من غزة – لفهم ما جرى في غزة

بعد قراءة مقالة الأستاذ فهمي هويدي بعنوان محاولة لفهم ما جرى في غزة و التي يحاول فيها الإجابة على السؤال من خلال عرض بعض الوثائق و الشهادات ذات الصلة بالموضوع و التي من الواضح فيها أن الذي حصل في غزة نتيجة تدخلات خارجية للقضاء على مشروع المقاومة في فلسطين و خطة أمريكية إسرائيلية لتقويض الشرعية الفلسطينية التي نتجت عن الانتخابات التي شهد العالم كله بنزاهتها وأوصلت حركة حماس للسيطرة على المجلس التشريعي و من ثم الحكومة الفلسطينية من خلال أدوات استطاعت التحكم بها و تحريكها داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح .
وبعد قراءة العديد من المقالات و التحليلات التي تناولت هذا الحدث الكبير و تعاطت مع أسبابه و نتائجه ودور التدافعات السياسية و الإقليمية و الدولية فيما حدث و هل ما حدث هو انقلاب أم إجهاض انقلاب وبعد سماعي للكثير من التعليقات و التحليلات و الانتقادات حول ما جرى في غزة والتي تبين منها أن الذي يعيش خارج فلسطين بل وخارج غزة لم ير هذه الأحداث ليس إلا اقتتالا داخليا بين فتح و حماس و صراعاً على السلطة والمناصب.
أقول بعد كل ذلك شعرت وأنا أعيش في قلب غزة أن هناك صورة أخرى لم يرها و بعداً آخر لم يعرفه من كان يعيش خارج غزة وبالتالي فإن التحليلات والمقالات التي كثفت جهودها للحديث عما حصل في غزة وضعته جانبا و لم تلق له بالا وهو الأمر المهم لفهم ما جرى في غزة و السبب المباشر له و توقيته و الطريقة التي حصل بها.
إن هذا السبب هو الحالة الإنسانية الصعبة التي كان يعيشها المواطن الفلسطيني في غزة و هو الذي جعله مهيأ و مستعدا لذلك بل ربما لأسوأ من ذلك فلسان حال الناس في غزة كان ينادي بضرورة الإسراع في هذه الخطوة رغم المعرفة بالألم الذي ستسببه و الصعوبة على النفس و الحسرة أن ذلك سيحدث و لكن مضطر أخاك لا بطل ففقدان الأمن الشخصي و الأمان أفقد الإنسان غريزة الابتعاد عن مسببات الألم و الخيارات الصعبة و المؤلمة و أوصله إلى مرحلة التفكير فقط بالذات والخلاص من الهم الآني بل ونسيان هم الوطن و القضايا الكبرى ولسان حاله يقول لست مهتما بالوحدة الوطنية و لا بقضية فلسطين ولا باللاجئين ولا بأية قضية أخرى قبل أن أخرج من هذا الجحيم الذي أعيشه وعذابات الحياة اليومية التي أصبحت لا تطاق بسبب هذه الفوضى “الخلاقة” و الفلتان الأمني المنظم الذي تكاد تستحيل معه الحياة.
أقول هذا بالضبط كان شعور المواطن العادي في غزة قبل الأحداث و لعلي أردت أن أنقل هذه الصورة ليلتمس لنا عذرا من كان يعيش خارج غزة و ليشعر بنا أولئك الأخوة الذين يعيشون في مخيمات لبنان و الذين سمعتهم على الإذاعة يكيلون الشتائم و يصبون الاتهامات لأهل غزة أنهم يدمرون القضية و يقتتلون على المناصب و السلطة و والله ما الأمر كذلك .
أقول أن الحياة اليومية في قطاع غزة أصبحت لا تطاق فالحصار الاقتصادي الخانق و السجن الكبير المفروض على القطاع من قبل إسرائيل و رحلات العذاب عبر معبر رفح واجتياحات إسرائيل و قصفها المتواصل تعايش معه الناس و قبلوه جزءا من ضريبة العيش و الصمود على أرض فلسطين و لكن الأمر الذي لم يعد يحتمل هي مظاهر تلك الفوضى “الخلاقة” التي بشرت بها رايس و التي وصل الأمر بأهل غزة ألا يأمنوا على أنفسهم و أموالهم و ممتلكاتهم فالسلاح قد ملأ الشوارع ولا يكاد يمر ساعات إلا ويسمع إطلاق الرصاص و مشاهد القتل و النهب و السرقة أصبحت أمرا مألوفا لا يأمن الرجل أن يخرج من بيته لجامعته أو مدرسته أو متجره أن يطلق عليه الرصاص أو تسرق سيارته .
رجل الشرطة يرى كسر القانون و انتهاكه و لا يحرك ساكنا بل لا يستطيع أحيانا حماية نفسه في مركز الشرطة من ما أصبح يعرف بعصابات الإجرام التي و للأسف كانت يقف على رأسها و يحميها أحد رجالات الأمن.
المشاكل العائلية و الاشتباكات المسلحة و اختطاف الأفراد يكاد يكون يوميا الضحايا و القتلى و الجرحى في كل شارع تقريبا ،المؤسسات العامة كالجامعات و المدارس لم تسلم من التخريب و الحرق كذلك .خلاصة القول أن الحياة اليومية أصبحت لا تطاق و لا تحتمل.
فقد الناس كذلك الأمل بهدوء الوضع وعودة الأمان بعدما تم التوقيع على كثير من الاتفاقيات و التهدئات ثم سرعان ما يتم خرقها و عودة الفوضى و المشاكل و تنفس الناس الصعداء بعد توقيع اتفاق مكة و لكن الأمل قتل تماما في قلوب الناس بعد تجدد المشاكل و الأحداث وأصبحت قناعة تامة بضرورة إيجاد حل جذري لهذه المأساة . و في الأيام الأخيرة التي سبقت هذا الحدث زادت وتيرة الفوضى ورأى الناس مشاهد لم يعهدوها في قطاع غزة و ارتكبت جرائم غريبة على المجتمع الغزي و الالتزامات الوطنية فكان خطف الناس من بيوتهم و إعدامهم بطريقة وحشية و قتل أئمة المساجد و اختطاف و تعذيب و إطلاق الرصاص على الأقدام بسبب الانتماء أو الهوية أو حتى المظهر كصاحب اللحية أو من تلبس النقاب ، وأحرقت البيوت و الممتلكات وما يسمى حكومة الوحدة الوطنية عاجزة عن فعل أي شيء وعشرات المناشدات و الرسائل للرئيس عباس و للمسئولين بلا فائدة و الحقيقة المؤلمة في ذلك أن معظم هذه الجرائم كانت إما تبدأ أو تنتهي في أحد المقرات الأمنية و بالذات مقر حرس الرئاسة الفلسطيني أو ما يسمى بالمنتدى في مدينة غزة و مقر جهاز الأمن الوقائي .
هذه الصورة المرعبة للحياة اليومية في غزة و المعاناة الإنسانية الحقيقية هي السبب الرئيس والمباشر لما حصل في غزة وتوقيته. والآن وبعد مرور أكثر من أسبوع على الذي حصل، هناك ارتياح كبير في الشارع بسبب الشعور بالأمن والأمان والهدوء الذي يشهده القطاع والذي لم يشهد مثله لأكثر من عقد من الزمان. يكاد أهل القطاع لا يصدقون أنهم و لمدة أسبوع تقريبا لم يسمعوا إطلاق رصاص إلا نادرا و لم يسمع عن أي من الحوادث و الجرائم المرعبة التي اعتادوا عليها. الحياة تعود بسرعة إلى طبيعتها والهدوء غير مسبوق على الرغم من غياب الأعداد الكبيرة من عناصر الأجهزة الأمنية بل وعدد كبير من أعضاء جهاز الشرطة عن العمل، هذا الأمر الذي يؤكد ارتياح أهل غزة لما حدث ويؤكد قناعاتهم السابقة بأن السبب الرئيسي لغياب الأمن وانتشار الفلتان الأمني هو هذه الأجهزة الأمنية التي تخلص منها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...