ليسوا فئة باغية وليست فتنة تدع الحليم حيرانا!

برأيي المتواضع فإن صفة “الفئة الباغية” تنزل قطعان الانفلات الأمني وأجهزة الأمن الفلسطينية اللحدية منزلا كريما لا تستحقه ولا ينبغي لها!
فالفئة الباغية في اصطلاح الفقه الإسلامي هي فئة مؤمنة تخرج عن جادة الصواب فيما تعتبره اجتهادا سياسيا شرعيا؛ ويلزم جماعة المسلمين حينها أن ينصحوها لتعود عن خروجها؛ فإما عادت وبها ونعمت؛ أو إن عاندت قاتلوها حتى تفيء إلى أمر الله؛ فإن فاءت عاد الصلح ولم شتات الأمة سيد الأحكام. أي أن الفئة الباغية فريق مؤمن لكنه انحرف وفق اجتهاد شرعي؛ واحتكم من أجل إنفاذ رأيه المخالف لرأي الجماعة للسلاح؛ واقتتل مع التيار العام لجماعة المسلمين دون تفريط بأحكام الإسلام وشعائر الدين.
أعترف أن هذا ليس تعريفا علميا دقيقا؛ لكنه تعريف وصفي استقيه من الحادثة الأشهر في تاريخ المسلمين لتفرق المسلمين أحزابا اقتتلت فيما بينها؛ ونعني هنا فتنة اغتيال الشهيد عثمان ذي النورين رضي الله عنه؛ وما تبعها من فتنة تفرق المسلمين أحزابا بين أمويين؛ وعلويين – نسبة إلى علي كرم الله وجهه – وغير ذلك من أحزاب لحقت للزبيريين في الحجاز وغيرهم.
ولست أنا بمقام تحديد الفئة الباغية بين هؤلاء الكرام الكبار الأكفاء؛ الذين أكثرهم مبشر بالجنة؛ وكلهم صحابي مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض؛ ولست بأحسن من عمر بن عبدالعزيز الذي ترفع عن الخوض في تلك الحوادث لأنها دماء لم يخض هو ومعاصروه فيها؛ لكنني فقط أحب أن أستدل من تلك الحادثة على استحالة أن يكون سلوك خونة فلسطين يؤهلهم للرتبة الشريفة للفئة الباغية!
فمنطقيا؛ فإن أحد الأحزاب أعلاه سيستحق في علم الله الذي يعرف وحده حقيقة الأمور صفة الفئة الباغية – ودون إسهاب في مواقف أهل السنة والجماعة المعروفة من الموضوع – ومع استحقاق فريق من تلك الفرق لصفة الفئة الباغية تحقيقا؛ فإن أيا منها لم يهدم الدين؛ ولم يبح أراضي المسلمين للعدو؛ ولم يجعل هدم أعمدة الإسلام هدفا سياسيا له في النيل من خصمه؛ بل أن سيدنا معاوية رضي الله وأرضاه والذي يرى أكثر أهل السنة والجماعة أنه أخذ حق علي كرم الله وجهه في الخلافة – سيدنا معاوية ضرب أروع مثل على أن المؤمن الحق لا يسلم أخاه المسلم ولا يستعين بعدوه عليه؛ ولا يعين عليه عدوا كافرا مهما صنع الحداد بين الأخوين!
فالمؤمن حتى لو كان في الفئة الباغية فإن همته في الإيمان عالية؛ ولا يخلط الأولويات عنده أي خلاف سياسي مع إخوانه ولو وصل لحد رفع السيوف بينهم! وهذا ما علَّمناه معاوية بن أبي سفيان؛ فبعد أن علم ملك الروم بخلافه مع علي؛ أخذ يستعد لغزو بلاد المسلمين واستغلال هذه الفرصة النادرة لضربهم أثناء تشتتهم وتفرقهم؛ فكيف كان صنيع معاوية؟
هل قبل الاشتراك في خطة دايتون؟ أم وقف على معبر “كارني” يستجدي “اسرائيل” السماح له بإدخال الأسلحة الثقيلة للقطاع لقصف حماس؟ أم لعله طلب إلى عمرو بن العاص أن يسأل الروم عن كل كشوف أسماء المطلوبين من فريق علي ليقتلهم لهم ويخدمهم فيهم؟
لم يصنع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا؛ وبدلا من ذلك صنع صنيعا يليق بالكرام الشرفاء؛ فكتب معاوية إلى ملك الروم وهو في معـمعة القتال في صفين قائلا: “والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك، لاصطلحن أنا وابن عمي عليك؛ ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت“! عند ذلك عاد ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة!
فهذا فريق مؤمن اعتبره أكثر أهل السنة غاصبا لحق علي في الخلافة؛ وباغيا عليه؛ لكنه في خلافه السياسي لا يبيع دينه ودنياه عند أقدام أولمرت من أجل عيني دايتون وطمعا في رضا بوش!
ولم ير معاوية أو علي أو الزبير أو غيرهم من المتقاتلين أن خلافهم يبيح إرسال القتلة المردة الفجرة لبيوت الناس لقتلهم فيها؛ أو قتلهم في الطرقات لأنهم بلحى؛ أو قتلهم لأنهم يخرجون من المساجد!
لذلك كله من المحظور توسيخ مصطلح “الفئة الباغية” بإسقاطه على الفئة المحاربة لله ورسوله من قرامطة الانفلات الأمني في فلسطين؛ فهؤلاء أوسخ من أن يكونوا أصحاب اجتهاد خاطئ؛ وما هم إلا دواب ختم الله على سمعها وأبصارها وقلوبها فما عادت ترى إلا أوامر سادتها في تل أبيب؛ وصارت في سبيل جشيشة مملوءة علفا من عند الأمريكان تقبل أن ترصد مؤسسات ومواقع حماس وبيوت ناشطيها وتسلمها ليهود!
والحال مع مصطلح “فتنة تدع الحليم حيرانا” لا يختلف عن الحال مع مصطلح “الفئة الباغية”؛ فالفتنة التي تدع الحليم – أي صاحب العقل الراجح – حيرانا لم تقع في فلسطين؛ بل لعمري أن ما في فلسطين واضح بين؛ ولا يشكل أمر المواجهة بين الفريقين إلا على ذاهل شارد الذهن؛ أو عميل يصر على التعمية على الحق الجلي الذي لا يعرو جلاءه ثلم! فأية حيرة هذه يدعي الوقوع فيها من لا يستطيع التفريق بين من يتسلح من الصهاينة؛ ومن يخشى الصهاينة من وقوع السلاح في يديه؟! والله ما هذه بحيرة؛ بل هذا عجز وجبن وخور عن قول الحق؛ أو ذهول وشرود وخبال؛ أو هو شهادة زور تنصر الباطل وتهدم الحق !
فخلوا مفردات أدب الفتنة ليوم آخر يفتتن فيه الناس حقا لا سمح الله؛ أما ما نحن فيه الآن فهو حرب بين فريق ثوابت فلسطين وحقوقنا؛ وفريق الخدمة في حلف المحافظين الجدد حربا على الله ورسوله؛ وليست هذه صفة المؤمنين ولو كانوا بغاة؛ وليس الموقف منهم يحير أي ناظر عاقلا كان أم محمقا!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...