لتتفعل الصَّلاحيات الدستورية والوطنية لمحاسبة أعداء الوطن والقضية

المتأمل في مأساوية المشهد الفلسطيني يدرك أن على الرئيس اتخاذ إجراءات، وفق صلاحياته الدستورية والأخلاقية لوقف ما يجري في الساحة الفلسطينية، بكل ما نتج عن الأحداث من إزهاق أرواح، ونهب ممتلكات وتدمير منشآت وتفكيك للبنى الاجتماعية والنفسية، وتشويه لنصاعة القضية الفلسطينية على مستوى الرأي العالمي والعربي والمحلي.
ومطلوب من المجلس التشريعي وقفة دستورية، لوضع النقاط على الحروف ولو وصل الأمر إلى حجب الثقة عن الرئيس، أو نزع حصانته وتقديمه للمحاكمة، دون خوف من ردة فعل صهيوأمركية متوقعة، مهما كانت انعكاسات الأمر، فالوضع الحالي لم يوقف قصفا ولم يرفع حصارا، ولم يردع من أغرقوا الساحة في طوفان الدم والأشلاء.
فالرئيس عباس يمتلك دستوريا الصلاحيات الكاملة لتسيير الأجهزة الأمنية، ولكنه لم يستخدم صلاحياته عمليا لوقف الصراع السياسي والعسكري، بشكل يخالف الأعراف الوطنية والسياسية الدولية والمحلية التي تقتضي من رأس السلطة الحاكمة أن يبادر بشكل عاجل إلى تشكيل لجان تحقيق، ومتابعة قانونية بالتعاون مع مجالس مختصة، وهي في المشهد الفلسطيني رئاسة الوزراء والمجلس التشريعي، مع تقديم المسئولين المباشرين عن إصدار الأوامر بقتل الأبرياء وترويع الآمنين وإهدار دمائهم – إلى محاكمة قانونية عادلة، يتم تشكيلها من قضاة مشهود لهم بالنزاهة والتجرد غير مرتبطين بأي جسد تنظيمي.
إن مأساوية المشهد تثير كثيرا من التساؤلات حول ما يدور وراء الكواليس السياسية، والدهاليز العسكرية، فإما أن يكون الرئيس مالكا زمام الأجهزة عمليا وتنظيميا وإداريا وقادرا على ضبط الأوامر الميدانية فيها، ولكنه راض عما يجري، ويعتبره إنجازا رئاسيا لابد منه، لضبط الأمور، حيث وضع على سلم أولوياته تطهير الساحة من أي سلاح لا يتبع للأجهزة التي يقودها، ويريد أن يصل بالقضية الفلسطينية إلى نقطة من التأجج والاقتتال توصل مخالفيه السياسيين إلى مواقف تُملى عليهم وفق سياسة كسر العظم والرضا بإملاءات الواقع الدموي الجديد، ورغم أن ذلك يتوافق مع البرنامج السياسي للرئيس ومقولاته التراكمية في انتقاد برنامج الحكومة ومشروع المقاومة، يبقى في إطار الظن والاحتمال.
أو أنه لا يمتلك زمام القرار الميداني داخل الأجهزة، وفي هذه الحالة يتوقع العقلاء والمحللون أن يتحلى بقدر من الشجاعة بنفس القدر الذي تحلى به يوم قلل من شأن المقاومة المسلحة وصورايخها، فيخرج على الملأ في خطاب تاريخي يكشف فيه حقيقة ما يدور، سواء من رام الله أم من غزة.
إنَّ كل عاقل وشريف يرفض أن يترك الرئيس الساحة في كلتا الحالتين نهبا لصراع عسكري تزهق فيه أرواح وتنتهك حرمات وتدمر ممتلكات والعدو الصهيوني يصول ويجول برا وجوا وبحرا، دون أن يقوم بواجبه الدستوري لحل النزاع وضبط الأمور من جهة، ورفع الغطاء عن المجرمين أيا كان انتماؤهم السياسي وارتباطهم الميداني، وتقديم المسئولين عن الجريمة المنظمة للقضاء.
ومطلوب أيضا من مجلس الوزراء ورئاسة الوزراء أن يقفوا عند حدود مسئولياتهم في متابعة هذه القضية دستوريا وقانونيا، لإماطة اللثام عن فئة باغية تسعى لإغراق المشهد في بحر من الدماء، وإلا فإن الاقتتال لن يتوقف إلا على ركام من الأشلاء وأنهار من الدماء تجري في كل شارع، وستشهد الأيام القادمة في تصوري عنفا أشد، قد يصل إلى حد اقتحام مراكز مهمة وحساسة للأجهزة الأمنية المختلفة، وحينها لن يكون مجال لدعوات ضبط النفس، وتفعيل لجان المتابعة الفصائلية المشتركة، التي عملت كما أرى على تأجيل الصراع، ومستحقاته الدموية، دون أن تضع حلا عمليا لوقف الاقتتال، ليس لأن المشاركين فيها لا يريدون أن يضعوا حلولا وطنية تنتشل الجميع من قاع الصراع الدموي، بل لأن فئة معروفة يشير إليها الجميع بالبنان، لا تخضع للقرار الوطني، ولا تضع في حسبانها المصلحة الوطنية العليا، ومصالح الشعب والقضية، تريد أن يستمر الاقتتال والصراع إلى أن تنفذ إملاءات تدميرية للشعب والقضية، وتفرض مشروعها الخاص المناهض للمقاومة والبناء والنهضة.
ومع كل ما يجري يدرك الجميع أن ما يحدث لا شأن له بشكل مباشر بالصراع بين فتح وحماس ، وإن كان المشاركون يتكئون فيه على منطلق الاختلاف السياسي، ويتخذونه مدخلا وستارا للولوج إلى مشروعهم التدميري الدموي، فقد برهنت الأحداث وبرهن التاريخ أنَّ أي خلاف بين فتح وحماس أهون من أن يجر إلى صراع دموي بهذا الحجم، ومن هنا يتوجب على الرئيس والمجلس التشريعي ورئاسة الوزراء، المبادرة العاجلة إلى عقد لجنة قانونية مشتركة ، وغرفة عمليات مشتركة، تصل الليل بالنهار لوضع حد لما يجري بعيدا عن الاعتبارات الحزبية من جهة، وعن تنفيذ مصالح المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من جهة أخرى، تضع المصلحة الوطنية للشعب والقضية والأمة في الحسبان، للخروج بصيغة حازمة لحل المشاكل التي تجاوزت حدود الوطن والقضية، وارتبطت بمحاور الاحتلال محليا ودوليا، ينبغي فعل ذلك عاجلا غير آجل حتى لو اقتضى الأمر تشكيل جيش مشترك، وتسخير الإمكانات العسكرية لشرفاء الفصائل والأجهزة الأمنية جميعها لوضع حد للفئة التي ارتضت لنفسها الوقوف في مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

أهالي طلاب مدرسة بنات القدس يحتجون على إغلاقها من الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام احتج أهالي مدرسة بنات القدس، يوم الأحد، على إغلاق قوات الاحتلال مدرستهم التابعة لوكالة الغوث وتشغيل...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....