الأحد 11/مايو/2025

لتتفعل الصَّلاحيات الدستورية والوطنية لمحاسبة أعداء الوطن والقضية

خضر أبوجحجوح

المتأمل في مأساوية المشهد الفلسطيني يدرك أن على الرئيس اتخاذ إجراءات، وفق صلاحياته الدستورية والأخلاقية لوقف ما يجري في الساحة الفلسطينية، بكل ما نتج عن الأحداث من إزهاق أرواح، ونهب ممتلكات وتدمير منشآت وتفكيك للبنى الاجتماعية والنفسية، وتشويه لنصاعة القضية الفلسطينية على مستوى الرأي العالمي والعربي والمحلي.

ومطلوب من المجلس التشريعي وقفة دستورية، لوضع النقاط على الحروف ولو وصل الأمر إلى حجب الثقة عن الرئيس، أو نزع حصانته وتقديمه للمحاكمة، دون خوف من ردة فعل صهيوأمركية متوقعة، مهما كانت انعكاسات الأمر، فالوضع الحالي لم يوقف قصفا ولم يرفع حصارا، ولم يردع من أغرقوا الساحة في طوفان الدم والأشلاء.

فالرئيس عباس يمتلك دستوريا الصلاحيات الكاملة لتسيير الأجهزة الأمنية، ولكنه لم يستخدم صلاحياته عمليا لوقف الصراع السياسي والعسكري، بشكل يخالف الأعراف الوطنية والسياسية الدولية والمحلية التي تقتضي من رأس السلطة الحاكمة أن يبادر بشكل عاجل إلى تشكيل لجان تحقيق، ومتابعة قانونية بالتعاون مع مجالس مختصة، وهي في المشهد الفلسطيني رئاسة الوزراء والمجلس التشريعي، مع تقديم المسئولين المباشرين عن إصدار الأوامر بقتل الأبرياء وترويع الآمنين وإهدار دمائهم – إلى محاكمة قانونية عادلة، يتم تشكيلها من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والتجرد غير مرتبطين بأي جسد تنظيمي.

إن مأساوية المشهد تثير كثيرا من التساؤلات حول ما يدور وراء الكواليس السياسية، والدهاليز العسكرية، فإما أن يكون الرئيس مالكا زمام الأجهزة عمليا وتنظيميا وإداريا وقادرا على ضبط الأوامر الميدانية فيها، ولكنه راض عما يجري، ويعتبره إنجازا رئاسيا لابد منه، لضبط الأمور، حيث وضع على سلم أولوياته تطهير الساحة من أي سلاح لا يتبع للأجهزة التي يقودها، ويريد أن يصل بالقضية الفلسطينية إلى نقطة من التأجج والاقتتال توصل مخالفيه السياسيين إلى مواقف تُملى عليهم وفق سياسة كسر العظم والرضا بإملاءات الواقع الدموي الجديد، ورغم أن ذلك يتوافق مع البرنامج السياسي للرئيس ومقولاته التراكمية في انتقاد برنامج الحكومة ومشروع المقاومة، يبقى في إطار الظن والاحتمال.

أو أنه لا يمتلك زمام القرار الميداني داخل الأجهزة، وفي هذه الحالة يتوقع العقلاء والمحللون أن يتحلى بقدر من الشجاعة بنفس القدر الذي تحلى به يوم قلل من شأن المقاومة المسلحة وصورايخها، فيخرج على الملأ في خطاب تاريخي يكشف فيه حقيقة ما يدور، سواء من رام الله أم من غزة.

إنَّ كل عاقل وشريف يرفض أن يترك الرئيس الساحة في كلتا الحالتين نهبا لصراع عسكري تزهق فيه أرواح وتنتهك حرمات وتدمر ممتلكات والعدو الصهيوني يصول ويجول برا وجوا وبحرا، دون أن يقوم بواجبه الدستوري لحل النزاع وضبط الأمور من جهة، ورفع الغطاء عن المجرمين أيا كان انتماؤهم السياسي وارتباطهم الميداني، وتقديم المسئولين عن الجريمة المنظمة للقضاء.

ومطلوب أيضا من مجلس الوزراء ورئاسة الوزراء أن يقفوا عند حدود مسئولياتهم في متابعة هذه القضية دستوريا وقانونيا، لإماطة اللثام عن فئة باغية تسعى لإغراق المشهد في بحر من الدماء، وإلا فإن الاقتتال لن يتوقف إلا على ركام من الأشلاء وأنهار من الدماء تجري في كل شارع، وستشهد الأيام القادمة في تصوري عنفا أشد، قد يصل إلى حد اقتحام مراكز مهمة وحساسة للأجهزة الأمنية المختلفة، وحينها لن يكون مجال لدعوات ضبط النفس، وتفعيل لجان المتابعة الفصائلية المشتركة، التي عملت كما أرى على تأجيل الصراع، ومستحقاته الدموية، دون أن تضع حلا عمليا لوقف الاقتتال، ليس لأن المشاركين فيها لا يريدون أن يضعوا حلولا وطنية تنتشل الجميع من قاع الصراع الدموي، بل لأن فئة معروفة يشير إليها الجميع بالبنان، لا تخضع للقرار الوطني، ولا تضع في حسبانها المصلحة الوطنية العليا، ومصالح الشعب والقضية، تريد أن يستمر الاقتتال والصراع إلى أن تنفذ إملاءات تدميرية للشعب والقضية، وتفرض مشروعها الخاص المناهض للمقاومة والبناء والنهضة.

ومع كل ما يجري يدرك الجميع أن ما يحدث لا شأن له بشكل مباشر بالصراع بين فتح وحماس ، وإن كان المشاركون يتكئون فيه على منطلق الاختلاف السياسي، ويتخذونه مدخلا وستارا للولوج إلى مشروعهم التدميري الدموي، فقد برهنت الأحداث وبرهن التاريخ أنَّ أي خلاف بين فتح وحماس أهون من أن يجر إلى صراع دموي بهذا الحجم، ومن هنا يتوجب على الرئيس والمجلس التشريعي ورئاسة الوزراء، المبادرة العاجلة إلى عقد لجنة قانونية مشتركة ، وغرفة عمليات مشتركة، تصل الليل بالنهار لوضع حد لما يجري بعيدا عن الاعتبارات الحزبية من جهة، وعن تنفيذ مصالح المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من جهة أخرى، تضع المصلحة الوطنية للشعب والقضية والأمة في الحسبان، للخروج بصيغة حازمة لحل المشاكل التي تجاوزت حدود الوطن والقضية، وارتبطت بمحاور الاحتلال محليا ودوليا، ينبغي فعل ذلك عاجلا غير آجل حتى لو اقتضى الأمر تشكيل جيش مشترك، وتسخير الإمكانات العسكرية لشرفاء الفصائل والأجهزة الأمنية جميعها لوضع حد للفئة التي ارتضت لنفسها الوقوف في مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة.

فهل من مجيب أيها الشرفاء العقلاء،؟ هل من مجيب أيها الوزراء والنواب؟ إن الشعب الجريح يناديكم وقضيتكم تدعوكم والأقصى على مد الأفق يمد كفيه إليكم وتاريخ البطولة يصرخ فيكم هبوا فقد طفح الكيل واستذأب المجرمون وانطلقوا ينهشون لحم الشعب والقضية.
 
* كاتب وأديب / غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات