حماس الطرف الأقوى في القمة رغم الغياب

عقدت بالأمس قمة شرم الشيخ الرباعية التي ضمت كلاً من الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله ورئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني ايهود اولمرت وكان من الواضح أن هناك قواسم مشتركة في الخطابات الأربع التي دعت  الى استئناف اللقاءات والتنسيقات الأمنية للتصدي للخطر الكامن في غزة بعد نجاح حماس في السيطرة على القطاع وضبط الوضع الأمني فيه وإيقاف كافة أشكال التعاون مع الصهاينة بعد تساقط مقرات الوقائي والمخابرات في يد كتائب الشهيد عز الدين القسام والتنفيذية و محاصرة العملاء وكشف الفضائح حول ممارساتهم المشينة تجاه أبناء شعبهم.

القمة الرباعية على الرغم من الصخب الإعلامي الذي رافقها إلا أن الخطابات الافتتاحية لها بدت هزيلة ولا تنم عن تشكل أي رؤية سياسية لدى أي فريق للتعامل مع المرحلة الحالية وهذا بالطبع لغياب حماس التي يعتبر أي قرار صادر عن القمة مرتهن بموافقتها عليه للوصول الى تسوية سياسية. وقد بدا ضعف الرؤية السياسية للرئيس عباس جليا عندما طالب ايهود اولمرت ببدء وضع خطط أمنية قابلة للتطبيق وفق جدول زمني، الأمر الذي قابله أولمرت بتنكر كامل للمبادرة العربية ولخطة الطريق والرباعية الدولية التي لم يتطرق لها في خطابه ومازال يتشدق بها  المتساقطون من تيار أوسلو وهذا وضع الرئيس عباس في مأزق سياسي حيث بدا جليا تدني مستوى المطالب الفلسطينية لدى رئيس السلطة محمود عباس.

أما المأزق السياسي الأكبر الذي وضع فيه عباس هو عرض رئيس الوزراء ايهود اولمرت بالإفراج عن 250 أسيراً فتحاوياً من السجون الإسرائيلية وهذا يفتح الباب على مصراعيه لإدراك مغزى هذا الأمر، ففي حال قبول أبو مازن بالإفراج عن الأسرى الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء كما وصفهم أولمرت سيسقط عباس في فخ سياسي يضعه مجددا في شرك تكريس صورة أنه رئيس لفصيل فتح وليس كرئيس للشعب الفلسطيني خاصة بعد خطابه الأخير الذي انتقده العالم بأكلمه عليه حين أعلن تأييده المطلق للتيار الانقلابي ضد شرعية حماس من أجل مكاسب سياسية هزيلة لا ترضي إلا فئة قليلة من العملاء وتدمر المشروع الوطني الفلسطيني الأكبر.أضف إلى ذلك أن كونهم فتحاويي الانتماء سيجعل هناك تساؤلا حول أسماء المفرج عنهم في حال قبول عباس للعرض وهل من الممكن أن يكون الكيان الصهيوني قد أعد مجموعة جديدة من العملاء الجدد الذين يرتدون عباءة الوطنية للعب دور سياسي في المرحلة القادمة كما فعل مع دحلان ؟ وهل زيارة أحد رجال المخابرات الفلسطينية لمروان البرغوثي في سجنه في الفترة التي احتدم فيها القتال على أرض القطاع كان بهدف الوصول إلى تسوية سياسية مسبقة معه لمثل هذا العرض الذي طرحه اولمرت في لقاء القمة الرباعية؟! مع العلم أن تلك الزيارة كانت لمروان بالتزامن مع مطالبة بعض الأصوات الصهيونية بالإفراج عن البرغوثي.

بلاهة الصمت التي اتبعها عباس في الرد على عرض اولمرت أكدت أن ابو مازن لا يمتلك اي رؤية سياسية تقوم على مصالحة وطنية والتي كان القصد منها تعميق الصدع في النظام السياسي الفلسطيني بعد الأحداث الأخيرة وليثبت بأن وجوده في هذه القمة جاء فقط لأجل تحقيق مكسب واحد هو إيقاف زحف حماس على مناطق الضفة بالتعاون مع الصهاينة ومحاولة إقناع العالم مجددا بأنهم شركاء السلام الوحيدون في المنطقة وأصحاب الشرعية في التوقيع على أي اتفاق مع الصهاينة مع التوضيح للصهاينة بأنهم مازالوا يمتلكون من القوة ما يلجمون به حركة حماس وقد بدا هذا جليا في التخبط السلوكي عند الأجهزة الأمنية في التعامل مع أبناء حماس ومؤسساتها في الضفة إضافة إلى تعهد الرئيس ابومازن بالإفراج عن شاليط. في حين أن العالم كله يدرك أن الأمر الأخير على وجه التحديد لا يمتلك فيه أبومازن أي قرار إلا إن وصل الى تسوية سياسية مع حماس والفصائل المختطفة للجندي جلعاد وهذا الأمر معناه الرضوخ للحوار مع حماس مجددا في إذعان مخزٍ له ولأتباعه من الانقلابيين لصوت المقاومة ولقوة السلاح الشريف الذي لا يوجه إلا للعدو . عباس الذي كان قد أكد من قبل انه لن يتعامل مع قادة حماس الذين وصفهم بالقتلة الإرهابيين نراه اليوم يركع أمام المقاومة ليعلن عبد بدء الحوار برعاية مصرية مع حماس للوصول إلى تسوية تُبقي لهم صوتا على المسرح الدولي الذي بدا أنه سيسقطهم من أجندته السياسية قريبا.