السبت 10/مايو/2025

تكاد دموع العرب تغرق غزة وتحقق حلم رابين

أ.د. محمد اسحق الريفي

التخلص من غزة حلم شيطاني لطالما راود قادة الكيان الصهيوني الذين لا يكترثون بكيفية تحقيق حلمهم، سواء أكان ذلك بإغراق غزة في بحر من الماء أو الدماء أم بخنقها وقتل سكانها جوعاً، ولا يحتاج الصهاينة لتحقيق هذا الحلم سوى لرأي عام عربي متفهَّم لتخوفاتهم الأمنية (الباطلة) وآخر عالمي داعم لممارساتهم الإجرامية، ومما يؤسف له أن كتَّاب ومحللين سياسيين عرب يساهمون، في توفير هذا الرأي العام، بذريعة البكاء على ما أصاب القضية الفلسطينية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة.

ففي الأسابيع القليلة الماضية، ساهم كتَّاب ومحللون سياسيون عرب بآرائهم المغلوطة في تمزيق الرأي العام العربي – تجاه أحداث غزة الأخيرة – وإضعافه وتمييعه إلى حد كبير، وذلك من خلال إساءة التعاطي مع تلك الأحداث والتعامل وكأنها انقلاب بدعم من دول إقليمية على ما يوصف بالشرعية الفلسطينية، أو وصف تلك الأحداث بأنها صراع حزبي بين حركتي حماس وفتح على السلطة على حساب سلامة الموطنين ومصير القضية الفلسطينية، وهو ما يناقض الحقيقة جملة وتفصيلاً، بشهادة الغزيين الذين عايشوا جحيم تلك الأحداث وعلموا حقيقتها وأسبابها ودوافعها.

كما أن تلك الآراء المبنية على مفهوم خاطئ للشرعية الفلسطينية والحسابات الشخصية والفئوية الضيقة، والتي تقوم على أساس تفسير سقيم لا يرقى لمستوى التحليل السياسي الموضوعي لحقيقة تلك الأحداث وتداعياتها، ولا يقوم على المنطق والحجة والدليل، وفرت مادة دعائية على طبق من ذهب لأبواق الدعاية الصهيونية المعادية لشعبنا، لتوظفها في تحريض الرأي العام الغربي والعالمي على معادة شعبنا، وتبرير جرائم الاحتلال الصهيوني ضده، ومباركة خنق ما يسمى “المجتمع الدولي” لغزة وحصارها اقتصاديا وإغراقها في البحر.

فقد اعتمدت كثير من وسائل الإعلام الغربية في تفسير أحداث غزة الأخيرة وتحديد موقف الرأي العام العربي منها على ما يكتبه هؤلاء الكتَّاب والمحللون السياسيون في افتتاحيات الصحف الصفراء والصحف الموالية أنظمة الحكم العربية، إضافة إلى ما ينشرونه في المواقع الإلكترونية المعادية لثقافة المقاومة ضد المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.  وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى تشكيل الرأي العام الغربي بطريقة معادية لشعبنا ودفعه في الاتجاه الذي يبرر للحكومات الغربية اتخاذ إجراءات ظالمة وقاسية ضد غزة أو على الأقل الصمت على انتهاكات الحكومات الغربية لحقوق الإنسان الفلسطيني وتآمرها على قضيته العادلة.

والمثير للريبة والاستغراب في آن، أن هؤلاء الرويبضات يقومون بفعلتهم السيئة هذه في سياق الحرص الخاطئ أو الزائف على مصير الشعب الفلسطيني وسلامته وأمنه.  وهم إذ يفعلون ذلك يغطون جهلهم بحقيقة الأوضاع الفلسطينية أو يتسترون على عدائهم لحركة حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام – التي تمثل رمزاً لثقافة المقاومة وترفع لواءها – بملء الدنيا صراخاً وعويلاً وبكاءً، مساهمين بذلك في تفشي ظاهرة الشلل السياسي وفوضى المسؤولية وتعميقها في المجتمعات العربية، وهي ظاهرة خطيرة أصابت الشعوب العربية والإسلامية في مقتل وجعلتها عاجزة عن التعاطي بشكل إيجابي مع الأحداث.

وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى استفراد الاحتلال الصهيوني بغزة وأهلها وتشجيع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين والعرب الرسميين على خنق غزة وإغراقها في بحر من الفقر المدقع والفوضى العارمة والجوع القاتل، كما أنه يشجع تلك الجهات المعادية على قمع أهلنا في الضفة والتنكيل بهم وسحق المقاومة هناك بذريعة السعي لمنع تكرار الحالة الغزية في الضفة.

وقد بدأت الأجهزة الأمنية لمحمود عباس بجولة جديدة من الفوضى الخلاقة والفلتان الأمني في الضفة برعاية أمريكية وأوروبية وصهيونية، غير أن المتباكين والناحبين على ما جرى في غزة يلتزمون الصمت ولا يرون في تلك الجرائم والاعتداءات على حقوق أهلنا في الضفة وانتهاك القانون والدستور الفلسطيني أي بأس، تماماً كما فعل أولئك الرويبضات حيال جرائم الاحتلال وعملائها من عصابات عباس وأجهزته الأمنية في غزة.

فالشعوب العربية والإسلامية تعاني الآن من حالة تغييب سياسي وعجز عن إدراك حقيقة ما جرى وما يجري من أحداث لها تبعاتها الخطيرة على مستقبل أمتنا ومصير شعوبنا، وبالتالي لا تملك هذه الشعوب – نتيجة لتشويه حقيقة الأحداث والتباسها عليهم – سوى رمي المقاومة الإسلامية بكل نقيصة والتنصل من المسؤولية الدينية والقومية والإنسانية، وهنا يكمن خطر أولئك الرويبضات الذين يهدفون بكتاباتهم وآرائهم وتحليلاتهم ومهاتراتهم إلى تمزيق الرأي العام العربي ليصبح عاجزاً عن اتخاذ مواقف حاسمة والتحرك في الاتجاه الصحيح.

وهنا يحق لنا أن نتساءل عن قيمة البكاء والعويل والتشهير الذي لا يجيد هؤلاء الكتَّاب والمحللون السياسيون سواه. ولنضرب على ذلك مثالاً واضحاً للجميع: فقد شنع هؤلاء الكتَّاب السياسيون على حماس وضعها حداً لتمرد الأجهزة الأمنية واجتثاثها للفلتان الأمني الذي كانت تمارسه تلك الأجهزة بذريعة خشية هؤلاء الكتَّاب والسياسيين من قيام الاحتلال الصهيوني بمنع وصول الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة إلى غزة…!! ولم يكلف أحد من هؤلاء نفسه بالتفكير في سبب تعويلهم على الاحتلال في مد غزة بمستلزمات الحياة، بينما لا تقوم الدول العربية المجاورة بفعل ذلك…!!

لماذا يستجدي هؤلاء الرويبضات الاحتلال للسماح بإدخال أسباب الحياة ومقوماتها إلى أهلنا في غزة بينما لا يطلبون ذلك من أنظمتهم الحاكمة. ..؟!! وكان الأولى لهؤلاء والأشرف لهم أن يضغطوا على حكامهم ليكفوا عن الرضوخ لإملاءات الاحتلال وليفكوا الحصار عن الشعب الفلسطيني ويفتحوا المعابر أمامه ويمنحوه الحرية التي يستحق في السفر أسوة بكل شعوب العالم ووفقاً للمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية.

كما أنه يحق لنا أن نتساءل عن سبب صمت هؤلاء الرويبضات على ممارسات محمود عباس القمعية والدكتاتورية، وانقلابه على الشرعية الحقيقية التي تمثلها حركة حماس والمجلس التشريعي وحكومة الوحدة الوطنية، وتنكره للقانون والدستور الفلسطيني، واستغلاله لمنظمة التحرير الفلسطيني ومراكزها ومجالسها لتحقيق مآرب الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية…!!

نحن أمام واقع صعب يعِد فيه محمود عباس شعبنا الفقر المدقع والجوع القاسي والحصار الظالم، في غزة، والفوضى والقمع والفلتان في الضفة، فلماذا لا تذرف دموع هؤلاء الكتَّاب والمحللين السياسيين على هذا الواقع المؤلم الذي يباركونه بصمتهم ويساهمون في تفاقمه بأقلامهم المأجورة وآرائهم المسمومة ومواقفهم الخائبة…؟!!

إن بكاء هؤلاء الرويبضات لا يخفف من الأخطار التي يتعرض لها أهلنا في الضفة وغزة، بل إن هذا البكاء يتم توظيفه صهيونياً وأمريكياً وأوروبياً ضد شعبنا، كما أن بكاءهم وعويلهم وصراخهم لا يزيد الشعب الفلسطيني إلا تمزقاً وفرقة، ولا يؤدي إلا إلى تعميق ظاهرة الشلل السياسي وفوضى المسؤولية التي تعاني منها شعوبنا، ولا يسهم إلا في تشجيع أعداء الشعب الفلسطيني على خنقه.

فكفى لدموع تصب في البحر الذي يحلم قادة الكيان الصهيوني أن يبتلع غزة يوماً ما – في عشية أو ضحاها – حتى يتخلصوا من غزة وأهلها وحركة حماس ومقاومتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات