يسارنا المرتد..!

قد يظن البعض أن مصطلح ” المرتد ” خاص بالشريعة الإسلامية فقط .. لكن الأمر ليس كذلك فجميع الثقافات و الأيديولوجيات تتبنى هذا المصطلح و ينطبق مدلول ” المرتد ” في الأيديولوجيات المختلفة عمن يحاول العبث و الإضرار بمسيرة الإطار الذي ينتمي له و هنا لا يختلف حكم المرتد كثيراً بين الأيديولوجيات المختلفة فالمرتد ببساطة خائن عميل و يجب أن يوُقع عليه الحد قصاصاً منه بسبب ما آتاه من جرم ..
الماركسية باعتبارها أيديولوجيا قائمة بذاتها احتوت أدبياتها على مصطلح ” المرتد ” و ” الارتداد ” و حمل هذا المصطلح في أدبيات الماركسية نفس المفهوم الذي تعارفت عليه جل الأيديولوجيات المختلفة .. فالمرتد في نظر الماركسيين هو شخص خائن عميل للإمبريالية وجُب توقيع الحد عليه زجراً له عما آتاه من خيانة ..
و لعل من المفيد هنا طالما نتحدث عن اليسار الفلسطيني باعتباره امتداداً للفكر الماركسي أن نأتي ببعض الحقائق و الأسماء من قائمة المرتدين في تاريخ الماركسية تأصيلاً لما سيأتي بعد ذلك على اعتبار أن يسارنا العتيد أصبح صورة ” photo copy ” عن أقطاب مرتدي الماركسية التاريخين و إن كان ارتداد يسارنا الفلسطيني قد جاء باتجاهات مغايرة عما جاء به أقطاب الارتداد الماركسيون لكني أجزم هنا أن الظروف المكانية و الزمانية هي التي وقفت مانعاً ضد يسارنا العتيد و إلا لأجرم يسارنا بحق الماركسية إجراماً يفوق ما جاء به ” كاوتسكي ” !
كاوتسكي هذا هو النظري الماركسي الرئيسي في عهد ما يسمى بالأممية الثانية، أي في السنوات الـ 25 الممتدة من سنة 1889 إلى سنة 1914 و حتى لا نتفرع كثيراً في الحديث سأتحدث بشكل مقتضب عن المرتد كاوتسكي باعتباره أول من حمل لواء الانقلاب على تعاليم ماركس .
لعلنا هنا لا نجد مثالاً أقرب لبيان حجم الخيانة التاريخية التي جاء بها كاوتسكي من الحديث عن نظرية و تعريف كاوتسكي للإمبريالية …
« الإمبريالية هي نتاج الرأسمالية الصناعية العالية التطور. وهي تتلخص بنزوع كل أمة رأسمالية صناعية إلى أن تلحق بنفسها أو أن تخضع لنفسها المزيد والمزيد من البقاع الزراعية بصرف النظر عن الأمم التي تقطنها »
هذا تعريف كاوتسكي للإمبريالية و لعل من قرأ في الماركسية يدرك حجم العبث و الخيانة التي جاء بها كاوتسكي ضد النظرية الحقيقية للماركسية التي تقوم على أساس أن الإمبريالية تحمل بعداً سياسياً أولاً و من ثم تأتي الإلحقات الاقتصادية و الإلحقات الأخرى باختصار حتى لا نغوص في التفاصيل كثيراً ما جاء به كاوتسكي إنما كان عبارة عن عملية تجميل لنقيض و عدو الماركسية التي قامت الماركسية لمكافحته.
و هو في سبيل ذلك لم ينقلب على تعاليم ماركس فحسب بل شوه حقبة كاملة و مهمة من تاريخ الماركسية نظريةً و تطبيقاً هناك أمثلة عديدة عن أجرام و ارتداد كاوتسكي بحق الماركسية مثل نقاشه السقيم الوقح مع ” كونوف ” مداح الإمبريالية الألماني و ما نتج عن تلك النقاشات يبرز حجم الخيانة التي جاء بها كاوتسكي لكن لا مجال لنا هنا لنتفرع أكثر من ذلك .
سأنتقل الآن للحديث و بشكل مقتضب عن أفراخ كاوتسكي في العالم العربي و سينصب حديثي هنا على الجيل الأول “للكاوتسكية” ثم نولج على يسارانا الفلسطيني العتيد باعتباره يمثل الجيل المعاصر من “الكاوتسكيين ” …
الحدث الأمثل للحديث على خيانة و ارتداد أقطاب اليسار في العالم العربي هو الخيانة التاريخية التي قام بها الحزب الشيوعي العراقي في العام 1963 هذه الخيانة التاريخية باختصار كما تحدث عنها معاصرو تلك الحقبة من الزمان تُمثل قمة الانحطاط الأخلاقي في تاريخ الماركسية فإن كانت التجربة اليسارية قد قامت في الإتحاد السوفيتي على جماجم ما يقارب الـ25 مليون إنسان من سكان الدول التي خضعت للإتحاد السوفيتي بعد ذلك !! إلا أن تاريخ الماركسية لم يسجل خيانة بحق أبناء الماركسية كما فعل الحزب الشيوعي العراقي في ذلك العام حين دفع بعشرات الآلاف من أبنائه صوب المذبحة !!
هذه الخيانة التاريخية كان مرجعها المصالح الشخصية لأقطاب الحزب و في سبيل تلك المصالح لم يتوانوا لحظة في دفع هؤلاء الأبرياء صوب المحرقة تماماً كحال أقطاب يسارنا الفلسطيني العتيد الآن .
و هناك الكثير من الروايات التي تحدثت عن تلك المرحلة ألطف تلك الرويات لازال حتى الآن يحمل رائحة الدم و الخيانة رغم عمليات التجميل التي خضعت لها تلك الروايات !!
لم ينته تاريخ خيانة و ارتداد أقطاب اليسار في عالمنا العربي عند هذه الخيانة التاريخية بل امتد لأبعد من ذلك حين بدأ أفراخ كاوتسكي بالتجرؤ على تفسير أسباب انهيار الإتحاد السوفيتي وفق السياقات النظرية التي أسس لها معلمهم الأول كاوتسكي فهم أبناء مدرسة كاوتسكي في الخيانة و الارتداد من هنا ولد الجيل المعاصر للمرتدين اليساريين في العالم العربي و الذي ينتمي لهذا الجيل يسارنا الفلسطيني العتيد بشخوصه القائمين الآن ..
رغم أن اتجاهات الارتداد بين أبناء هذا الجيل مختلفة إلى حد كبير لكن القاعدة التي يقوم عليها هذا الارتداد واحدة .. فالكاوتسكية كمنهج خياني و مدرسة من مدارس الارتداد الأيديولوجي هي التأصيل النظري الذي يجمع أبناء هذا الجيل .
و تبدو هذه الحقيقية واضحة جلية حين نقارن بين مواقف أقطاب اليسار في عالمنا العربي تجاه القضايا المصيرية فمقارنة بسيطة بين مواقف السيدة رسميه محمد قطب اليسار العراقي الشهيرة و كريم مروه قطب اليسار اللبناني الأشهر مع رفاقهم في الكاوتسكية من أبناء اليسار الفلسطيني تجاه قضايانا المصيرية سيفرز لنا حقيقية واضحة جلية تتجاوز أمية المنحرف خروشتشوف وبورجوازية المرتد كاوتسكي لنصل إلى جهل فاضح في قراءة التاريخ و ارتداد خياني تجاه المواقف المصيرية .
إذن فخيانة و ارتداد يسارنا الفلسطيني بشخوصه القائمين حالياً ليس وليد صدفة أو حدثاً عابراً أملته ظروفاً شخصية تتعلق بياسر عبد ربه أو خالدة جرار بل إنه منهج موجود فعلياً و امتداد لمدرسة قائمة بذاتها بدأت من عند كاوتسكي و لن تنتهي عند أفراخ كاوتسكي المعاصرين ..
ارتداد يسارنا الفلسطيني العتيد تجاوز إرتداد كاوتسكي الذي وجه ردته صوب النظرية و و تجاوزت أيضاً خيانة الحزب الشيوعي العراقي الذي وجه خيانته تجاه أبنائه فارتداد يسارنا الفلسطيني يشكل خطراً على حياة و مصير شعب و قضية .!!
من هنا يبدأ الخطر فالخطر الممنهج الذي يقوم على تأصيلات فكرية أشد وطأة من الخيانات العابرة التي تعصف بشخوص معينين أملت عليهم شهواتهم و رغباتهم أن يوغلوا في الخيانة تحقيقاً لتلك الرغبات و إشباعاً لهذه الشهوات هذا الخطر يدفعنا لنتساءل الآن!!
هل لازال من المجدي أن ننتظر مواقفاً على قدر المرحلة و المواجهة المصيرية التي تمر بها قضيتنا الآن ممن يفتقرون للنظرية ؟ هل لازال هناك أملًً من أفراخ كاوتسكي في المنطقة العربية ممن يمارسون طقوس عبادة الذات الذين أوغلوا في ارتدادهم بشكل لا يمثل خيانتهم لأيديولوجيتهم فحسب بل يتجاوز ذلك ليأتي بخيانة و ارتداد بحق قضيتنا المصيرية و تاريخنا و مستقبل أجيالنا القادمة ..!
هل لازال لزاماً علينا و نحن نخُط تاريخ هذه المرحلة أن نعفي اليسار الفلسطيني من مسؤوليته التاريخية و الأخلاقية عن تمرير مؤامرات التصفية و اتفاقات الذل و العار من خلال ما يسمى ” منظمة التحرير ” ؟
هل هناك داعٍ لنبقى معترفين بوجودهم في المعادلة الفلسطينية تأصيلاً على أن الديمقراطية هي منهجنا في التعامل ؟
سحقاً لكل قيم الديمقراطية إن كانت نتائجها هي ظهور ما يسمى ” خالدة جرار ” و رفاقها في الكاوتسكية ليوظفوا تاريخ اليسار الفلسطيني في خدمة أجندات تصفية القضية !!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...