لا احد يذكر أكثر من عشرة آلاف معتقل بمن فيهم أعضاء البرلمان الفلسطيني. لا احد يتداول بالحوار او بأي وسيلة ديموقراطية اخرى بما في ذلك الاستفتاء العزيز على قلب «أبو مازن» ولا بالانتخابات. يجمع أطراف الرباعية على حصار غزة وليس استعادتها إلى الكيان الفلسطيني. يجري وصف غزة «بالإمارة الإسلامية المدعومة من ايران»، يسيطر عليها المشروع «الظلامي» ويحكمها «القتلة الانقلابيون».

لا احد مستعد لأن يبحث في ظاهرة القوة الشعبية «لحماس» في الانتخابات سابقا وفي سهولة تدبير الانقلاب والانهيار السريع لرموز ومؤسسات السلطة التابعة لأبو مازن.

هناك كلام خجول عن تحريك مفاوضات السلام من الجانب العربي. لكن المأزق الفلسطيني بجميع وجوهه ناتج أصلاً عن انهيار عملية السلام. لقد استهلكت السلطة الفلسطينية نفسها في لعبة السلطة لأن الأفق السياسي للتسوية مسدود، ولأن قوى السلطة قبلت التفاوض من أجل التفاوض، واستبعدت المراجعة النقدية لتجربتها، وأسقطت من الحساب تجديد الانتفاضة. لقد كان ياسر عرفات يفاوض ويترك الهوامش الواسعة لحركة «حماس» وغيرها من الفصائل، بل هو من كان يرعى «كتائب الأقصى» التي مثلت الذراع العسكري «لفتح». هذه الوطنية الفلسطينية التي تجسدت في حماية الأمين العام للجبهة الشعبية وعدم تسليمه لـ(إسرائيل) جرى إسقاطها بعد وفاة «أبو عمار». لقد تساهلت السلطة في أبسط أمور السيادة. لقد أصبحت السلطة جزءاً من النظام الرسمي العربي، هذا ما سيؤكده مؤتمر شرم الشيخ. إذا صح ذلك فإن (إسرائيل) لن تعطي السلطة ما يسمح بتجديد شرعيتها الوطنية.

ما ستكشفه الأيام القادمة هو أن «حماس» ستأخذ بعض الشرعية من الشعب الفلسطيني مع كل الصعوبات الناتجة عن التخلي العربي الذي سيزداد جرأة على ارتكاب «التنازلات». أما المهمة الوطنية فلا تزال وحدة الشعب الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات