الأحد 11/مايو/2025

الهجوم على القوات الأممية في لبنان يخدم سياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية

عمر نجيب

شهد لبنان يوم الأحد مزيدا من الاضطرابات الأمنية ففي الوقت الذي استمر فيه القتال في مخيم نهر البارد قرب مدينة طرابلس بين الجيش اللبناني ومسلحي ما يسمى “فتح الإسلام”، هوجمت القوات الدولية في جنوب لبنان وذلك بتفجير لاسلكي لسيارة مفخخة بتقنية عالية مركونة إلى جانب الطريق في ناقلة جند مصفحة تابعة للوحدة الإسبانية العاملة في القوات الدولية في الجنوب “يونيفيل” كانت في دورية روتينية في محلة الدردارة في سهل بلدة الخيام على مسافة 10 كيلومترات من حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وأدى التفجير إلى مقتل ستة جنود من الدورية ثلاثة اسبان وثلاثة كولومبيين يعملون ضمن الوحدات الإسبانية وجرح اثنين آخرين.

الهجوم على الدورية الإسبانية، هو الأول من نوعه منذ تعزيز انتشار “يونيفيل” في جنوب لبنان تنفيذا لقرار مجلس الأمن 1701 الصادر في أغسطس الماضي بعد حرب ال34 يوما بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، ويأتي بعد أسبوع من إطلاق مجموعة مجهولة الهوية صواريخ كاتيوشا من المنطقة الواقعة بين بلدتي الطيبة وعديسة الحدوديتين على مستعمرة “مسكفعام” الإسرائيلية في الجليل الأعلى.

وأدخل الهجوم على القوات الدولية وما رافقه من توسع المواجهات في شمال لبنان لتشمل حيا في مدينة طرابلس حيث قتل الجيش اللبناني خمسة افراد من مجموعة مسلحة مكونة من سعوديين وشيشانيين ولبنانيين، لبنان في وضع سياسي وأمني هو الأخطر منذ أسابيع في ظل استمرار التأزم الداخلي بعد فشل مهمة الوفد العربي برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في التوصل إلى مخرج لإنهاء المشكلة في لبنان.

كما تزامن الهجوم مع وصول مدير الحرس الوطني والشرطة الإسباني خوان فرناندو سكيدا إلى بيروت يوم الأحد، في زيارة تفقدية للوحدة الإسبانية المكونة من 1100 جندي والتي تتخذ من بلدة بلاط، مقرا لقيادتها، وللمشاركة في تدشين عدد من المشاريع الإنشائية والحيوية التي نفذتها هذه الوحدة في عدد من البلدات التي توجد ضمن منطقة توزيع القوات الأممية البالغ عددها 13 ألف جندي.

وقد اعتبر العديد من المراقبين أن الهجوم على القوات الدولية يأتي في سياق تخريب الوضع الأمني في كل بقعة من لبنان، الأمر الذي يؤكد كذلك وجود مخططات لإغراق الجنوب في فتنة عمياء ستستخدم في العمل على زيادة القيود على المقاومة واهلها. ويحذر العديد من المراقبين من ان العملية التفجيرية ستستغل من طرف خصوم حزب الله لمطالبة ودفع القوات الأممية لشن حملة داخل بيوت قرى الجنوب لنزع  اسلحة المقاومة، وهو الأمر الذي تجنبته القوات الدولية حتى الآن واكتفت بمنع الظهور العلني للأسلحة في مناطق نفوذها. وقد أشار العديد من المراقبين أنه كان من المطلوب أمريكيا وإسرائيليا أن تقوم القوات الدولية بتجريد حزب الله في جنوب لبنان من سلاحه ومنع إعادة تموينه ومساعدة الجيش اللبناني على تجريد الجنوب كله من أسلحة المقاومة لبنانية وفلسطينية.

الملاحظ أنه قبل أن تمضي ساعات قليلة على التفجير وتتضح ملابساته سارعت القوى المعادية لحزب الله والمرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل إلى توجيه الاتهامات إلى سوريا وحلفائها في لبنان حيث اتهم حزب القوات اللبنانية دمشق بالوقوف وراء التفجير، في حين دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الأسرة الدولية إلى توجيه رسالة قوية إلى سورية “لتحذيرها من أن استمرار تدخلها في الشؤون اللبنانية والوضع في لبنان غير مقبول ولن يقبل”.

رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري حاول استغلال العملية سياسيا ضد خصومه فوصف الهجوم بأنه “عمل إرهابي خطير يستهدف أمن لبنان كله وليس القوات الدولية فحسب”. وقال: “إننا ندين بشدة هذا الاعتداء المجرم الذي يرمي إلى عرقلة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، ويأتي في سياق التهديدات التي يتعرض لها لبنان والمحاولات الهادفة إلى فتح أكثر من جبهة أمنية تسعى إلى عودة عقارب الساعة إلى الوراء”.

في رد على الهجوم وهذا الاستغلال للحدث لخدمة أهداف التحالف المناهض للقوى الوطنية في لبنان، نفت سوريا على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم أي صلة لها بالتفجير، ووصفته بأنه عمل إجرامي يستهدف أمن واستقرار لبنان. كما سارع حزب الله بإدانة التفجير، ووصفه بأنه عمل مشبوه يضر بأهل الجنوب ولبنان، بينما قالت حركة أمل إنه يستهدف مشروع المقاومة.

من جهته أدان الرئيس إميل لحود التفجير واعتبره “خطوة جديدة على طريق استهداف الأمن والاستقرار في لبنان”، وشدد على أن الرد هو التضامن مع القوات الدولية والحرص على تمكينها من القيام بالمهمات الموكولة إليها.

الأمر الذي يجب تسجيله كذلك هو ان العملية ضد القوات الدولية جاءت في وقت تقترب فيه ساعة الصفر حسب وسائل الإعلام الصهيونية بالنسبة لشن هجوم إسرائيلي جديد خلال صيف 2007 على حزب الله من أجل استرداد قدرة الردع والانتقام لنكسة الجيش الصهيوني في صيف سنة 2006.

البعض يرى أن استهداف القوات الدولية الآن وتكرر ذلك في المستقبل ونجاح المهاجمين في إلحاق أضرار كبيرة سيضع الأطراف المشاركة في ال”يونيفيل” أمام أحد خيارين إما التوجه الى شن حملة ضد حزب الله أو الانسحاب تدريجيا من لبنان.

اسبانيا أعلنت فورا بعد الهجوم أنها ستبقى تتابع مهمتها وأكد ذلك وزير الدفاع الإسباني خوسيه أنطونيو ألونسو الذي حل بجنوب لبنان لاستلام ومرافقة جثث جنوده الى مدريد.

الأيام والأسابيع المقبلة ستمكن من استيضاح حقيقة المؤامرة التي تحاك ضد لبنان وقوى مقاومته والتي تدخل في نطاق ما يسميه الساسة الأمريكيون الفوضى الخلاقة التي ستمكنهم من اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. لقد خسرت “اليونيفيل” 260 من عناصرها منذ تشكيلها بموجب القرار 425 في 19 مارس 1978 بينهم 250 جنديا غالبيتهم سقطوا نتيجة عمليات عسكرية صهيونية، وما دامت هذه القوات لا تقوم بما يمس أمن وقدرة سكان لبنان في الدفاع عن أنفسهم ورغم عجزها عن صد الخروقات الإسرائيلية فإنها يجب ان تعرف أن خصمها الحقيقي هو القابع خلف الحدود الجنوبية للبنان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات