مراسيم عباس المتسرعة .. مغالطات واضحة وتداعيات خطيرة

ويُحذِّر هؤلاء المراقبون من عواقب هذا التسرّع التي يقع في شركها رئيس السلطة الفلسطينية، والتي دفعته لإقالة حكومة الوحدة الوطنية، وفرض حالة الطوارئ، بل والأمر فوق ذلك بتشكيل حكومة إنفاذ حالة الطوارئ، على خلفية التطورات الأخيرة في قطاع غزة والضفة الغربية، مع ما يستدعيه هذا التسرّع من انعكاسات وتداعيات خطيرة في المراحل المستقبلية، كما يشيرون.
تراجع سابق
ويعيد المراقبون إلى الأذهان أنه سبق لعباس قبل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أن قام بإصدار قرارات تدعو لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، ثم ما لبث أن تراجع عنها في وقت لاحق. ومن قبل؛ فإنّ بقاءه في منصب رئيس الوزراء في عهد سلفه الراحل ياسر عرفات لم يستغرق أكثر من مائة يوم في تصرّف محفوف بالتردد والمسارعة إلى الانكفاء على الذات لمجرد أنّ عرفات أخذ يقلص من صلاحياته العملية.
وبقراءة سريعة لردود الفعل والملاحظات التي تلت اتخاذ قرارات الخميس (14/6)؛ يتضح أنها تعاني من جملة إشكاليات أهمها: وقوعها في مخالفات دستورية وقانونية صريحة، وعدم حسابها للعواقب التي قد تنبني عليها بما في ذلك الإضرار بالمصلحة الوطنية، والنظرة الأحادية التي تتسم بها بعيداً عن التوافق الوطني، وتحاشيها للشراكة الحزبية والسياسية التي صارت واقعاً لابد من فهمه والتعامل معه خصوصاً بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، فضلاً عن كونها غير عملية وتسعى إلى تعقيد الأمور أكثر من البحث عن حلول لها.
مغالطات دستورية وقانونية
في الجانب الدستوري؛ أقر الدكتور أحمد بحر رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، بحق الرئيس بإقالة رئيس الوزراء كما نص القانون الأساسي، لكنه نفى أن يكون هناك شيء في هذا القانون اسمه “حكومة طوارئ”، أو “حكومة إنفاذ حالة طوارئ”. وقال بحر “إن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية إذا أقالها عباس تظل حكومة تسيير أعمال حسب القانون في المادة 79، الفقرة الرابعة، فهناك مغالطة، في القانون ذكره مرسوم الرئيس عباس”، وفق تأكيده.
وأكد رئيس المجلس التشريعي بالإنابة أنّ ما هو واضح تماماً في القانون الأساسي هو أنه “لا يمكن لأي حكومة أن تُعتبر شرعية؛ إلاّ إذا نالت الثقة بالمجلس التشريعي قبل ممارسة مهامها”.
وفي الاتجاه نفسه؛ يرى قانونيون أنّ فرض حالة الطوارئ في الإطار الزمني ليست مطلقة، وإنما هي محددة، وبحسب تصريحات أدلوا بها لوكالة “قدس برس”؛ فإنّ مدتها 30 يوماً، و”يتوجب بعدها الحصول على موافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه”، وهو ما يتعذر الحصول عليه برأيهم في ظل الغالبية التي تسيطر عليها حركة “حماس” في المجلس النيابي.
وعلى هذا الأساس؛ قال سامي أبو زهري الناطق باسم حركة “حماس” إنّ “الحكومة المقالة ستظل حكومة تسيير أعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة”، معتبراً بناء على ما سبق أنّ قرارات عباس “ليس لها قيمة عملية”.
تعقيدات الملف الأمني
واتساقاً مع الرؤية القانونية التي ترى في الحكومة “المُقالة” حكومة تصريف الأعمال؛ أكد رئيس الوزراء إسماعيل هنية في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب مراسيم عباس أنّ “الحكومة الفلسطينية القائمة سوف تمارس عملها على أكمل وجه، ولن تتخلى عن واجبها تجاه الشعب الفلسطيني”.
وأعاد هنية إلى الأذهان أنّ “وجودنا في الحكومة جاء بإرادة شعبية، جاء بإرادة وطنية، وعبر صناديق الاقتراع”.
أما في الجانب الأمني فإن قرارات الرئاسة الفلسطينية المتعلقة بفرض حالة الطوارئ وفقا للمراقبين لم تعالج سبب المشكلة الرئيس في قطاع غزة ولا يُتوقع منها ذلك، وقصد بذلك أسباب التوتر التي سادت بسبب تعقيدات الملف الأمني والتي لخصها رئيس الحكومة بالإشارة إلى عملية الإفشال المنهجية التي مورست بحق حكومة الوحدة الوطنية وخطتها الأمنية، وبتورّط قيادات بالأجهزة الأمنية، ذكر منهم بخاصة رشيد أبو شباك الذي قاد جهاز الأمن الوقائي.
ولفت هنية الانتباه في هذا الصدد إلى تفاقم الاعتداءات بحق المواطنين الفلسطينيين وحكومتهم، مشيراً إلى أنّ “النقلة الأخطر” جاءت بدخول قوات أمن الرئاسة والأمن الوطني إلى جانب ما يسمى “تنفيذية فتح”، وجرى بموجب ذلك ارتكاب جرائم دامية وعمليات قتل على الهوية وحتى بسبب اللحية، وقتلوا العلماء وأئمة المساجد، وشاركوا في عمليات النهب والسرقة، واقتحموا منازل المواطنين.
إهمال الاتصالات والحلول السياسية
وأوضح رئيس الوزراء الفلسطيني أنه “للأسف لم يَجر ضدهم (تلك المليشيات) أي إجراءات أو عقوبات أو تدابير، إلى أن وصل الأمر إلى إطلاق النار على مقر الحكومة خلال جلسة اجتماعها الأسبوعي”، وإطلاق القذائف على منزل رئيس الوزراء واستهداف أفراد حراسته، منوها بإنّ ممارسات تلك المليشيات دفعت “الناس لردّات فعل”، خاصة مع التمادي في أعمال القتل على الهوية واستباحة المساجد وترويع المواطنين.
وكان بإمكان محمود عباس على سبيل المثال لا الحصر، ومن خلال الاتصالات السياسية التي كانت جارية مع الوفد الأمني المصري من قبل كل من حركتي “فتح” و”حماس”؛ تطويق التصعيد الأمني وفق رؤية “حماس” والتي أكدت على منح الصلاحية الأمنية لوزير الداخلية، وإخضاع كل الأجهزة الأمنية تحت سيطرة الوزارة، وإعادة صياغة الأجهزة الأمنية وفق أجندة وطنية، مع توفير ضمانات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين حركتي “فتح” و”حماس” أو من خلال ورقة عمل مشتركة يمكن أن يقرّها الجانبان.
كيانات مقسمة
ويخشى مراقبون أن تسهم مراسيم رئيس السلطة في تأزيم الأوضاع على نحو لا رجعة فيه، وتؤدي إلى تقسيم الوجود الفلسطيني إلى كيانيْن في كل من غزة والضفة الغربية. ويشير هؤلاء في هذا الصدد إلى التصريحات التي صدرت عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، التي وفرت غطاءً سياسياً يدعم توجّه عباس والتيار الإنقلابي في “فتح” لمواجهة “حماس”، ومحاولة تصوير ما حدث في غزة كأنه انقلاب على الشرعية في الأراضي الفلسطينية، رغم أن الحكومة الحالية تحظى بدعم 96% من الشعب الفلسطيني بحسب تصريحات رئيس الوزراء هنية. ويحذِّر أولئك المراقبون من أنّ هذا الدعم ربما يكون بمثابة توريط لعباس وفريقه من حيث يدري أو لا يدري.
كما يتخوّف المراقبون من مخطط فتنة جديد بدلاً من إحلال لغة الحوار والتوافق الوطني، في ظل وجود خلافات وتباينات بين الفصائل الفلسطينية، خصوصاً بعد أن أخفق مخطط الاقتتال الأهلي الذي حاول الأمريكيون إشعال فتيله على مدار السنة ونصف السنة في قطاع غزة منذ فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية، وذلك بدعمهم طرفاً على حساب الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، بالسلاح والعتاد والمال من خلال “خطة دايتون” وغيرها، والتي أخفقت كما أثبتت التطورات الأخيرة على الأرض.
ولعل ما سبق هو ما دفع رئيس الوزراء الفلسطيني إلى التنبيه لحقيقة أنّ “الوضع القائم في الساحة الفلسطينية لا تصلح معه قرارات منفردة على هذا الشكل وبعيدة عن التوافقات الوطنية”، معتبراً أنّ المحيطين بعباس لم يقرؤوا آثار القرارات التي جرى الإعلان عنها ليل الخميس.
مصير مشترك
ويتساءل مراقبون عن أسباب التسرع التي صارت السمة الغالبة لتصرفات عباس، وطابع التخبّط الذي يطغى على قرارته، ويرى بعضهم أنه لم يعد له من خيار سوى أن ينفذ رغبات الفريق الانقلابي في حركة “فتح” ورغبات الجانب الأمريكي الذي يهيمن بشكل متزايد على مقاليد الأمور في “رام الله الرسمية”، بعيداً عن فعالية هذه القرارات أو آثارها الخطيرة، وذلك بعد أن ربط مصيره بمصير الفريق المحيط به منزوع الشعبية والشرعية.
كما يشير المتابعون في هذا الصدد إلى أنه لم يعد لعباس وللتيار الإنقلابي من سبيل سوى إعلان الحرب على “حماس” والتخويف من شرورها (الورقة الأصولية)، وخلط الأوراق على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، بعد أن أخفق هو ومن معه في إقناع الصهاينة بإمكانية قدرتهم على وقف المقاومة وصواريخها نحوهم، وبعد أن منوا بشر هزيمة في غزة رغم دعمهم أمريكياً من خلال” دايتون” بالسلاح والعتاد والمال.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...