هل تنتظرون تسونامي ثالثا!!!

عند الحديث عما جرى في غزة، يجدر بالمتحدث أن لا يعزل هذا الذي حدث عن مساره عبر مسيرة ليست بالقصيرة، لذلك فهم ما كان في قطاع غزة يحتاج إلى أن نضع أمام من يريد الفهم كل القضايا والأمور لنفهم بشكل حقيقي وواقعي على الأرض.
لم تكن العلاقة بين حركتي فتح وحماس علاقة سليمة حتى في ظل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ظهر ذلك جليا خلال مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو، بل الأمر كان له جذور أبعد من ذلك، ويمكن ردها مع أول ظهور علني وتمدد للحركة الإسلامية في قطاع غزة في الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك عندما شعرت قوى منظمة التحرير الفلسطينية أن هناك قوة بدأت تشق طريقها علنا إلى الشارع الفلسطيني الذي كفر بكل الافكار اليسارية والعلمانية والقومية، والتي صفت في نهاية الأمر الى يافطات عريضة ذات عنوان كبيرة ومضامين فارغة، حتى بات العشرات من هذه القوى لا يمثل 2% من الشعب الفلسطيني، وبعضها اندثر وبقي على رأسه شخص أو اثنان ينتظران الموت المتربص بنا جميعا.
هذه البدايات، والتي على أساسها قامت العلاقة الفلسطينية الفلسطينية، يعتريها الشك وعدم الثقة، لأن البعض اعتقد ان الحركة الإسلامية جاءت من أجل وضعه جانبا بعد ما آلت إليه القضية الفلسطينية، والتي أصبحوا (البعض) حملا ثقيلا عليها، وأخذوا ثقافة الخوف وعدم الثقة ومحاولة الاقصاء، انتهت مرحلتها الاولى بحملة الاعتقالات عام 95، و96 والتصدي للمقاومة، مما زاد الهوة بين فتح القوة الحاكمة وبين حماس القوة الصاعده، وصولا إلى عام 2006 وبينهما بدأ الترهل والفساد والتناقض يسري في حركة فتح، في المقابل كانت الحركة الاسلامية ترسخ عبر الافعال والاقوال على الارض واقعا جديدا، ونتائج عام 2006 هزت كينونة حركة فتح، وخلقت واقعا جديدا على الساحة السياسية الفلسطينية وأوجدت معادلة جديدة في الواقع الإقليمي والدولي، حتى شبه البعض ما حدث من نتائج في الانتخابات بأنه “تسونامي جديد”.
هذه النتائج ولدت حالة رفض كاملة للتسليم بنتائجها وما يترتب عليها، وانقسم القوم الى قسمين، الأول يرى بالانتخابات تهديداً مباشراً لكل ما كان يخطط له، وهو القفز إلى سدة الحكم بأي ثمن كان ولو على حساب وحدة حركة فتح، حتى ان هذا التيار اتهم الرئيس محمود عباس بالوقوف خلف هذه النتائج بشكل مباشر أو غير مباشر، وبدأ الإعداد لمرحلة جديدة أهم معالمها كانت إضعاف الرئيس عباس داخل حركة فتح، وتهميش دوره وحرف هذه الحركة باتجاه ما يحقق أهدافه، وكان هذا واضحا من خلال حجم السيطرة التي بدت في الفترة الأخيرة، وتمكن تيار محمد دحلان الذي يملك المال والقوة في السيطرة على الجزء الفاعل في حركة فتح او تشكيل خلايا فاعلة، أبو مازن يريد أن يتخلص من دحلان لأنه يشعر انه يعمل على سحب البساط من تحت قدميه، إلا أن وقوف جهات دولية الى جانبه ٍودعم امريكا الواضح وكذلك (إسرائيل)، ما يدلل على ذلك حجم الأسلحة والتدريب الذي قدم لآلاف من القوة الخاصة التي كانت تشكل، ومن يتابع وسائل الإعلام الأمريكية والاوروبية وكبار المحللين والتصريحات التي تصدر من أمريكا و(إسرائيل) تؤكد ما أبدته حماس من تخوف حول ان الذي كان يجري بعد اتفاق مكة هو مرحلة إعداد لعملية انقضاض على حركة حماس، ولعل من يتابع كلام الأستاذ انيس النقاش -رئيس شبكة آمال للدراسات الاستراتيجية في بيروت- وهو رجل لا علاقة له بفتح او حماس، كان قد نشر له مقال الأسبوع الماضي في صحيفة فلسطين بتاريخ 18-6-2005 ، حيث قال ” ان ما جرى من تطورات أمنية متسارعة في قطاع غزة وما تلاها من إجراءات سياسية وأمنية لازالت مستمرة، كان رد فعل طبيعي من حركة حماس على مشروع متكامل للانقضاض عليها بعد شهر من الآن، ولذلك فقد استبقت الأحداث وأخذت هذه الخطوات”.
فازت حماس وشكلت حكومة وحوصرت وحوربت داخليا وخارجيا، وصلنا إلى اتفاق مكة، وشكلنا حكومة الوحدة الوطنية، وعندها توقف اتفاق مكة -ذي النقاط الأربعة- التي لم يتحقق منها إلا حكومة الوحدة الوطنية، وبقيت كل القضايا عالقة بين الجانبين، وما زاد الطين بله هو أن أطرافا في حركة فتح لا تريد لهذا الاتفاق أن يسير وفق الاتفاق، لأن تطبيق الاتفاق يعني أن حماس حققت ما تريد وأفسدت ما تخطط له الإدارة الأمريكية، وهو إزاحة حماس بل إخفاؤها عن المشهد الفلسطيني السياسي، وهذا كان المعطل الأساسي لاتفاق مكة وأخذ في تعطيله عبر الجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة، والتي يعرفها القاصي والداني، حتى كانت النقطة التي فجرت الأوضاع وهي مقتل إمام مسجد العباس بشكل يندى له الجبين وانفجرت الأوضاع.
ماذا تقول حماس في تعاملها مع الأوضاع؟ حيث أكدت أن موقف الحركة على الأرض هو الحفاظ على التهدئة الداخلية وتنفيذ اتفاق مكة، ونزلت إلى قاعدتها وأكدت على هذا المفهوم واستمرت رغم كل الأحداث حتى الانفجار قبل الأخير، والذي أكد حرص حماس على تجنيب الشارع الفلسطيني الذي حدث في الجولة الأخيرة عندما حرفت المواجهة نحو (إسرائيل) رغم المخاطر في ذلك، والموافقة على الذهاب إلى القاهرة لشرح الموقف، إلا ان الأحداث تسارعت ووقع ما وقع.
انتهى الموقف الى ما انتهى اليه سواء في قطاع غزة أو في الضفة ، أصاب عباس وأخطأت حماس ، أخطأ عباس وأصابت حماس، المسألة أكبر من ذلك، والنظر من هذه الزاوية نظرة ضيقة، اتركوا نتائج ما حدث فالمسألة لا تحل بهذه الطريقة، وأهم من يعتقد أن الفرصة مناسبة للقضاء على حركة حماس، حماس لم تعد حركة بل هي مساحة واسعة من الشعب، وواهم من يعتقد ان تشديد الحصار على قطاع غزة يمكن أن يخضع حماس، وهذا باترك سيل محلل سياسي يقول: ” إنه لخطأ سياسي واضح أن تواصل كل من واشنطن وتل أبيب، وكذلك بعض الدول الإقليمية، مقاطعتها وفرضها للحصار على قطاع غزة. ويتعين على الدول العربية، التدخل بقوة لمنع استمرار المقاطعة والحصار المفروضين، وعلى هذه الدول أيضاً بذل كل ما بوسعها لتبني سياسة الانخراط في التفاهم بين الفصائل الفلسطينية”.
هذا ما أريد أن أخلص إليه، وأبين أن (إسرائيل) وأمريكا لن تعطي الفلسطينيين أياً من حقوقهم، من الوهم أن نجري وراء سراب، قد يعطي شرم الشيخ “أبو مازن” شيئاً من المال المحجوز لدى (إسرائيل)، وقد تتعهد (إسرائيل) بتحريك بعض الحواجز من هنا أو هناك، شرط العمل على القضاء على حماس في الضفة الغربية التي يتعرض فيها أبناء حماس الآن لنفس الطريقة التي كانت في عام 1996 ، ولكن أنصح أن تنظروا إلى نتائج 96، والتي ظهرت للعيان عام 2006، وإذا استمر الوضع هناك على ما هو عليه لن تنتظر حماس عشر سنوات كما حدث في قطاع غزة، وهذا يؤشر أننا لا نقرأ التاريخ ولا نستخلص العبر.
واعتقد أن مصر في شرم الشيخ ستكون حذرة جدا من أي خطوة تجاه قطاع غزة، لأنها تدرك أن غزة هي العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري، وأن غياب حماس من الساحة السياسية -وهي التي لازالت تحصر الصراع في فلسطين- ينذر بالخطر الشديد، لما تمثله حماس من الفكر الإسلامي الوسطي، ولو تم ذلك بالقوة أو بالحصار والتجويع، فإن المنطقة ستدخل في تغيرات سياسية كبيرة جدا ستضر بالأمن القومي المصري، وستضر بالمنطقة وستدخل إلى الساحة السياسية الإقليمية معادلة جديدة يعمل الجميع على تحاشيها.
اذا ما هو الحل؟، هل الحل بالحصار وتنظيف فلسطين من حماس؟ هذا لن يكون، هل الحل يكون بعمل عسكري ضد حركة حماس في قطاع غزة من جانب (إسرائيل) او أي طرف آخر، هذا امر ايضا لن يحقق نتائج، بل على العكس سيضر بعباس وحركة فتح، ويفتح الصراع على مصراعيه ولن تكون فلسطين هي ساحة المواجهة فقط، هل الحل بإدخال قوات دولية لقطاع غزة، هذا سيحول هذه القوات الى هدف للمقاومة الفلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، أمام كل ذلك ما هو الحل؟ الحل كما نرى هو فلسطيني، الحل هو الحوار الصادق، الحل هو القبول -طالما ارتضينا بالاحتكام الى صندوق الاقتراع- بالنتائج التي أفرزتها هذه الصناديق والتي لم يتم حتى اليوم الإقرار والاعتراف بشكل عملي بها، فكانت النتيجة هذا الذي شاهدناه والذي كنا نتمنى ألا نصل إليه.
والسؤال، من سيقود هذا الحوار القادم؟ وهو قادم ان شاء الله، وسيكون الراعي لهذا الحوار هو مصر، لما لها من حضور لدى حماس وفتح، كما أنها صاحبة مصلحة في الحفاظ على أمنها القومي، ولدى مصر الطريق ممهدة والمسألة لا تحتاج كثيرا من الجهد، لأن القواعد التي سيستند عليها الحوار موجودة، هناك وثيقة الوفاق الوطني، وهناك اتفاق القاهرة 2005 ، واتفاق مكة 2007 ، ونتائج الانتخابات عام 2006. على هذه الأسس يمكن بناء حوار ويمكن ان نصل الى نتائج لو تم طي صفحة الماضي، والقبول بالواقع الذي افرزه عام 2006 بكل ما تعني الكلمة، وضرورة عمل مصالحة وطنية شاملة، وأن يتحول الرئيس محمود عباس الى رئيس لكل الشعب الفلسطيني، وليس أسير تنظيم فلسطيني، ولعل النقاط العشرة التي طرحها رئيس الوزراء إسماعيل هنية في خطابة أول من أمس، يمكن أن تكون قاعدة يبنى عليها لمرحلة جديدة.
أما التشنج والرفض والملاحقة والقرارات غير المرشدة والتي تأتي في حالة نفسية ووضع غير عادي لن تقدم حلا، ولا تعبر عن حرص على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، هناك تجاوزات نعم، هناك أخطاء نعم، وهذا ينسحب على الجميع حتى أولئك النفر من التنظيمات الفلسطينية التي وقفت متفرجة شامته بما يجري ومتمترسة أمام عبارة واضحة ” المحاصصة ” ولازالت صامته ولا تحرك ساكنا إلا من بعض التصريحات التي لا تخدم الوطن بقدر ما تخدم مصالح فئوية ضيقة.
أيها الناس… فلسطين أكبر منكم جميعا… فلسطين في خطر… هل أدركتم ذلك.. أم أنكم بحاجة الى تسونامي ثالث حتى تفيقوا مما انتم فيه؟ هذا التسونامي لن يكون من (إسرائيل) او أمريكا… بل سيأخذ المنطقة إلى ابعد مما يتصور البعض. وأختم وأقول اسمعوا ما خرج به الظواهري اليوم تدركون القادم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...