حماس تدشن بداية نهاية الحقبة المكية في التفكير الإخواني

لماذا ابتدأت بهذه المعلومات المعروفة لدى الجميع؟ ببساطة لأنها تحمل مدلولات أعمق من الخبر ذاته أو سرديته، والتي يبدوا أن كثيرين لم ينتبهوا لها أو أنهم يتقصدون التغاضي عنها.
فإذا كانت حماس تمتلك فعليا كل هذه القدرة التي أبرزتها في قرار الحسم العسكري مع حركة فتح والأجهزة الأمنية التابعة لها في غزة، فما الذي دفعها إذن أن تتحمل لمدة 15 شهرا مماحكات ومؤامرات بعض أطراف حركة فتح ومؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية التابعة لهما؟ وما الذي دفعها مثلا إلى أن تتغاضى عن جريمة محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية في (14/12/2006) عندما كان عائدا من جولة خارجية له عبر معبر رفح؟ ولماذا صمتت على تحرشات حركة فتح ومؤسسة الرئاسة والأجهزة الأمنية التابعة لهما بها لكل هذه المدة؟ ولماذا قبلت باتفاق مكة في شهر شباط/فبراير الماضي، والذي كان في مضمونه انتقاصا من فوزها المستحق في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، وإجهاضا له؟ ولماذا قبلت قبل ذلك بسحب جلَّ الصلاحيات من حكومتها بل وحتى من المجلس التشريعي ذاته لصالح مؤسسة الرئاسة؟ ولماذا صبرت على تعرض قوات فتح والأجهزة الأمنية لمسؤولي الحكومة عن حماس وأعضاء التشريعي عنها، وقادتها السياسيين والعسكريين؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير، توضح بما لا يدع مجالا للشك، بأن حماس لم تكن قد اتخذت يوما قرارا بـ”الانقلاب” على السلطة الفتحاوية وهياكلها في قطاع غزة، رغم امتلاكها للقدرة العسكرية على ذلك، حتى قبل دخولها للانتخابات التشريعية. فهي التي صبرت في عز قوتها، وقبل دخول الانتخابات التشريعية على التلاعب في الانتخابات البلدية، خصوصا في بلدية رفح أواخر عام 2005، وهي نفسها التي كظمت غيظها وهي ترى موعد الانتخابات التشريعية يؤجل مرة بعد أخرى بما يتوائم وظروف حركة فتح الداخلية. كما أنها هي نفسها من حافظت على الحكمة والتعقل وهي ترى ملف إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية يتلاعب به لسنوات حتى لا يتاح لها دخولها، ومن ثمّ يسلط عليها سيف وحدانية وشرعية تمثيلها للشعب وللقضية الفلسطينية وتعير بأنها لم تدخلها بعد وهي لا يسمح لها أصلا.
وفوق هذا وذاك، التزمت حركة حماس جانب ضبط النفس وهي ترى بأم عينيها تجاوزات وتعديات كوادر فتح والأجهزة الأمنية على كوادرها وقادتها، حتى وصل الأمر إلى تصفية بعضهم، والتطاول على بعض من قياداتها السياسية، بما في ذلك رئيس وزرائها نفسه، والذي منع موكبه يوما من أن يمر من أمام مقر جهاز الأمن الوقائي، وكادت أن تتحول الأزمة إلى مذبحة، لولا تعقل هنية واختياره للعودة من حيث أتى، وهو رئيس الوزراء… أو على الأقل كان هذا هو المفترض!.
واضح جدا أن حماس لم يكن في واردها فكرة الحسم العسكري في غزة، ليس عجزا وضعفا كما عيرها دحلان في خطابه الشهير مطلع العام الحالي في مهرجان انطلاقة فتح في غزة (1/1/2007)، وذلك عندما أخذ يصرخ في ذكرى انطلاقة فتح ويتحدى حماس أن تطلق عليه الرصاص إن كانت تستطيع (وين حماس .. خلي حماس تطخني!؟)، فقد ثبت أن حماس كانت تستطيع ذلك حينها لو أرادت، وهاهو الدليل قد جاءه في صيغة لا تخطئها العين، ولعله من حسن حظ دحلان أنه كان هاربا منذ أشهر خارج قطاع غزة، وإلا لكان تحديه لحماس قد تجسد حقيقة!.
إذن ما الذي دفع حماس إلى الوصول إلى قناعة بضرورة الحسم العسكري؟ وهو قرار واضح بالمناسبة أنه لم يكن جراء فقدان القيادة السياسية للسيطرة على عناصرها العسكرية والميدانية. فالذي رفض الهدنة التي أعلنتها فتح من جانب واحد في خضم المعركة وبعد أن بدا واضحا اتجاهها لخسارتها لم تكن القيادة العسكرية لحماس، بل إن الرفض جاء على لسان ناطق وقائد سياسي بالحركة، هو فوزي برهوم. أيضا وخلال فترة الحسم العسكري، اختفت تقريبا قيادات حماس السياسية الكبيرة عن الساحة وغابت تصريحاتها، وكان من الواضح أن ذلك إنما يجيء في سبيل إعطاء فرصة كاملة للجناح العسكري لإنجاز المهمة التي أوكلت إليه بدحر “الانقلابيين”، كما تسميهم حماس. بل إن رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، لم يخاطب وسائل الإعلام إلا يوم الجمعة (15/6)، أي بعد أن أحكمت حركته سيطرتها التامة على قطاع غزة. وفي ظهوره ذاك، دعا مشعل حركة فتح إلى الحوار، مؤكدا أن المعركة في غزة لم تكن موجهة ضد حركة فتح، وإنما إلى تيار داخلها سعى دائما إلى إجهاض مبادرات الوفاق الوطني عبر تحكمه بالبنية القيادية للأجهزة الأمنية، والتي تمثل صميم المشكلة. وأكد مشعل تمسك حركته بحكومة الوحدة الوطنية بعد معالجة الملفات العالقة، وخصوصا الملف الأمني، إلا أن رد فتح-والتي كانت تشعر بالإهانة- جاء بالرفض على لسان مستشار عباس، أحمد عبد الرحمن.
ولنعد مرة أخرى إلى السؤال حول دافع حماس للحسم عسكريا في قطاع غزة هذه المرة.
لقد كتب الكثير وقيل أكثر حول مشروع أمريكي إسرائيلي وبعض عربي وبعض فلسطيني كان يطبخ على نار هادئة لمدة أكثر من عام للإطاحة بحكومة حماس المنتخبة، ولإجهاض قوة الحركة ذاتها في قطاع غزة. وكانت التقارير حول تفاصيل هذا المشروع تجد طريقها إلى صفحات الجرائد الأجنبية والعربية، بما في ذلك الأمريكية والإسرائيلية، نقلا عن مصادر مطلعة. وكان واضحا من تلك التقارير المتسارعة وحجم المعلومات المتوافقة التي احتوتها أن ساعة الصفر للتحرك والحسم مع حركة حماس قد تمّ ضبطها في أشهر الصيف القادمة، وغالبا في شهر تموز/يوليو القادم.
حماس بالتأكيد لم تكن غائبة عن هذه المعلومات. كما أنها لم تتعامل معها على أساس أنها إشاعات إعلامية، كيف وهي ترى بأم عينيها عبر معابر القطاع مع إسرائيل ومصر، شاحنات الأسلحة تلك، بما فيها شبه الثقيلة، تدخل ليلا ونهارا باتجاه الأجهزة الأمنية الفلسطينية المحسوبة على الرئاسة وفتح؟. فضلا عن تلك المعلومات التي أشارت إلى أن دحلان كان يقوم بتكوين جهاز أمني آخر من الموالين له وللرئاسة مائة بالمائة، والذين كانوا يرسلون بالمئات للتدريب في دول عربية كمصر. أضف إلى ذلك سعي الإدارة الأمريكية مرة أخرى عبر وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس، والمبعوث العسكري الأمريكي إلى المنطقة، الجنرال كيث دايتون، لدى الكونغرس للمصادقة على تخويل الإدارة بإنفاق عشرات الملايين من الدولارات على بناء الأجهزة الأمنية التابعة لعباس. ففي إعلانها يوم الاثنين (18/6) عن قرار الإدارة الأمريكية رفع الحصار عن حكومة الطوارئ الفلسطينية، التي شكلها أبو مازن، برئاسة سلامة فياض، تقول رايس بما لا لبس فيه: “وكنا قد حددنا في السابق ما يصل إلى 86 مليون دولار لدعم جهود الرئيس عباس في تشكيل قوات أمن مسؤولة. والآن، وفي ضوء الحكومة الفلسطينية الجديدة، سنعمل مع الكونغرس لإعادة هيكلة تلك المساعدة بحيث يمكن استخدامها بشكل فعال”.
أما صحيفة “يونغافيلت” الألمانية فأشارت في تقرير لها نشر يوم الخميس (14/6) إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترة طويلة لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية وتحريض تيار موال لها داخل حركة فتح على القيام بتصفيات جسدية لقادة الفصائل العسكرية لحركة حماس. وقال المعلق السياسي للصحيفة فولف راينهاردت إن هذا الاتهام مبني على أقوال لا تحتمل اللبس أدلى بها مسؤول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في إسرائيل الجنرال كيث دايتون أواخر مايو/أيار الماضي أمام جلسة استماع في لجنة الشرق الأوسط بالكونغرس الأمريكي.
وأوضح راينهاردت أن دايتون اعترف أمام اللجنة بوجود تأثير قوي للولايات المتحدة على كافة تيارات حركة فتح، وذكر لأعضاء اللجنة أن الأوضاع ستنفجر قريبا وبلا رحمة في قطاع غزة. ولفتت صحيفة “يونغافيلت” إلى تأكيد الجنرال دايتون لرئيس لجنة الشرق الأوسط بالكونغرس السيناتور غاري أكرمان على إلقاء وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي . آي . أي) بكامل ثقلهم خلف حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل داخل حركة فتح. ونقلت الصحيفة عن دايتون قوله إن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضد حماس مثل ويمثل خيارا إستراتيجيا للإدارة الأمريكية الحالية. وأشارت إلى نجاح الجنرال دايتون في الحصول من الكونغرس على مبلغ 59 مليون يورو لتدريب حرس عباس الرئاسي في مصر والأردن منذ عام 1996 وإعداده لخوض مواجهة عسكرية ضد حركة حماس. ونوهت الصحيفة إلى أن التيار الأمريكي الإسرائيلي داخل فتح لم ينجح رغم كل الدعم السخي المقدم له في كسر شوكة حماس جيدة التنظيم والتسليح عبر القتال المباشر.
وقالت إن هذا الفشل دفع وكالة (سي. آي. أي) لاستدعاء خبرتها السابقة في جمهورية السلفادور وتوجيهها الأطر الفتحاوية التي تحركها لتشكيل فرق موت لاغتيال قادة وكوادر حماس. وتحدثت يونغافيلت عن وجود خيوط كثيرة تربط بين فرق الموت والحرس الرئاسي الفلسطيني الذي يشرف عليه النائب في فتح محمد دحلان. ونسبت الصحيفة إلى خبيرة التخطيط السياسي بالجامعات الإسرائيلية د. هيجا باومجارتن قولها إن دحلان مكلف من وكالة الاستخبارات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى بتنفيذ مهمة محددة هي تصفية أي قوى مقاومة لإسرائيل داخل وخارج حماس.
ليس هذا فحسب، بل إن وكالة رويترز وفي تقرير لها أعده مراسلها من القدس المحتلة آدم أنتوس، ونشر يوم الأحد (17/6) تحت عنوان: “بعد غزة… من كان يسعى للإطاحة بمن؟”، يشير بوضوح إلى أن الخطة الأمريكية كانت بدأت قبل عام على الأقل لتمهيد الطريق أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس للإطاحة بالحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس. بل وأبعد من ذلك حيث ينقل التقرير عن “مصادر غربية وإسرائيلية وفلسطينية رسمية في مطلع الأسبوع إن إعلان عباس حالة الطوارئ وتنصيب سلام فياض الذي يتمتع بقبول لدى الغرب مكان رئيس الوزراء المنتمي لحماس لم يكن مجرد رد على هجوم حماس بل جاء تتويجا لشهور من المشاورات والتخطيط وراء الستار وتحريض الولايات المتحدة”. ويذهب التقرير إلى القول: “وفي نهاية الأمر كان الضغط على عباس للعمل ضد حماس بنفس القدر من داخل حركة فتح إن لم يكن أكبر من ضغط واشنطن التي تحاول التقليل من أهمية دورها”. مضيفا: “ولا يمكن أن يقال أن أمرا كهذا كان بمثابة مفاجأة سيئة للأمريكيين إلا الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن سيطرة حماس على كل قطاع غزة وذهبت أدراج الرياح خطط الولايات المتحدة وحلفائها لبناء قوات عباس في غزة في مواجهة حماس. ويرى كثير من المسؤولين والمحللين الغربيين أن الهجوم كان ضربة وقائية وجهتها حماس قبل أن تتمكن واشنطن من بناء فتح.. هناك عناصر قوية داخل حماس رأت أن الوقت ليس في صالحهم”. وينقل التقرير عن إدوارد أبينجتون مستشار عباس والقنصل الأمريكي السابق في القدس، منذ وقت طويل والعضو في جماعات للضغط في واشنطن، أن إدارة الرئيس بوش أبلغت الرئيس الفلسطيني بنواياها بعد قليل من فوز حماس في الانتخابات في مطلع عام 2006.
وأضاف أنه جرى إبلاغ عباس بأن “حماس منظمة غير مشروعة وأنهم يفعلون كل ما يستطيعونه لإجبارها على ترك السلطة”. وحكى أبينجتون عن اجتماع عقد في تموز/ يوليو العام الماضي قائلا “ذكر لي (عباس خلاله) أن الأمريكيين يحثونه على حل الحكومة وتشكيل حكومة طوارئ. إلا أنه رفض أن يفعل ذلك لأنه سيؤدي إلى حرب أهلية. لم يكن يريد الدخول في مواجهة لكن
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...