الأحد 11/مايو/2025

مهمات الإعلاميين بين كشف الحقائق وممارسة التضليل !!

كمال جابر
من أعيب العيب أن يمارس الإعلامي دورا تضليليا على حساب الحقيقة الواضحة..، سواءُ أكان التضليل صريحا أو مُقَنعا ، وسواء أعلم هذا الإعلامي بأنه يمارس التضليل عن قصد أو دون قصد على افتراض أن المعطيات التي ينطلق منها غير صحيحة أو ناقصة أو مشوهة ،،ففي هذه الحالة تكون الإساءة التي يرتكبها الإعلامي أكبر بكثير وذات مردود سلبي باتجاهات متعددة ، لأن مهمة الإعلامي الأولى هي البحث عن الحقيقة وإعلام الناس بها أولاً وليس بناء الأحكام على مغالطات ومن ثم ترويجها وكأنها حقائق لا تقبل النظر ، ولأن الإساءة في مثل هذه الحالة تتعدى الحقيقة المجردة الى إساءة تطال وعى المتلقي فضلا عن وقوع الإعلامي نفسه في دائرة الإساءة للذات عند ممارسة التضليل وخلط الحقائق الدامغة بالخزعبلات الموهومة.

فالأحداث المجردة بتفاصيلها وتداعياتها والتي يتناولها الإعلاميون بالدراسة والتعليق والتحليل تعتبر المرتكز الأساسي بلا شك في تحديد شكل التعليق على الأحداث الجارية وطبيعة التوقعات التي يتم تسجيلها وبناء الأحكام النهائية حولها ولكن في الحقيقة هناك مرتكزات اخرى تؤثر بشكل واضح في طريقة تناول الاعلامي للأحداث ،ويبدو سلطانها واضحا على الكثير من الإعلاميين الذين يقعون في فخ التناقض مع انفسهم مرة بعد مرة ،، بعض هذه المرتكزات تتمثل بالخلفية الفكرية التاريخية لمن يتصدى للتحليل والنظر ووصف ما يجري ، إذ لا يستطيع الاعلامي الانفلات من تيار المؤثرات المطبوعة في الوجدان ، فتجد اسلوب الرصد والتوصيف للأحداث لا يخلو من معطيات تدعو للضحك لأنه ينتهي الى مسامع المتلقى المديح والذم لجهة بعينها في سياق عبارة واحدة ، أو الاشادة والاعتراض على جهة اخرى في العبارة التي تليها ، وهذا أكبر مثال على ان الموقف النهائي لكثير من الإعلامين غير واضح وغير محسوم ، كون اكثرهم يقع تحت طائلة مؤثرات عديدة تتنازعهم وتجذبهم باتجاهات بعيدة عن جوهر البحث عن الحقيقة عدا ..(الاحداث المجردة) لتملي عليهم تبني موقف واضح تجاه تيار الأحداث المتسارع وسيال الحياة المتدفق ..!!!

فتيه الوعي الذي يعانيه بعض الإعلاميين ، والفشل في توصيف الواقع وما يضطرب فيه من أحداث ، والقصور عن رؤية الخلل بعينه ووضع اليد عليه مباشرة ، والإشارة إليه بثقة واثقة ، تجعلهم يعبرون عن هكذا ازمة بالهروب الى الأمام عبر إطلاق عبارات ليس لها اي مفعول إيجابي يذكر في إصلاح الوضع الذي يتحرقون خوفا وأسفا عليه ،، فترديد عبارات الشعور بالخزي للإنتماء لهذا الشعب تُعبر عن الخطاب الاعلامي المأزوم والمُحَاصر بجملة من وقائع العجز والتخلف عن مواكبة المسؤوليات الملقاة على الكواهل .. والتي تقتضي فضح المتآمرين دون مواربة بدل رمي الشعب كله بالسوء للتغطية على شرذمة مأجورة تعمل لصالح أجندات معادية بشكل مكشوف

فالمهمة المقدسة للإعلامي تقوم على أساس تجلية الحقيقة والإبانة عن خيوط النور المحجوبة خلف ظلمات المصالح أو الأهواء والرغبات والأحكام المسبقة ، أو ضيق الآفاق والقصور عن استيعاب ما يجري والقدرة على هضم الأحداث المتسارعة بسرعة البرق !! كما أن العمل الإعلامي هو ممارسة تفاعلية مع الحدث بلحظته الراهنة وغير منفصلة عن السياقات التاريخية السابقة له والمقدمات المصاحبة التي أنتجت هذا الحدث على هيئته الدقيقة ، وحتى يكون الإعلامي قادرا على مواكبة الحدث وتفهمه ومؤهلا للتحليل وإصدار الفِتيا السياسية فيما يجري لا بد له من أن ينعتق من سلطان الأحكام المسبقة والأهواء والتي تفرض عليه أن ينظر لإحدى مفردات المشهد بعين واحدة وهي نصف مغلقة ، بينما يتم تسليط الضوء على جزء آخر من المشهد عبر العدسات المكبرة بمساعدة حزم الإنارة الساطعة ،،

وحتى يكون الإعلامي موضوعياً ومنصفاً لا بد له من ان يتحرر من عقدة الانتصار للذات التي تخطيء التحليل والتوقع واستشراف المستقبل ، فعندها تكون ممارسة التضليل وخلط الأوراق وتشويه الحقيقة مطلبا تمليه المصلحة الشخصية ، ذلك لأن قول الحقيقة على لسان هذا الإعلامي او ذاك إنما يعني الاعتراف بفشل تحليلاتهم وتوقعاتهم وانكشاف هشاشة الارضية التي ينطلقون منها أثناء ممارسة مهامهم الإعلامية والتي تقوم على ظاهرة الردح المأزوم الخالي من المضامين الحقيقة ..!!

فالإعلامي الذي لا يمارس عمله بمهنية تقتضي الانحياز الى الحقيقة المجردة دون النظر لأي اعتبار مصلحي آخر ، يخسر عندها وصفه كإعلامي ناجح وموضوعي ، ويصبح بوقا إعلاميا يكرس نفسه وجهده لقول نصف الحقيقة وطمس نصفها الآخر ، حتى لا يخسر موقعه واسمه في سوق الإعلام الرائج ،، أو نصيبه في ممارسة التهريج الإعلامي والردح الذي يستهدف إثارة المشاعر حتى وإن تم استصحاب هذا التهريج وذاك الردح بأجزاء مبتورة من الحقيقة التي يتوق الناس لسماعها ، وذلك لإضفاء المصداقية على التوجه العام والأفكار الكلية التي يتم الترويج لها ، عبر الإقرار ببعض الحقيقة على الأرض ،، وهذا هو التضليل المقنع والأكثر خطورة على وعي المتلقي وصاحب الشأن ..!!

فبعض الأبواق الإعلامية تمارس التضليل كهواية محببة، بينما يمارسها البعض كمهنة لا يمكن التخلي عنها، أو تجاوزها لتصبح إدمانا لا يقل عن إدمان حب الظهور الإعلامي في وسائطه الكثيرة لأجل الظهور فقط ..وكل ذلك لا يكون إلا على حساب الحقيقة ،، التي لن يخدمها إلا الإعلام المنهجي الحر المتحرر من القيود والأهواء وقصور النظر ، وعليه فعلى إعلاميينا أن يختار احدهم ما بين أن يكون إعلامياً مهنياً ناضجا ! أو بوقا في سوق الإعلام المتلاطم !!!!

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات