الأحد 11/مايو/2025

غزة: أسر تصف عصابات إحراق المنازل وتفجيرها باسم رئاسة السلطة

غزة: أسر تصف عصابات إحراق المنازل وتفجيرها باسم رئاسة السلطة

حرق وتدمير، تكسير وتفجير، سرقة ونهب وتعذيب. تلك هي الوقائع المروِّعة التي مورست بحق منازل الشهداء والمواطنين في منطقة تل الإسلام “تل الهوى” وساكنيها، وخلال ساعات خلت، على أيدي عصابات انقلابية تعمل تحت لافتة رئاسة السلطة الفلسطينية.

فقد تم في واحدة من أحدث هذه الوقائع؛ إحراق اثني عشر منزلاً للمواطنين الفلسطينيين وتدمير العديد من المحلات التجارية، دون السماح للمتضررين بأخذ حتى أوراقهم الخاصة التي تثبت شخصيتهم.

إنها المشاهد والأحداث التي تعود بذاكرة المواطنين إلى ما كان يقوم به الاحتلال الصهيوني من قصف لمنازل المواطنين والمجاهدين، إلاّ أنّ الفرق هنا هو أنّ الاحتلال كان يطالب قبل نصف ساعة من القصف صاحب المنزل بإخلائه، أما اليوم فإنّ تفجير المنازل على ساكنيها وإحراقها بمن فيها، يتم على عجل، وذلك بإشراف من المدعو سميح المدهون الذي يعمل بغطاء من رئيس السلطة محمود عباس.    

نسف والمنازل وإحراقها

لا تصدق العيون ما تراه في منزل الشهيد القسامي محمد أبو كرش، والانطباع الأول الذي يرد إلى الأذهان هو أنّ زلزالاً حدث في هذا المكان الذي كانت تزينه استعدادات الشهيد للزفاف، وصوره الملصقة على الجدران. ولم يتمكن حتى جيران المنزل من التعرّف على معالمه الآن، حيث النيران على كل شيء فيه وتحوّل إلى بقايا من الرماد الأسود والجدران المشققة وأرض محروقة. وفي هذا المكان يمكن معاينة مصاحف شريفة ملقاة على الأرض ولم يَبقَ من ورقها سوى القليل.

من جانبه؛ فإنّ الحاج أبو رامي أبو كرش، والد الشهيد محمد، يسرد ما حدث بالقول “في تمام الساعة الثالثة والنصف من فجر اليوم (الأربعاء 13/6) استيقظتُ على أصوات إطلاق النار والانفجارات التي كانت على بوابة المنزل، لأُفاجأ بحوالي ستين من الملثّمين من ميليشيات فتح ويشرف عليهم سميح المدهون الذي يقف أمام المنزل من الخارج، وباشروا بتكسير الأبواب والشبابيك وإطلاق الرصاص في كل مكان، وصوّب سلاحه عليّ وأخذ يشتمني ويتلفظ بألفاظ نابية بحقي وبحق ولدي محمد رحمه الله دون توقف عن الكفر وسبّ الذات الإلهية” تعالى الله عما يقول.

وأوضح الوالد الفلسطيني المنكوب بأفعال تلك الفئة؛ إنّ أولئك العناصر عندما دخلوا غرفة الضيوف في المنزل رأوا صورة الشهيد محمد، وعلى الفور من ذلك قاموا بإطلاق النار عليها بكل جنون، وكأنّ شيئاً أصابهم. وتابع الأب “حينها أحسست أنّ قلوبهم مليئة بالحقد على محمد” نجله، وقال “لم يتركوا شيئاً إلاّ وأطلقوا رصاصهم عليه، أرائك وصور معلّقة، حتى “البوفيه” الذي جهّزه محمد قبل استشهاده لم يتركوه، فأخرجوا الكتب الموجودة فيه والمصاحف الشريفة وأحرقوها”.

وأكد أبو رامي، الذي لم يتمالك نفسه والدموع تذرف من عينيه بعد أزالوا كل شيء من أثر نجله الشهيد محمد قائلاً “بكل حقد اقتحموا غرفة الشهيد محمد التي جهّزها لنفسه قبل استشهاده استعداداً للزواج، وفتحوا الخزانة وأخذوا ملابس محمد وأعطوها لسميح المدهون، وقاموا بتكسير كل شيء فيها قبلما يقوموا برشها بمواد سائلة سريعة الاشتعال وأحرقوها”.

وأشار الوالد الفلسطيني إلى أنّ كلّ ذلك جرى أمام أعينهم وحدث دون الالتفات لدموع والدة الشهيد المريضة، ليقوم المعتدون بإخراج الأسرة والسلاح مصوّب على رؤوسهم دون السماح لهم بستر أنفسهم أو أخذ أي شيء لهم، وقال “حتى أنها (الأم) طلبت منهم كأساً من الماء فرفضوا ذلك، وبعدها أخرجونا تحت تهديد السلاح، وزوجتي المريضة لا تستطيع المشي إلا بصعوبة”.

وقال أبو رامي وهو يستذكر تلك اللحظات بألم “عندما أيقنّا أنهم سيحرقون باقي المنزل؛ طلبنا منهم إخراج أي شيء من أوراق ثبوتية وغيرها وستر أنفسنا، فرفضوا ذلك، حيث أننا خرجنا حفاة وبملابس النوم، ثم فتشوني وأخذوا الأموال التي كنت أحملها، وألقوا بي في الخارج دون رحمة”.

وأضاف الرجل المسنّ الذي لم يشفع له كبر سنه ومرضه “لم يكفهم ذلك، فأخرجوا كل الأجهزة الكهربائية الموجودة في المنزل، وقاموا بتكسيرها وإطلاق الرصاص على كل شيء فيها، ثم أخرجوا اسطوانة الغاز ووضعوها في منتصف المنزل، وألقوا بجانبها قنبلتين دون تفجير حتى تنفجر مع الأسطوانة، وانسحبوا من المكان”.

وأوضح أبو رامي أنّ ابنه الوحيد المتبقي له، رامي، نجا بأعجوبة من الموت المحقق، حيث أنه لاذ من عدوانهم في ثوانٍ قبل حضورهم، وخرجت زوجة ابنه وطفلتها مختنقتين جراء النيران التي بقيت مشتعلة لمدة ثلاث ساعات، لعدم سماح العصابات الانقلابية لأطقم الدفاع المدني بالوصول إلى المكان وإطلاق النار عليها.

وما زالت عائلة أبو كرش غير مصدِّقة ما رأته عيناها من أهوال، وتقول “ما الذي يريدونه منا؟! ألم يكفيهم قتل (محمد) فلذة كبدنا ونور عينينا .. حسبنا الله ونعم الوكيل”.

سرق ونهب

ما أن تأكد المدعو سميح المدهون وميليشياته أنّ النيران أتت على كل شيء في منزل الشهيد أبو كرش؛ حتى توجّه إلى منزل آل الزبدة الذي لا يتواجد فيه سوى النساء والأطفال، ورجل مسن ليس له حول ولا قوة إلا الله.

بوجه يلفّه الحزن والألم على ما أصابهم؛ تحدّثت سحر الزبدة قائلةً “بعدما انتهوا من منزل الشهيد أبو كرش جاؤوا إلينا، وفجّروا باب المنزل بالعبوات الناسفة واقتحموه بقذائف الآر بي جي، وقاموا بتكسير كل شيء عندنا وسرقة ما لدينا من أموال وذهب وهواتف نقّالة، ثم توجّهوا إلى الطوابق العليا ودخلوا شقة وعاثوا فيها فساداً، ولم يبق أي شيء على حاله”.

وفي تمام الساعة الرابعة فجراً، كما تواصل المواطنة الفلسطينية شرحها، “دخلوا علنا بالصواريخ وقذائف الآر بي جي، في البداية فجّروا الأبواب بالعبوات والقذائف، ومن ثمّ دخلوا علينا وعاثوا فساداً وسرقوا كل شيء، ثم توجّهوا إلى شقق إخواني شقة شقة، يعيثون فيها فساداً وخراباً، ويسرقون كل شيء فيها؛ أجهزة الكمبيوتر والأموال والذهب، وأطلقوا النار على خزّانات المياه ثم خرجوا”.

وأوضحت سحر أنهم بعد سرقتهم ونهبهم للمنزل؛ قاموا بتفجير سيارتين يملكونها، ولولا معية الله لأدى ذلك إلى حرق المنزل الملئ بالأطفال والنساء، وقالت “لقد أرعبوا الأطفال وروّعوا النساء وقاموا بضرب والدي رغم كبر سنِّه، وكذلك شقيقي الذي سبق وأن اختطفوه وعذّبوه دون رحمة، ومن ثم أخرجونا من المنزل لا ندري ما الذي يريدون فعله”.

وأشارت سحر الزبدة إلى أنّ بعض أفراد حرس الرئاسة وبعدما تم إخراجهم من المنزل تحدّثوا إلى تلك العناصر المهاجمة، “ولا ندري ما الذي قالوه لهم، وذهبوا من أمام منزلنا لنُفاجأ أنهم توجّهوا إلى محلات البيع الخاصة بنا – السوبرماركت – بجانب (منطقة) الأنصار، ونرى سيارات كبيرة تحمل ما بداخلها وتضعه في المنتدى (مقر رئيس السلطة حيث تمارس عمليات نقل المختطفين وتعذيبهم وقتلهم) وتعاود الذهاب، وبعد ذلك شاهدناهم وهم يقومون بتفجيرها (المحلات) وحرقها ونحن لا نستطيع فعل أي شيء”.

وأعربت سحر عن قلقها البالغ من عودة تلك العصابات مرة أخرى لإحراق المحلات المتبقية، ولم تملك سوى القول “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

محاولات متكررة

أما والد الشهيد محمد التتر، الذي كانت أيدي الغدر والخيانة قد قتلته في السادس عشر من أيار (مايو) من السنة الماضية، فقد استهلّ الحديث عن تجربته بالقول “حسبنا الله ونعم الوكيل .. أول من قُتل على أيدي الخونة ولدي محمد رحمه الله، وأرادوا أن يكون أول من يُنسَف منزله، إلاّ أنّ إرادة الله حالت دون ذلك”.

وأوضح “الحاج أبو مازن”، أنه وفي تمام الساعة الحادية عشرة تماماً قُرع جرس المنزل، وإذا بالجيران من آل أبو عمرة يقولون له “تعال إلينا فهناك أنباء عن نية بالهجوم على منزلكم” من جانب ميليشيات حركة فتح وانقلابييها.

وقد طلب الوالد من الجيران عدم التدخل في ذلك، إلاّ أنهم رفضوا وقالوا لوالد الشهيد “نحن على استعداد للدفاع عنكم ولن نسمح لهم بذلك”، وقال “جلست عندهم وأخذوا يقومون بإجراء اتصالات لإيقاف تلك الهجمة، وبعد محاولات عدّة أخبروهم أنه لن يحدث لنا بإذن الله إلا الخير، وعاد كلّ واحد منهم إلى منزله وقد صدّقوا ذلك، إلاّ أنّ ابنتي قالت: إنّ هؤلاء ليس لهم أمان وسيعاودون (محاولتهم)، وبقينا مستيقظين ولم نَنَم، وكان ظنّها في محله، حيث أنهم أتوا في تمام الساعة الثالثة من فجر يوم الثلاثاء (12/6) ونصبوا عبواتهم وجهّزوا أنفسهم لتفجيرها، ليقوموا بإطلاق قذيفتيْ صوت على المنزل قبل تفجير العبوات”.

وواصل والد الشهيد محمد، بقلب الشاكر لربِّه، قوله “حينها خرج آل أبو عمرة وتصدّوا لهم ومنعوهم من ذلك، وقالوا لهم إنّ المنزل يخلوا من الشبان ولا يوجد سوى الرجل المريض وشبه ضرير وابنتاه، فردّوا: أننا لا نريدهم وإنما نريد نسف المنزل، فحدثت مشادات كلامية بينهم وأطلقوا الشتائم والألفاظ النابية عليهم، إلاّ أنهم بقوا أمام المنزل حتى انصرفوا من المكان”.

ولم تتوقف المعاناة عند هذا الحدّ، فقد ظل القلق يخيِّم على عائلة الشهيد محمد من مغبة عودة تلك العصابات مرة أخرى، حيث أنّ المدعو سميح المدهون هدّد باستكمال عملية إحراق منازل المواطنين، فقد عادت تلك الميليشيات مرّة أخرى إلى نسف المنزل ولكنّ الله لم يُرِد ذلك، وقال والد الشهيد التتر “بعد عصر اليوم (الأربعاء) جاء أحد الأطفال بعدما سمع من الميليشيات التي قامت بحرق مبنى وزارة الزراعة بأكمله قولهم: لنتوجه الآن إلى منزل التتر، وجاءوا إلينا، وهنا وقف مرة أخرى آل أبو عمرة وأخذوا بإجراء اتصالاتهم مع أشخاص مقرّبين من المدعو سميح المدهون، وأوضحوا لهم أنّ ذلك سيؤثر عليهم ويجب التراجع عن قرارهم”، مشيراً إلى أنهم انصرفوا ولم يعودوا بفضل الله تعالى.

وكانت الميليشيات الانقلابية قد أقدمت فجر الثلاثاء على إحراق منازل أخرى بالإضافة إلى هذه المنازل وهي: ثلاث عمارات سكنية لعائلة أبو كميل الملاصقة لمنزل محمود عباس، وعمارة أبو رمضان الوكيل، كذلك منزل أبو محمد أبو ناموس، ومنزل حبيب الوحيدى “أبو عزيز”، ومنزل لعائلة قنيطة وسرقتها ونهب كل ما فيها، وتخريب وتكسير لمنزل أبو روبين سكيك، وفجر الأربعاء تم إحراق منزل أبو محمد النمرة وجميعها في منطقة تل الإسلام.

وكان المدعو سميح المدهون قد اعترف بأنه هو من أحرق منازل المواطنين والمتاجر، وأنه “سيحرق كلّ شيء يتبع لحماس”، كما ورد عنه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات