إلى عقلاء فتح.. هذا هو الحل

بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الكاملة على قطاع غزة في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2007م، بَرَزَ على الساحة الفلسطينية وصفان لما جرى في القطاع.
حركة فتح وصفت ما جرى بأنَّه انقلاب على الشرعية التي يمثلها رئيس السلطة محمود عباس (أبو مازن)، على اعتبار أن الشرعية الوحيدة التي تعترف بها حركة فتح هي شرعية الرئيس فقط ولا شرعية لغيرها، مُعْلِنَةً رفضها القاطع للتعامل مع حركة حماس، واتخذ (أبو مازن) على إثرها سلسلة من القرارات السريعة والمرتبكة، والتي تمثلت بإقالة حكومة الوحدة الوطنية التي كان يترأسها الأستاذ إسماعيل هنية، وتشكيل حكومة طوارئ ترأسها سلام فياض.
ومن جانبها وصفت حركة حماس ما قامت به في قطاع غزة بالعملية الاضطرارية التي لم تستهدف حركة فتح أو محمود عباس بالمطلق، وإنما استهدفت فئة انقلابية سعت منذ فوز (حماس) في الانتخابات التشريعية التي جرت قبل عام ونصف، إلى الانقلاب على نتائجها عبر تشويه صورة حماس أمام الشعب الفلسطيني ومن ثمَّ إقصاؤها عن سدَّة الحكم، فأفشلت كلَّ مسعى لتحقيق أيِّ توافق بين حركتي فتح وحماس، فما تكاد تهدأ الأوضاع قليلاً إلاَّ وتأتي موجة جديدة تفشل كافة الخطوات التي تسعى للتهدئة ولتحقيق شراكة سياسية حقيقية تؤسس لمرحلة جديدة من الوفاق الوطني يعالج مشاكل مزمنة ترسخت في السلطة بسبب سياسة الاستئثار بكل شيء لصالح فصيل دون بقية الفصائل على مدار تسع حكومات سابقة حكمتها حركة فتح.
لقد سعت حركة حماس خلال عام ونصف إلى الحدِّ من قدرة هذه الفئة المارقة على منع الحركة من تنفيذ برنامجها الانتخابي الذي حازت على أساسه ثقة غالبية الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع، وتأسيس شراكة سياسية حقيقية بين كافة الفصائل يعمّ خيرها على كافة أبناء الشعب الفلسطيني، فعملت على فضح أمر هذه الفئة الانقلابية التي أرادت أن تشتغل في حماس (خمسة بلدي)، وحذَّرت حركة فتح وأبو مازن من مغبَّة ما تقوم به هذه الفئة الضالة من ممارسات أصبحت تهدَّد حياة المواطن الفلسطيني وقضيته التي قدَّم من أجلها آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، فما كانت تسمع من السيد محمود عباس إلا الوعود التي لا تُنفَّذ على أرض الواقع، بل اتخذ إجراءات عزَّزت من قدرة هذا التيَّار الانقلابي على التحكم في مصير الشعب الفلسطيني، وتعطيل أيِّ حل تتوصل إليه الحركتان، وما تعيين رأس الفتنة محمد دحلان مستشاراً عسكرياً للرئيس إلاَّ مثالٌ على ذلك.
كما سعت حماس للمبادرة إلى إعلان وقف القتال من طرف واحد في محاولة منها لإفشال مخطَّط هذا التيَّار الدموي في جَرِّ الشعب الفلسطيني للاقتتال الداخلي، وهو ما استغلَّه هذا التيَّار الصهيوني في الاعتداء على كلَّ ما له صلة بحركة حماس فأصبحت تقتل على اللحية ومن يرتاد المساجد والعلماء وأكاديمي الجامعات، دون أن تردَّ الحركة،ولم تمارس غيَر كشف حقائقَ ما يجري للرأي العام الفلسطيني والعربي، والطلب من فتح والعرب لجم هذه الفئة الضَّالة، ولم يحركوا ساكناً.
مقابل هذا المشهد المريع ما كان أمام حركة حماس إلَّا أحد أمرين، وكلاهما مرٌّ كما ذكرت على لسان قادتها أكثر من مرة، فإمَّا أن تردَّ حماس القتل بالقتل والحرق بالحرق والاعتداء بالاعتداء، فيدخل الشعب أتون الحرب الأهلية وما يترتب عليها من مخاطر على الشعب والقضية لا يجهلها أحد، أو أن تأخذ (حماس) زمام المبادرة لتخلص الشعب وحركة فتح وحماس من هذه الفئة الخارجة عن الصف الوطني، وتوقف كافة الرهانات الصهيونية والأمريكية وبعض الأطراف العربية لإخراج حماس من المشهد السياسي.
فما قامت به حركة حماس مضطرة في القطاع،إنما جاء بهدف تخليص الشعب الذي سعت هذه الفئة الباطلة إلى إجباره على برنامج مرسوم وفق أجندة صهيونية أمريكية لفظته عندما انتخبت حماس بأغلبية كبيرة، وتخليصاً لحركة فتح من هذه الفئة التي سرقت القرار الفتحاوي الحر، وهمشت قادة فتح التاريخيين بفعل ما أغدقه الصهاينة والأمريكان من دعم مالي وعسكري وسياسي لهذه الفئة المنتفعة، هذه الفئة التي جرَّت الحركة رُغما عن أبنائها الشرفاء لمواقف هم أول من اكتوى بنارها، واقرؤوا رسالة السيِّد روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني سابقاً، التي وجهها لأبناء فتح والتي على إثرها أعلن تنحيه عن المشاركة في الحركة، والمؤتمر الذي دعا له القيادي البارز في حركة فتح السيد أحمد حلس “أبو ماهر”، والذي عقد تحت عنوان “رسالتنا” لكوادر وأعضاء من حركة فتح، اتهم فيه قيادات في الحركة بالعمل على خطفها وتحويلها لشركات خاصة، معلناً عن البدء في أول خطوة تصحيحية في الحركة لحماية فتح وأبنائها ومشروعها.
ولعلَّ سؤال إلى أين تتجه الأحداث؟ وما هو مستقبل القضية الفلسطينية بعد ما حدث في القطاع؟ هو الأكثر تساؤلاً لدى الإعلاميين وأبناء الشعب الفلسطيني، فلا نجد مقابلة أو حواراً مع طرفي الصراع إلا ويتم التطرق إلى هذين السؤالين.
لقد دعا السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مؤتمره الصحفي الذي عقده بعد يوم من سيطرة حماس على القطاع، دعا حركة فتح ومحمود عباس إلى الحوار لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتنفيذ اتفاق مكة المكرمة وخاصة الشراكة السياسية وإعادة تفعيل م.ت.ف على أسس سياسية وديمقراطية جديدة، والتفرغ إلى القضايا المصيرية التي يجب أن لا يغفل عنها القادة الفلسطينيون في خضم افتعال الأحداث التي كان يقوم بها التيار الانقلابي في حركة فتح بدافع من الصهاينة الذين يسعون إلى إشغال الفلسطينيين عن معركتهم الحقيقية معه.
لا شك أن رفض حركة فتح التعامل والتحدث مع حركة حماس بعد أحداث غزة، سيؤدي بنا إلى كارثة وطنية، كما أن الإجراءات المتسرعة وغير القانونية التي اتخذها عباس مؤخراً لن تزيد الوضع الفلسطيني إلا مزيداً من التأزم، بل إن ما لجأ إليه السيد محمود عباس من تشكيل حكومة طارئة جديدة، وسحب الاعتراف الدولي بالجواز الفلسطيني الصادر بتوقيع حكومة تسيير الأعمال التي تقودها حركة حماس، لن يؤدي إلَّا إلى مزيد من الفُرقة وتشتت القضية الفلسطينية، بل يكمن فيه خطر حقيقي على مستقبل القضية الفلسطينية من خلال ترسيخ مبدأ الفصل بين الشعب الواحد والأراضي الفلسطينية ما بين الضفة والقطاع، وهو ما يعمل عليه الكيان الصهيوني لترسيخه حالياً بالتآمر مع الإدارة الأمريكية وبأيدٍ فلسطينية ودون أدنى معاناة، وهو ما حذَّرت منه حركة حماس على لسان الأستاذ مشعل الذي أكد على وحدة الشعب والأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع ورفضه للفصل بينهما.
ليس أمام أبو مازن وحركة فتح إلا التَّفاهم من جديد مع حماس، وإعادة بناء جسور الثقة بين الطرفين، وعلى حركة فتح أن تتعامل مع خطوة حماس في القطاع بشكل إيجابي، وتتفهم الهدف الذي أعلنت عنه حركة حماس بالتخلُّص من فئة متنفِّذة، سلبت حركة فتح قرارها ورهنته للعدو الصهيوني الأمريكي، وأرادت أن تفرض نفسها على الشعب الفلسطيني وتحرمه من خياره الديمقراطي الذي أوصل حماس إلى الحكم.
إذا تعامل (أبو مازن) مع خطوة (حماس) في غزة من باب أنها فرصة لتخليصه وحركة فتح من زعيم الانقلابيين الذي فرض من قبل الإدارتين الأمريكية والصهيونية، ورفض عودة دحلان لممارسة ذات الدور الذي فشل في تحقيقه رغم كافة أنواع الدعم الذي تلقاه صهيونياً وأمريكياً، ومن قبل بعض الأطراف الإقليمية التي لا تزال ترفض مبدأ وجود حالة إسلامية في الحكم متمثلة في حركة حماس، وقتها أعتقد أننا سنسير بالاتجاه الصحيح، باتجاه تصحيح البوصلة الفلسطينية نحو التفرغ لترتيب بيتنا الفلسطيني وقضايانا المصيرية.
أما أن يتمترس (أبو مازن) ومن خلفه مستشاروه، الذين أثبتت الأيام أنهم ما زادوا الرَّجل إلا مزيداً من التخبط والإرباك أوصل الوضع الفلسطيني إلى ما أجبر حماس على اتخاذ هذه الخطوة، بعد العديد من الاتفاقات التي لم تلبث إلا وتنقض بفعل هذه الفئة الانقلابية التي ترفض الاعتراف بشريك فلسطيني خوفاً على مصالحها التي تعطلت، بل وخشيتها من فضح أمر ما كانت تقوم به من فساد في ظل تسع حكومات سيطرت عليها هذه الفئة المارقة.
فليس أمام قادة فتح التاريخية إلا الجلوس من جديد مع حركة حماس، وإعادة بناء جسور الثقة بينهما من جديد، والتعامل بشكل إيجابي مع خطوة حماس في غزة.
كلمة أخيرة أوجهها للقادة العرب، ما حدث في القطاع أصبح أمراً واقعاً لا يمكنكم القفز عليه، ولا بد من التعامل مع هذا الوضع الجديد بعيداً عن الإملاءات الأمريكية والصهيونية التي ما جلبت إلى المنطقة إلا مزيداً من الأزمات والاضطرابات والفوضى (الخلّاقة) التي يكتوي بنارها اليوم الشعب العربي في العراق ولبنان وفلسطين.
لا مجال للانتظار ولا مجال للتهرب من المسؤولية فالشعب الفلسطيني الذي عانى الأمرَّيْن من الاحتلال وأزلامه، لا يمكن تحت أي عذر أو مسمَّى أن يترك للحصار الذي ماطلوا دون عذر من إنهائه، وعليهم أن لا يدعموا فريقاً على حساب فريق آخر، وهو ما يعدُّ تدخلاً مرفوضاً في الشأن الداخلي الفلسطيني.
على العرب أن يكونوا جزءاً من الحل وليس طرفاً في الخلاف، مطلوب مبادرة عربية تسعى إلى لم الشمل الفلسطيني من جديد، وإعادة بناء جسور الثقة بين الإخوة، خاصة في ظل التَّخلص من الفئة التي ما فتئت تسعى لإفشال جهودهم في جمع كلمة الفلسطينيين، وجعل ما حدث في الماضي درساً للجميع، بعدم السماح للأيدي الخارجية بالعبث في الشأن الداخلي الفلسطيني.
وحذار أن يقع العرب في الفخ الصهيوني الأمريكي بإغداق الأموال والنعِّم على الضفة الغربية التي تحكمها حكومة الطوارئ التي بدأت بتلقي الوعود الصهيونية والأمريكية والأوروبية بالدعم ورفع الحظر، وترك قطاع غزة للبؤس والحرمان والحصار، وقتها سيكون عَارٌ على كل من يشارك من الفلسطينيين والعرب في هذه المؤامرة، بل سترتد عليه وبالاً يكتوي بنارها.
* صحفي فلسطيني مقيم في دمشق
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...