على أعتاب نكسة أخرى !!

انتهى بالأمس اجتماع مجلس الوزراء في الكيان الصهيوني متخذاً عدداً من القرارات كان أهمها تشكيل لجنة من 11 وزيراً صهيونياً تنحصر مهمتها في ( دراسة و بحث وتقديم توصيات بشأن حرب محتملة قد تشتعل في أي لحظة على الحدود الشمالية _ سوريا _ مضافاً إليها دراسة الوضع المتعلق بالصراع مع حزب الله و حماس على اعتبار أن هناك ترابطاً في الموقف و البرنامج بين الثلاث جبهات ) .
تثور هنا عدة تساؤلات حول المغزى الحقيقي من وراء تشكيل تلك اللجنة ؟ و هل نحن على أعتاب حرب إقليمية حقيقية و تغيرات جوهرية في جغرافية المنطقة ؟
قبل التطرق لتفاصيل ما يجري يجب الإشارة لعدة نقاط مهمة تلعب دوراً هاماً في طبيعة الخيارات المتاحة لكل طرف وفي طبيعة ما هو قادم.
أولاً _ الخسارة المدوية لأزلام المشروع الأوسلوي في فلسطين و انحسار دورهم من عوامل سياسية مؤثرة إلى مجرد قطعان مرتزقة تشن غارات انتقام هنا و هناك حين تتهيأ لها الفرصة دون أدنى انضباط أو تنظيم و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على غياب المرجعية و فقدان الأمل في أي تغير داخلي يُعيد لهم مكتسباتهم التي فقدوها عقب 25 / يناير/ 2006 لربما يظن البعض أن أثر ذلك ينحسر على الداخل الفلسطيني فقط لكن كل الدلائل و المؤشرات تؤكد أن انعكاس هذه الهزيمة النكراء قد أصاب المشروع الأمريكي في المنطقة بشكل مباشر و حاسم .
الأهم من ذلك كله ما تتناقله تقارير الاستخبارات العسكرية الصهيونية من امتلاك حماس لمنظومة صاروخية متطورة عما كان عليه الأمر و بشكل لم يسبق له مثيل . فقد أشارت تقارير الاستخبارات أن حماس و فصائل المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك صواريخ كاتيوشا و صواريخ Grad إضافة للصواريخ محلية الصنع المستنسخة عن صاروخ Grad و التي بات تأثيرها يقض مضاجع الصهاينة في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، والأخطر من ذلك أنها بدأت تصل إلى عمق أطول بكثير مما كان متوقعا !!
ثانياً _ التصريحات الأخيرة للسيد حسن نصر الله و التي أكدت أن حزب الله قد استعاد عافيته القتالية و عزز من ترسانته الصاروخية بشكل أكبر و أقوى مما كان الحال عليه قبل حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006 . هذه التصريحات تشير و بشكل قاطع أنه يستعد لمواجهة حاسمة في المرحلة المقبلة في حال اشتعل فتيل أزمة إقليمية .
ثالثاً _ المعلومات الإستخباراتية الصهيونية التي أكدت أن روسيا زودت النظام السوري بمنظومة دفاعات أرضية ضد الصواريخ و الطائرات إضافة لصواريخ بعيدة المدى إيرانية وصلت للسوريين منذ نهاية حرب لبنان الأخيرة و بشكل متواصل حتى الآن .
رابعاً _ تقارير السي أي إيه و خبراء وكالة الطاقة الذرية التي أكدت أن إيران يلزمها من الوقت فقط حتى نهاية فترة بوش الرئاسية لتكون قد انتهت من تصنيع القنبلة النووية !!
خامساً _ توتر العلاقات الروسية الأمريكية عقب أزمة نشر الدرع الصاروخي الأمريكي و تسلسل الأحداث بعد ذلك من تجربة إطلاق صاروخ عابر للقارات روسي و ما تبع ذلك من تطورات الأمر الذي حلله المراقبون أننا على وشك العودة لحرب باردة جديدة.
لعل تلك النقاط هي أهم المتغيرات الإقليمية و الدولية التي ستساهم في تحديد خيارات الأطراف المختلفة و هي التي ستحدد معالم المرحلة المقبلة
لنبدأ الحديث من تاريخ مهم كان بمثابة التغير الأهم و الأخطر في المنطقة ( 25 / يناير / 2006 ) قد يظن البعض أن ما يحمله هذا التاريخ ينحصر في نهاية عصر الفوضى و الفساد داخل الأراضي الفلسطينية و بداية عصر جديد عقد عليه فلسطيني الداخل أمالهم في حياة كريمة و مستقرة لكن القراءة الدقيقة لهذا التاريخ تعكس لنا نتائج أهم من ذلك أهم من نهاية الفساد و المحسوبية و الفوضى . فما يحمله 25/ يناير / 2006 يتعدى جغرافية فلسطين بل و جغرافية المنطقة ككل ليشكل أيديولوجيا جديدة للعقل و الوجدان العربي و الإسلامي تختزل من الذاكرة كل ذلك القنوط و اليأس الذي ترسب في أعماقها عقب الهزائم المتتالية التي مُني بها العرب بفعل عروش الخزي و العار التي تآمرت على هذه الأمة منذ عقود و رسخت في الوجدان العربي أننا لسنا أهلاً للمقاومة و الممانعة فانحصر دور أمة بأكملها في الدعاء و المعونات عبر الفضائيات العربية ليرسخوا في وجدان هذه الأمة أننا أمة انتهت منذ قرون !!
جاء 25 / يناير / 2006 ليعيد للأمة وعيها من جديد فيملأ تلك الذاكرة نبضاتها اللاشعورية التي ترفض الهزيمة و الخسران و تبدأ مرحلة استنهاض الهمم و إعادة صياغة المعادلة من جديد معادلة حقيقية بعيدة عن كل التشويه و الاختزال، أحد طرفيها كيان مسخ قام على أنقاض الشعب الفلسطيني مضافاً إلى ذلك الطرف أمريكا و أزلامها في المنطقة من تيار الاعتدال العربي !! و في مقابل هذا الطرف تأتي حماس و كل قوى الممانعة في العالم العربي مضافاً لهذا الطرف أمة غُيبت عن قصد و تصميم عن دائرة الصراع طيلة عقود خلت !
من هنا بدأ الخطر يهدد الكيان المسخ و أزلامه من أقطاب الاعتدال العربي و يهدد المشروع الأمريكي في المنطقة برمته ..
كل الحسابات كانت تشير أن الخطر طبقاً لمعايير السياسة هو خطر إستراتيجي بعيد المدى فترتبت على تلك الحسابات جملة مؤامرات التصفية التي استهدفت حماس بدءاً بالحصار و ليس انتهاءً عند مرتزقة الفوضى الخلاقة !! على أساس أن تلك المؤامرات كافية لتصفية و إنهاء هذا الخطر بعيد المدى !!
و كالعادة كانت حساباتهم خاطئة غير دقيقة فالخطر ليس إستراتيجياً فحسب بل خطر آني لحظي يهدد كل مشاريعهم بعاصفة تجتث تلك المشاريع عن بكرة أبيها .. و هنا بدأت تظهر نتائج مؤامرات التصفية الخاسرة و التي لم تحقق ما كان مرجواً منها ..
قبل عام تقريباً أعد الميجر جنرال عاموس جلبوع رئيس شعبة الدراسات الإستراتيجية في الإستخبارات العسكرية الصهيونية دراسة إستراتيجية لتكون ورقة عمل للمستوى السياسي في تعامله مع المرحلة القادمة .. و مما جاء في هذه الدراسة أن إضعاف حماس سياسياً سيأتي من خلال القضاء على القيادة السياسية في الخارج و أنه من المهم الآن فتح قنوات اتصال غير رسمية مع القيادة السورية تمهيداً لعقد مفاوضات مباشرة مع السوريين و إن كانت التضحية بالجولان تخالف العقيدة التلمودية و العسكرية التي بُذلت في سبيلها دماء جنودهم عبر حروب العرب فلا بد من مخرج ما و حلول وسطية بهدف تحييد الجانب السوري عن الصراع .. لما لذلك من أهمية حيوية على صعيد حماس و قيادتها السياسية .. إضافة لقطع خطوط الإمداد عن حزب الله .
و ما يستتبع ذلك من خلق حالة مستقرة نسبياً على حدود الكيان الصهيوني شمالاً و على طبيعة الوضع في الداخل الفلسطيني … كل ذلك تمهيداً للضربة الأمريكية القادمة لمفاعلات إيران النووية !!! و الأهم من ذلك قتل الروح التي بدأت تدُب في الجسد العربي بعد عقود التحييد و التغييب ..
سقطت كل تلك الحسابات حين أعلن الأسد في كل اللقاءات التي أجراها مع ( سياسيين أوربيين – أعضاء كونجرس – وزراء خارجية عرب – الأمين العام للجامعة العربية ) في كل تلك اللقاءات كان موقف الأسد واضحاً راسخاً لا لُبس فيه أننا حتى نسلك طريق السلام فلا بد أن تكون مفاوضات محددة زمنياً قائمة على أسس واضحة تنتهي بعودة كل الأراضي التي احتلت عام 1967 ..
طبعاً هذا المنطق مرفوض جملةً وتفصيلا داخل الكيان الصهيوني لما للجولان من أهمية إستراتيجية .. و لأن ذلك يعني أن نصراً عربياً حققه العرب تحت ضغط و إكراه الكيان الصهيوني .. إضافة لأن ذلك سيكون نصراً عربياً على المشروع الأمريكي في المنطقة و بالتالي فإن أسهم تيار الممانعة سترتفع في الشارع العربي أكثر من ذي قبل جملة من الاعتبارات الأخرى تجعل صناع القرار في الكيان الصهيوني يرفضون هذه الصفقة جملة و تفصيلا .
الآن و بعد قرار تشكيل الحكومة الصهيونية لجنة من الوزراء لدراسة الوضع و تقديم التوصيات و بعد المناورات التي تجريها حاملات الطائرات في الخليج العربي و بعد الحملات الدبلوماسية التي يقودها أقطاب الاعتدال العربي لنيل هدنة من حماس و فصائل المقاومة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني أعتقد أن كل الخيارات باتت مفتوحة و يبدو أن الكيان الصهيوني يعيش حالة من التخبط و القلق .. سيما و أنها مواجهة ستكون مفتوحة على كل الأصعدة و ستكون نتائجها هي من تعيد صياغة المنطقة و خرائطها …
فهل سيتكرر سيناريو حزيران 1967 و لكن باتجاه معاكس .. فتكون النكسة و الخسران من نصيب الكيان المسخ؟ قد تكون الإجابات غير واضحة الآن و الأوراق كلها مختلطة لكننا على يقين تام أن من حمل أسباب هزيمتنا في العام 1967 ليس هو من يملك القرار الآن في المعادلة ..
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...