السبت 10/مايو/2025

الجرح الذي أغلق على غش

ناهض منير الريس

يتحدث بعض الموردين والمقاولين بهمس وحذر عن مقاولات بمئات ألوف الدولارات تدفع فور الإنجاز، لإقامة أنظمة الكترونية وتجهيزات ذات طابع حربي في غزة. ويتحدث أناس آخرون عن أسلحة ( غير شكل ) دخلت المخازن . ونقرأ بعيوننا ونسمع بآذاننا تعليقات إعلامية لا تبشر بالحب والصفاء ولكن بالحرب والعداء . فإلى أين نحن ذاهبون؟

كلنا استبشر خيرا بالمحادثات التي جرت في القاهرة والتصريحات التي أعقبتها . إلا أنه على الجانب الآخر توحي الأنشطة المكتومة والإعلام الساخن والمهيج أن التحضير لجولة قادمة من الاشتباكات قائم على قدم وساق ، فكأن الجرح الذي نزف في الشهر الماضي لم يشف وإنما أغلق على غش .

لا يمكن أن نصدق أن الاقتتال عمل فلسطيني ـ فلسطيني ، ولا أن هذه الدولارات التي تنفق وهذه الأسلحة التي تصل إلى المخازن فلسطينية . إن أعداءنا هم الذين يريدونها حربا طاحنة تأكل الجميع . فنحن نعرف حقيقة الروابط بين أفراد هذا الشعب الصغير . ولو كان الأمر مقتصرا على طرفين فلسطينيين مختصمين لما أمكن لأي اشتباك ولا لأية أعمال عدائية أن تستمر طويلا لو نشبت . إذن لتدخل العقلاء وأهل المساعي الطيبة ولأعادوا الأمور إلى مجاريها وحقنوا دماء الإخوة والأقارب وأبناء البلد . فالشبكة التي تربط بين الناس شبكة متينة النسج . ونكبة فلسطين لم توصل أهل فلسطين إلى مخيمات واحدة وتمزجهم مزجا حياتيا في المكان وحسب، ولكن النكبة عززت بينهم وحدة في المشاعر والأفكار والبنيان النفسي. وهذه الأمور جميعا كفيلة بالتغلب على عوامل الفرقة والشحن العدائي .

 ولو ترك الفلسطينيون وشأنهم ما كان يمكن أصلا أن يقع اقتتال فلسطيني مهما صغر . ولكننا في العصر الذي ما يزال مشروع بوش لإعادة تشكيل الشرق الأوسط جاريا فيه ، لا في العراق وحده ولكن في كل مكان من بلادنا . ونقول بوضوح أكبر إن ذلك يتم عن طريق السي آي إيه وأموالها ومكائدها . وهذا ليس سرا . ولا أحد يجهله ولكن معظم القوى تتجاهله تجاهلا حتى في هذه المرحلة التي بات كل شيء فيها أوضح ما يكون . ونحن هنا نعيد إلى الذاكرة أول تصريح تفوه به بوش عن الحرب ضد ما دعاه الإرهاب : إذ قال إنها ستستمر عشر سنوات وإنها ستدور من جانب الولايات المتحدة بالسياسة وبالجيوش وبالمخابرات !

وعمل المخابرات الأمريكية عندنا ليس جديدا . فهي حاضرة منذ اليوم الأول لنشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها وكانت تعقد دورات مبكرة موضوعها : كيف تخترق تنظيما دينيا ( ! ) . أو : كيف يدير القادة الأزمات . وكانت تعمل بتنسيق كامل مع الأطقم الأمريكية الأخرى ، فعلى المستوى السياسي كان الثنائي الصهيوني دينيس روس ( المبعوث الأمريكي للمفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ) ومارتن إنديك ( السفير الأمريكي في إسرائيل ) ينقبان في كل تربة فلسطينية لمعرفة جميع التفاصيل عن كل شيء . وعلى المستوى الاجتماعي جاءت الوفود الأمريكية المتنوعة ومعها دولاراتها باسم دعم المجتمع المدني لتجهز قاعدة مدنية تكون وظيفتها في المستقبل تأييد المشاريع الأمريكية التي ستوضع فيما بعد .

والهدف المعلن والظاهر تقريبا هو إضعاف حماس تارة ، وإقصاؤها عن الحكم تارة أخرى . ولكن الهدف الحقيقي النهائي المبطن هو وضع القوتين الفلسطينيتين الكبريين في مواجهة بين أولاد الناس المتحمسين للمقاومة عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران منذ ثمانينيات القرن الماضي ، كان الشهيد المرحوم صدام حسين يظن أن الولايات المتحدة تؤيده بدليل أن دول الخليج أنفقت الملايين على تلك الحرب وأيضا بدليل أن المخابرات الأمريكية سربت إليه صورا جوية لمواقع إيرانية هامة كي يضربها بطيرانه . وفي الوقت نفسه أمدت أمريكا الإيرانيين بقطع الغيار اللازمة لطيرانهم ، وشارك في عقد الصفقات ضباط عسكريون إسرائيليون . وقبل قرابة أسبوع فقط، وحينما بدا أن الحرب بين الجيش اللبناني وأحد التنظيمات في مخيم نهر البارد بلبنان سوف تستعر، أرسلت الولايات المتحدة ثماني طائرات محملة بالأسلحة للجيش اللبناني.

ليس غريبا على كل حال أن يفعلها الأمريكيون والإسرائيليون . فالمثل القائل ” فخار يكسر بعضه ” مثل قديم جدا لم يخترعه الأمريكيون ولا الإسرائيليون . ولكن المحزن جدا أن يكون العرب والمسلمون في هذه المنطقة أداة للمشاريع التي تستهدف إضعاف الجميع ومقتل الجميع .

وبينما يخيل لبعض ضعفاء النفوس أنهم أصبحوا في مقام الأصدقاء المعتمدين لدى المستعمرين فإنهم يكتشفون متأخرين جدا أنهم ليسوا حتى في مقام العملاء. فالمستعمر يصون سر العميل الحقيقي ويضن به على الخطر. أما هؤلاء الذين يضعونهم في مواجهة مواطنيهم فليسوا أكثر من أداة .. قد ينفقون عليها بسخاء .. إلا أن مصيرها المخطط سلفا هو القضاء عليها وعلى أولئك الآخرين المقصودين بالدرجة الأولى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات