الأحد 11/مايو/2025

صلاح الدين المعاصر ومعركة القصرين الجديدة

رشيد ثابت

كان العام 567 للهجرة عاما حاسما لشعب بلاد الشام ومصر بخاصة؛ والأمة العربية والإسلامية بعامة .

في ذلك العام حسم السلطان الظافر الظاهر الناصر صلاح الدين عدة أعوام من الملاحاة مع فريق من أبناء الأمة ما انفك يعاند توجهاتها العامة ويخرج عن صفها ويكيد لها ويأتمر مع عدوها ، فلم يكن الفاطميون أعداء لعقيدة الأمة على المستوى الإيماني النظري وحسب؛ ولم يكن هؤلاء فقط مغالين في عقائدهم الباطنية على نحو لا يسمح باستيعابهم في المجتمع الإسلامي وفق آليات التسامح والتعددية التي لا تنتهي فيه؛ بل كانوا فوق هذا كله سرطانا ً حيا ً ناشطا ً في الفتك في جسد دولة الشام ومصر – حاضرة العرب المسلمين في ذلك الوقت – وكانوا خونة يمارسون الانتهازية السياسية ويتعاملون مع أمراء الصليبيين الغزاة كلما دعت الحاجة لذلك؛ وكلما أردوا تعزيز نفوذهم الخاص على حساب مصلحة الأمة .

صبر صلاح الدين والأيوبيون وآل زنكي من قبل على كل هذا الرغام والطغام؛ وحاولوا بشتى الطرق الدوبلماسية الإبقاء على شيء من التعايش بين أبناء الشرق من مسلمين سنة وفاطميين غلاة في سبيل رد ما هو خطر أعظم وأكبر يدهم من الخارج؛ وفي سبيل المصلحة المشتركة لشعوب الإقليم…لكن الخائن المرجف أبى إلا أن يفتضح؛ وأبى الله إلا أن يمدهم في طغيانهم يعمهون؛ فطفح الكيل وأعذر لربه تعالى ؛ فانقض على الفاطميين في العام المذكور أعلاه في معركة “بين القصرين”؛ فجعلهم كعصف مأكول؛ وانمحق فريق المرجفين في مصر؛ واندثرت معالم الفاطميين من تلك الأيام في مصر حتى يومنا هذا؛ وربح العالم الإسلامي مصر إسلامية سنية طوال تسعة قرون تلت

وعلى نفس
القدر من الأهمية ربح أهل الشام ومصر من معركة القصرين وحدة وطنية إسلامية قائمة على برنامج مشترك؛ وآمال وآلام واحدة؛ وكسبوا جبهة داخلية قوية مكرسة للمشروع الجهادي؛ فلم ي مض إلا ستة عشر عاماً حتى كانت لصلاح الدين دولة واحدة قوية من شمال العراق إلى اليمن ومن سوريا إلى مصر؛ وكان الشعب المسلم في تلك الأنحاء على موعد مع الجائزة الكبرى؛ والنصر الأعظم؛ والفتح الأكبر الذي لم ينبغ إلا لعمر في العام الخامس عشر للهجرة؛ أو لبطل حطين سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة؛ حين فتحت القدس للمرة الثانية في التاريخ !

ونحن في هذه الأيام بين يدي أحداث في غزة تلقي بظلالها على كل ذرة في كل خلية و في كل جارحة لكل امرئ مسلم متعطش لنصر الأمة وإعادة مجدها ! ولا بد بين يدي هذه اللحظات الحاسمة من رؤية الأمور على حقيقتها؛ ورد كل فرية تحاول صرف النظر عن القيمة العظيمة لهذه الأحداث العظام؛ فأنا أرجو وأحسب أن معركة غزة ستكون صفحة البداية لمرحلة سيكون لها ما بعدها؛ وستكون حدثا سيكتبه المؤرخون على أنه أحد أفعال قليلة استبقت هذا الفريق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء؛ وكرست عهد فتوح القدس في القرن الهجري الخامس عشر ! فلن تفلح الفئة الباغية في فلسطين ولا النظام الرسمي العربي ولا إعلامه في خداعنا وتزييف فهمنا لما يجري وحرفه عن الصواب؛ فالعربي المسلم لن يصدق التباكي الذئبي من المتخ وض ين في الدم الفلسطيني؛ ممن سكتوا وأطالوا الصمت حين كان الدم المسفوك فقط دم دعاة ومجاهدين وحفظة؛ ولم يفزعوا للتمحك الإرجافي بالمثل والقيم إلا حين أحسوا حر السيوف في رقاب الخونة !

إن المرء ليعجب من بعض غلاة العداء للدين والمستهترين بقيمه؛ والطاعنين فيه زورا ً بحجة الحجر على الفكر وما إلى ذلك من اسطواناتهم المشروخة؛ فهم ما إن حشروا في الزاوية ودفعوا لمواجهة مصير خياناتهم المحتوم حتى تحولوا إلى سلفيين من أهل الحديث”؛ يهرعون لحشد النصوص من القرآن الكريم والحديث الشريف لكن بفقه “وهب بن منبه” أو “عبدالله بن سبأ”؛ لنصرة الباطل بخطاب ديني الملامح شيطاني الروح! فيتحدثون عن حرمة التقاء المسلمين بالسيف؛ وينسون الآيات المحكمة عن التصدي المسلح وبالقوة للفئة الباغية – هذا إن استحق فجور خونة فلسطين شرف الانتماء للفئة الباغية حسب اصطلاح الفقه الإسلامي !

والعربي والمسلم لن يختار أن يكون محمقا؛ ولن يسوغ الرواية الخرقاء لمدرسة الكذب الرسمي العربي؛ فهو لا ينشغل بالعربة؛ أو حاذي خيلها؛ أو الحمار الذي يجرها عن السيد الجالس في مقصورتها! من سيقف ليصدق كلام الفئة الباغية عن مشروعها الوطني وعن انقلاب حماس عليه؛ فيما سيدهم وكبيرهم أولمرت يقول : “ ان سقوط قطاع غزة بايدي حركة حماس له تبعات اقليمية كبيرة” مؤكدا بان إسرائيل لا تستطيع دخول قطاع غزة لخوض حرب القوى البراغماتية الفلسطينية ضد المتطرفين !!!

فهذه هي الحقيقة: حماس وكتائب القسام كصلاحيين عمريين جدد يحسمون الصراع في غزة مع فاطميين جدد؛ وكفى بسيد العملاء كلهم ومشغلهم “أولمرت” شهيدا عليهم ووكيلا !
في ذات الأثناء نعرف وندرك أن الانتصار للحق يحتاج تضحيات وسخاء بالدم والمال؛ ولا زلنا نراقب أخبار سقوط الشهداء العظام من أبطال القسام في التصدي للفجرة؛ ونتابع أخبار تغول صنائع الكيان الصهيوني في الضفة على أبناء حماس الباقين خارج تراب الأرض ممن لم تدركهم الشهادة؛ أو الباقين خارج قضبان السجون ممن لم يعتقلهم الصهاينة؛ ولا زلنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقن دماء المسلمين؛ وأن يمنحنا أدبار المرجفين الخونة !

لكن ورغم
فداحة المصاب؛ ورغم عظم البذل والعطاء؛ فإن الإحساس بأهمية ما يجري وعظمته لا يجب أن يغيب عن بالنا لحظة؛ فإخواني فلسطين لم يعد سيرة عام 1996 الأولى؛ ولم يسقط في يديه عجزا وحصارا كإخواني الشقيقة مصر؛ ولم تأخذه الفجأة كابن جبهة الإنقاذ في الجزائر؛ وها هو يؤسس لعهد جديد تقود فيها حركة إسلامية وسطية مشروع تغيير وإصلاح شامل بين المسجد والبيت والجهاد والعمل السياسي؛ وهو مشروع يتحرى الله في كل قطرة دم؛ لكنه لا يعزف عن علاج آخر الدواء؛ إن لم يكن من الكي بد !

إن حماس تضرب للأمة مثلا؛ فهل من مدكر! وهل بعد هذا كله يفت في عضدها نعيق أذناب أذناب الخونة وصراخ أيتام أمريكا المأزوم؟ !
لنضع نصب أعيننا بأن حماس وفلسطين إن أمضت حصتها من العقد الإلهي “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإن صولات أبناء مشروع الإصلاح والتغيير سيعقبها تمام النعمة من الله عزوجل؛ وقدره النافذ بإذن الله تعالى تغييرا لحال الأمة من الضعف والهزيمة والخور؛ إلى القوة والنصر وعلو الهمة! وهو قدر سيمضي إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا؛ ولو كره أولمرت؛

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات