الأحد 11/مايو/2025

كيف فسر الإسرائيليون ما جرى في غزة ؟

صالح النعامي

أبدت وسائل الإعلام ، وكبار الكتاب والنخب الحاكمة والمثقفة في إسرائيل، اهتماماً واسعاً جداً بالتعليق على التطورات الأخيرة التي وقعت في الأراضي الفلسطينية وانتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة طوارئ محلها، إلى جانب إصداره مرسوماً يعتبر بموجبه القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية و” كتائب عز الدين القسام “، الجناح العسكري لحركة حماس أجساماً غير شرعية. حاول الكتاب الإسرائيليون تفسير ما جاء، الى جانب اختلافهم حول الطريقة التي يتوجب على إسرائيل التعامل بها مع الواقع الجديد.

لم يخوضوا معركة دحلان

داني روبنشتاين، المعلق للشؤون الفلسطينية في صحيفة ” هآرتس ” يحاول الإجابة على السؤال الذي حير الإسرائيليين، ومعهم الكثيرون في العام، ألا وهو: كيف سقطت غزة بكل هذه السهولة في أيدي حركة حماس. ويقول في مقال نشره الاثنين الماضي ” الشيء الأكثر غموضا في الأحداث الدامية في غزة هو سرعة نجاح قوات حماس المسلحة في التغلب على جميع أجهزة الأمن الرسمية للسلطة الفلسطينية، التي كانت خاضعة لسلطة الرئيس محمود عباس.

كانت الأجهزة الرسمية تضم عشرات الآلاف من الجنود. وقد ملكوا السلاح، والتجهيزات والمنشآت، لكن كل هذا لم يساعدهم. إن مقاومة الاجهزة وقادتها من حركة فتح هجمات الوحدات التنفيذية وكتائب القسام لحماس استمرت أقل من 48 ساعة. كيف حدث هذا؟ “. ويضيف أن تفسير ذلك ”  يكمن في أن عناصر حركة  فتح وقادتهم في هذه الأجهزة لم يريدوا القتال أصلا؛  لقد خضعوا لأنهم لم يروا هذه الحرب حربهم “. ويؤكد روبنشتاين أنه من جهة أكثر نشطاء فتح في غزة، كانت الحرب بين حماس ومحمد دحلان ” فلماذا يُعرضون حياتهم للخطر من أجل الدفاع عن دحلان وعن العشرات من رجاله، ينظر إليهم الفلسطينيون كجماعة فاسدة و آثمة؟ “، على حد تعبيره. ويحدد روبنشتاين سبباً آخر للانفضاض الجمهور الفلسطيني عن ابو مازن ودحلان قائلاً ” مشكلة دحلان وأبو مازن أنهم  أوصلا شعبهم إلى حضيض فظيع، والى حياة فقر، وضيق وحصار. المسار السياسي الذي مشوا فيه عشرات السنين، منذ الاعتراف بإسرائيل في صيف 1988 – أفضى إلى طريق مسدود. ..الجمهور الفلسطيني المسحوق في غزة، تهمه حقيقة أن قادته الذين علقوا آمالا على إسرائيل، قادوه إلى هذا الوضع

نافذة فرص

بعض الباحثين والكتاب الإسرائيليين رأى في ما حدث نافذة فرص يتوجب على إسرائيل استغلالها حتى النهاية. فالبرفسور درور زئيفي، المحاضر في قسم دراسات الشرق الاوسط في جامعة بن غوريون في النقب يقول إن التطورات الأخيرة أسفرت عن فرصة تاريخية، تمثلت بالفصل بين الضفة وغزة، وبالتالي يحظر على إسرائيل عدم استغلال هذه الفرصة. وأضاف في مقال نشرته صحيفة ” يديعوت احرنوت ” في عددها الصادر الاثنين الماضي ” لو كنا علماء نخطط لتجربة في المختبر، لما استطعنا أن نخطط لتجربة أكثر نجاحا: فلدينا جماعتان ( فلسطينيتان ) متمايزتان بوضوح، ومنفصلتان جغرافيا بلا اتصال بينهما تقريبا “.
 
ونصح زئيفي دائرة صنع القرار في تل أبيب بالشروع في مفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والفلسطينيون في ذروة تفرقهم. لكن زئيفي يستدرك قائلاً أن هذا يتوجب أولاً من عباس أن إثبات جدارته عبر شن حرب ضد جماعات حركة ” فتح ” المسلحة المنتشرة في الضفة الغربية، بعد أن يخيرهم بين الانصياع لتعليماته، أو مواجهة ضربات أجهزة أمنه. ويعتبر زئيفي أن هذا يستوجب في المقابل خطوات إسرائيلية أكثر مرونة تتمثل في قرار إسرائيلي بإخلاء مستوطنات كثيرة من أجل السماح بإقامة كيان فلسطيني يستطيع أن يحكمه أبو مازن، ويكون مثالاً للاستقرار بالنسبة للفلسطينيين. من ناحيته يرى عوديد جرانوت معلق الشؤون العربية في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي قرار أبو مازن بحل حكومة الوحدة ، بأنه يمثل مصلحة إسرائيلية لأنه يعني إسدال الستار على اتفاق مكة.

ويطالب غرانوت الحكومة الإسرائيلية ب ” عناق أبو مازن وتشجيعه لعدم التصالح مع حركة حماس “، معتبراً أن تصالح الفلسطينيين يأتي دوماً ضد المصلحة الإسرائيلية. من ناحيتها أشادت صحيفة ” هارتس ” في افتتاحية عددها الصادر الاثنين الماضي بالقرارات ” الشجاعة ” التي اتخذها الرئيس عباس مثل الإعلان عن حكومة الوحدة والإعلان عن القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية، وتشكيل حكومة طوارئ، معتبرة أن هذه القرارات ” تمثل بداية عهد جديد، يتوجب على إسرائيل استغلاله “. وتضيف الصحيفة أنه من الأفضل لإسرائيل أن يكون في مناطق السلطة الفلسطينية حكم مركزي وإن كان ضعيفاً وهشاً على أن يكون فيها حكم للإسلام المتعصب “، مطالبة أولمرت أن ينسق خطواته بشكل جيد مع الرئيس بوش. ونوهت الصحيفة الى أنه من اجل دق اسفين بين الجمهور الفلسطيني وحركة حماس لا يكفي فقط التخفيف على حياة الناس وتحسين شروط معيشتهم، بل يتوجب العمل على الشروع في التفاوض على تطبيق خطة ” خارطة الطريق ” التي بلورتها اللجنة الرباعية التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة، معتبرة أنه بدون افق سياسي يؤدي الى انهاء لاحتلال، فإن كل الخطوات الهادفة إلى عزل حماس ستبوء بالفشل. وتحذر الصحيفة من إقدام إسرائيل على خنق القطاع في ظل وجود حركة حماس، مطالبة بعدم التردد بالتنسيق مع ممثلي حماس والعمل على إعادة فتح المعابر الحدودية، في حال نجحت حماس في تقليص عمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة.
 
ويرسم عكيفا الدار، كبير معلقي صحيفة النخبة ” هآرتس “، سيناريوهين مفزعين لكل إسرائيل، في حال لم تتحرك حكومتها بخطوات حثيثة نحو التسوية. ويحذر من الاعتقاد السائد لدى بعض القادة والنخب الإسرائيلية أن ما حدث في قطاع غزة والضفة الغربية يعفي إسرائيل من التحرك لدفع عجلة التسوية السياسية. وفي مقال نشره في الصحيفة الاثنين الماضي، قال ” اذا لم نسارع الى الاستيقاظ من هذا الحلم، ولم نستنقذ مما بقي من رؤيا الدولتين( التي طرحها الرئيس بوش )، فسنبقى في الحقيقة مع الاختيار بين الطاعون – نظام التمييز العنصري، وبين الكوليرا – جعل الدولة اليهودية دولة ثنائية القومية بين الأردن والبحر “، على حد تعبيره.والذي يبعث المرارة أن النخب المثقفة في الكيان المحتل تدرك أن أبو مازن وحكومته وقيادات فتح التي تواطأت ضد حكومة الوحدة أصبحت مدينة لإسرائيل ببقائها في الضفة الغربية، الأمر الذي يمكن تل أبيب من ابتزاز تلك الحكومة. وقد عبر عن ذلك المستشرق الإسرائيلي جاي باخور الذي يقول في مقال نشرته الاحد الماضي في صحيفة ” يديعوت احرنوت ” ” مجرد وجودنا في الضفة يبقي على قيد الحياة حركة فتح. فإذا خرجنا، لانتهت نهاية تامة، ولكان التيار الإسلامي سيجرف الضفة أيضا “. ويضيف في عبارة لا تخلو من التشفي ” هذه هي الحالة الشاذة الوحيدة في التاريخ البشري التي يساعد فيه الاحتلال احد تيارات الشعب المحتل “، داعياً الى عدم اطلاق كلمة الاحتلال على الوجود العسكري في الضفة الغربية، معتبراً أن هذا الاحتلال يخدم بقاء حركة ” فتح “.

بؤس الرهان على أبو مازن

لكن هناك من المعلقين في إسرائيل من يرى أنه من غير الطائل الرهان على أبو مازن وحكومته الجديدة. ويختلف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الجنرال شلومو غازيت، مع الرؤى السابقة التي عبر عنها البرفسور زئيفي، معتبراً أن حركة فتح والرئيس الفلسطيني أبو مازن أصبحا من مخلفات التاريخ. ويضيف في مقال نشره في صحيفة ” معاريف ” الاثنين الماضي ” لا ينبغي أن نعتمد على قيادة وعلى حركة فلسطينية خلّفها المستقبل وراءه “. ويضيف أن إسرائيل ارتكبت خطأ كارثياً عندما اعتقدت أنه بممارستها الضغط على الشعب الفلسطيني، فإن هذا سيؤدي إلى انفضاض الجمهور الفلسطيني عن حركة حماس، مشدداً على أن التجربة دللت على أن العكس هو الذي حدث تماماً، منوهاً إلى أن السياسات الإسرائيلية كان لها دور كبير في تحقيق حماس للنصر الكاسح في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ويستخف غازيت بالدعوات التي تصدر عن بعض القادة الإسرائيليين الذين يطالبون بإعادة الحكم المصري إلى غزة والأردني إلى الضفة من أجل محاصرة حركة حماس والتيار الإسلامي، قائلاً ” لا نوهمّن أنفسنا أنه يمكن إرجاع عقارب الساعة أربعين سنة إلى الوراء. لن تعود الضفة الغربية إلى سيطرة الأردن، ولن يعود المصريون للسيطرة على قطاع غزة، سنضطر إلى إخراج حبات الكستناء من النار بأيدينا “. وشن سيفير بلوتسكر كبير معلقي صحيفة ” يديعوت احرنوت ” هجوماً عنيفاً على القيادات الإسرائيلية التي تطالب بتقديم الدعم لابو مازن، متهماً إياها بالعيش في ” الوهم الذاتي “.

وأضاف بلوتسكر أن اسرائيل ترتكب خطأً كبيراً عندما تراهن على تقديمها الدعم لفتح في الضفة على اعتبار ذلك مصلحة لها، معتبراً أن حركة ” فتح ” حركة متعفنة، ولا أمل في دعمها، واصفاً ابو مازن بزعيم ” من ورق “.ويتفق الكاتب الشهير يارون لندن في مقال نشرته له اليوم صيحفة ” يديعوت احرنوت “، مع ما ورد في مقال غازيت، قائلاً أن اسرائيل ليس بوسعها التأثير على ما يجري في الساحة الفلسطينية. ويعتبر أن الجدل الإسرائيلي المحتدم حول سبل التأثير على الواقع الفلسطيني الداخلي ” أنما يأتي للتنفيس عن الضائقة ” التي تعيشها اسرائيل، معتبراً أن هذا الجدل ” يخفف عن الضمير الجماعي لأنه يغفر لنا إخفاقاتنا. لماذا نشعر بمشاعر الذنب، اذا كنا لا نعلم ماذا كان سيحدث لو سلكنا سلوكا مغايراً “، على حد تعبيره. وخلص لندن إلى أن العبرة الوحيدة التي يتوجب على إسرائيل استيعابها مما حدث هو أنه يتوجب عليها الأخذ ” بنظرية الضرورات، التي تقترح مواجهة الأسئلة المُلحة لا الأسئلة الكبيرة “.

 

ومثل من سبقه ينتقد تسفي بارئيل، معلق الشؤون العربية في ” هآرتس ” الحماسة التي أبدتها كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية في تأييد حكومة الطوارئ التي أمر بتشكيلها أبو مازن. واعتبر بارئيل أن التوجه الإسرائيلي الأمريكي يهدف إلى اللعب على وتر تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ضفة وغزة، وكأن الضفة الغربية بعد وصول المساعدات الاقتصادية لها ستصبح ” جنة عدن “، بينما يتحول قطاع غزة الى جهنم. ويعتبر بارئيل أن إسرائيل ستفشل في النهاية في فصل الضفة عن القطاع، واصفاً رهانها على ذلك بأنه أشبه بالخطى المتسرعة الفزعة التي ترمي إلى تصويب الخلل الذي حصل اكثر من كونها تعبيرا عن سياسة ذات رؤية واضحة “. ويشير بارئيل إلى أن حكومة فياض ليس بإمكانها تبني سياسة الإجحاف أو التمييز ضد منطقة قطاع غزة فقط لأنها خاضعة لحماس، لأن الفلسطينيين سيرون في خطوة ابو مازن الذي يعتمد على الدعم الإسرائيلي والأمريكي بأنها ” عمل خياني “. في نفس الوقت ينوه بارئيل الى أن حكومة الطوارئ الجديدة لا تستطيع أداء دورها على المدى الزمني من دون مصادقة البرلمان الفلسطيني الذي تعتبر أغلبيته من أفراد حماس المسجونين في إسرائيل.
 
الدور العربي الحاسم

لكن القضية التي ليست مثار جدل في إسرائيل هي حقيقة أن إسرائيل بحاجة للدول العربية من أجل إطباق الخناق على حركة حماس.فالجنرال عاموس جلعاد مدير الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، والذي كان مسؤولاً عن تحديد قوائم المرشحين للتصفية من بين قادة وعناصر حركات المقاومة الفلسطينية؛ يقول أن إسرائيل تحتاج  أكثر من أي وقت مضى لمساعدة الدول العربية، وتحديداً مصر في مواصلة خنق حركة حماس. ويعتبر جلعاد أ

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات