الأحد 11/مايو/2025

أبطال حرية غزة بين الدولة والثورة

رشيد ثابت

مسؤولية الموقف وثقل اللحظة وعظمة المرحلة الحاسمة في غزة تحتم على الإسلامي المحب أن يسارع إلى التفكير في الطريقة المثلى للملمة الأوضاع هناك؛ والشروع في العصف الذهني العارم للوصول إلى إعادة تركيب النظام فيها؛ وتقديم المثال الفلسطيني الإسلامي القدوة لا على مستوى فلسطين وحسب؛ ولا على مستوى الساحات العربية والإسلامية التي تشتعل فيها المقاومة؛ بل على مستوى المنطقة العربية كلها.

ولا يظن أحد أبدا أن دوافع هذه الحاجة للعصف الذهني تتعلق بالإحساس بالحاجة لإثبات الذات بين من هم حولنا؛ فهذا أمر هين؛ ولا يحتاج كثير جهد؛ ولو تكلم المتكلمون والمحللون من دول الإقليم عن مخاوفهم مما ستؤول له الأوضاع في غزة متحججين بشتى الحجج! فهم مهما زوقوا كلامهم وحشدوا الحجج والأرقام والمعطيات عن مخاطر ما ستصير له أحوال غزة؛ والمخاوف من عدم نجاح الإسلاميين في العمل فيها؛ فإنهم لن ينجحوا في خداعنا أو في رسم صور وردية لدولهم الكرتونية؛ وأنظمتهم الأمنية المخابراتية القمعية التي تقهر الناس؛ وإداراتهم الفردية المركزة في يد شخص أو حفنة أشخاص يرتعدون خوفا كلما سعل في أمريكا مسؤول من الدرجة العاشرة!

كلا؛ فما نحن بصدده أكبر من هذا بكثير! نحن بصدد الحرص على انجاز يناسب همة الإسلاميين العالية؛ ويتفق مع طموحات القمم الشوامخ من أعلامها؛ والنفوس العملاقة السامقة لأبناء الدعوة الإسلامية وجنودها من حسن البنا إلى أحمد ياسين. نحن نريد للحركة الإسلامية أن تقيم نظاما يثأر للعقل العربي الإسلامي من كل المجرمين الذين سرقوا انتصارات المقاومة والجهاد الإسلامي في مرحلة التحرر الوطني في كل الأوطان العربية؛ وباعوا منجزات عمر المختار وعبدالكريم خطابي والمهدي ورشيد عالي الكيلاني لحفنة من الأمراء والضباط والساسة المرتشين والمنحرفين. نريد أن نساعد حركتنا في أن تثأر عمليا لمن سرقوا شرعية التمثيل من الإسلاميين على الدوام؛ وقتلوا الديمقراطية في بلادهم حرصا على الديمقراطية؛ وحرموا الشعب من حكم اليد الوضيئة؛ والجبين الأغر المحجل!

وأول الملفات التي تستحق من شباب الحركة الإسلامية وقادة النصر الغزي التوقف وتقديم خطط ومشاريع الحلول الناجعة وتطبيقها على الأرض هو الملف الأمني. فغزة تشتاق لحياة آمنة لا يفجر فيها فجرة؛ ولا تعيث فيها فرقة الموت فسادا. هذا الشق وإن تحقق قسم كبير منه للآن بحمد الله يحتاج متابعة من الإخوة حتى يتم تطهير القطاع من كل أعداء أهله على المستوى الوطني؛ وليتم فرض النجاح على مستوى الأمن الاجتماعي ما بين مكافحة المخدرات؛ وإنهاء فكرة أجهزة الأمن العائلية؛ ونحو ذلك.

هذا على صعيد الجوهر؛ أما على صعيد الشكل فلا بد من إنهاء مظاهر عسكرة الشارع؛ ولا بد للمقاومة والفصائل الجهادية من العودة للعب دورها الطبيعي في الرباط والإعداد للاجتياحات وغزوات ومعارك المقاومة؛ في حين يسلم الأمن لأجهزة رسمية يعاد بناؤها وتكون القوة التنفيذية واسطة عقدها؛ ويختفي من المشهد المدني كل السلاح الثقيل؛ ويعود سلاح المقاومة لمكانه؛ وكل المظاهر المسلحة غير المنتمية لأجهزة دولة نظامية بزي عسكري موحد تتراجع لمصلحة منظر مدني؛ وحياة طبيعية في غزة يستعيد فيها السكان توازنهم؛ ولا يرون فيها الحواجز المسلحة في كل مكان؛ ولا يرون فيها منصات السلاح الثقيل في كل مكان؛ ولا يرون فيها الملثمين والقناصة وأي مظهر مسلح عسكري فوق الاحتياجات الشرطية المدنية العادية؛ إلا في الإطار العسكري الواضح لخدمة قضية المقاومة.

إن أهل غزة عانوا على الصعيد المادي في دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ وعانوا من ضوضاء ورهاب قهقهة المدفعية والرشاشات؛ ولا بد أن انجازات القسام الأخيرة ستسهم في إنهاء هذه المعاناة. لكن هناك الشق الآخر من المعاناة وهو المتمثل في غياب الصبغة المدنية للحياة؛ وحق لنا الآن بعد أن طهرنا غزة أن نكافئ الغزيين بمنحهم فرصة الحياة في جو مشرق لا وجود مسلح فيه إلا لأجهزة حفظ الأمن؛ أو لأجهزة المقاومة حين يدعو الداعي ويعلو صوت النفير.

فظائع فرقة الموت والفئة الباغية لا تنتهي؛ ويمكن كتابة المطولات في سلوكهم المنحرف؛ لكن في رأيي المتواضع فإن حجر الزاوية في انحرافات هذه الجماعة الضالة المغضوب عليها هو أنها تغلب سلوك العصابة وأجهزة الأمن على سلوك الدولة. هذا ما تفعله الآن في الضفة؛ وهذا ما فعلته في غزة حتى داوى وساوسها القساميون الأبطال. ولذلك؛ وحتى يتحقق نصر سياسي يعضد النصر الكاسح أمنيا وعسكريا؛ فعلى الحركة الإسلامية أن تضرب لهؤلاء المفسدين الذين فجروا على طول تاريخهم في شوارع عمان وبيروت وغزة ورام الله وجنين – أن تضرب لهم مثالا في المؤسسية؛ فتعود القوات العسكرية إلى قواعدها؛ ويسلم المشهد المدني للدولة؛ ويغيب حضور الثورة من الأفق. بهذا تضرب غزة مثالا يعز نظيره لا بين مدائن الضفة وحسب؛ بل على مستوى المنطقة والإقليم

وفي نفس السياق يغدو الإفراج عن الرهينة الغربي “آلان جونستون” ضروريا جدا. فاختطاف هذا الرجل الذي لا يشكل هدفا مشروعا؛ وحجز حريته وفق أجندة تقدم الخاطفون فيه بخليط عجيب من الطلبات؛ بين العقار؛ والمال؛ والتمحك البارد الفج بمطالب ذات شكل إسلامي – هذا الاختطاف لا يخرج عن نطاق فريق الخمسة بلدي؛ ومنهجية الخمسة بلدي؛ وفطنة المؤمن وكياسة الإسلامي تفرض عليه أن لا ينخدع لمن يريد استدراجه بأدوات ظاهرها إسلامي؛ وباطنها وقائوي خالص؛ نعرفه من لحن القول؛ ونفس النكهة البائسة لمخرجات عقلية أجهزة الأمن والعصابة!

إن غزة أمانة بين يدي حماس والقسام؛ وحق على كل الأجهزة الدعوية والثقافية والسياسية في الحركة أن تصون منجز الجناح العسكري؛ وتقدم لهذا الجناح ولجمهور غزة مشروع دولة ونظام مؤسسي؛ يريح العسكريين من عناء إدارة شؤون الحياة؛ ويفرغهم للإبداع في ثكناتهم وثغورهم؛ ويقدم لأهل غزة سلعة غالية طال انتظارها: سلعة الأمن والاستقرار والطمأنينة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....