الأحد 11/مايو/2025

مخيم نهر البارد بين الأزمة الإنسانية وتصفية الحسابات

أ. حسن القطراوي

لم  يرُق لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا للحكومة اللبنانية على ما يبدو موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس من الأزمة التي ما زالت متواصلة في شمال لبنان والتي على ما يبدو خطط لها طرف ثالث كما قال ذلك بصراحة شاكر العبسي زعيم تنظيم فتح الإسلام الذي ظهر مؤخرا والذي نفي بصراحة مهاجمه تنظيمه لقواعد الجيش اللبناني وإنما الأزمة افتعلت كما قال ليدفع بالجيش اللبناني لمقاتلة فتح الإسلام تنفيذا لمخططات دولية وإقليمية وداخلية تخص أطرافاً بعينها.

وأياً كان الطرف الثالث الذي تدور حوله الشبهات فقد قامت الحرب قل إن شئت بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام لكن الغريب في الأمر هو التهميش الواضح لمواقف حركة المقاومة الإسلامية حماس الفلسطينية التي أكدت على أن الحوار هو الذي يجب أن يسود الموقف بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام من باب المصلحة الوطنية العليا للشعبين الفلسطيني واللبناني ولما يربط الشعبين من قضايا مشتركة كان الحوار سيد الموقف في كثير منها حتى في تلك الأيام التي شهدت الحرب الأهلية بين الطوائف اللبنانية المسلحة والمنظمات الفلسطينية بقيادة فتح ” أبو عمار ” حيث شاب الفترة آنذاك ما شابها من فتور بين الفلسطينيين واللبنانيين انتهت بالحوار وتوقيع اتفاقية القاهرة والتي تقضي بسيطرة التنظيمات الفلسطينية على مخيماتهم فقط واحترام السيادة اللبنانية  .

بالحوار كانت كل القضايا اللبنانية الفلسطينية تلقى طريقها إلى الحل، واليوم أشيع وعلى لسان ممثل منظمة التحرير الفلسطينية السيد : عباس زكي  أن تنظيم فتح الإسلام ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالفلسطينيين وهي نفسها تلك التأكيدات التي استند إليها الكثير من السياسيين والأمنيين اللبنانيين في التعامل مع ملف تنظيم فتح الإسلام والسؤال المهم :

الى من استندت منظمة التحرير في تعريف تنظيم فتح الإسلام ؟

نعم كيف استطاعت منظمة التحرير جمع تلك المعلومات والتي أشاعتها على وسائل الإعلام والتي مفادها بأن تنظيم فتح الإسلام ليس تنظيماً فلسطينياً بحتاً؟ ولماذا أيدت منظمة التحرير عملاً عسكرياً ضد التنظيم قد يؤثر هذا العمل العسكري على 20الف فلسطيني بالمخيم بعد نزوح 20 ألف آخرين منه ثم لماذا تم تغييب لغة الحوار التي اقترحتها حماس على القيادة اللبنانية حاولت على مدار أيام تجنيب الفلسطينيين داخل المخيم ويلات الحرب أم انه كتب على الفلسطينيين في الداخل والشتات أن يقضوا ما شاء الله من أعمارهم بين أزيز الرصاص؟ الم يكن الأولى بمنظمة التحرير وهي الممثل الشرعي والوحيد كما تقول أن تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتجنيب الفلسطينيين التي هي تمثلهم ويلات الحروب .

ترابط عضوي :

إن ما يزيد الأمر تعقيدا في المخيم وما جعل من الحوار أمراً غير مطلوب في معضلة تنظيم فتح الإسلام هو الترابط العضوي على ما يبدو الذي يربط كل من فتح أبو عمار كبرى فصائل منظمة التحرير الحالية وهو التنظيم الأم الذي انفصل عنه تنظيم فتح الانتفاضة والتي سرعان ما استحكمت المشاكل التنظيمية بداخله والتي أدت إلى انفصال فتح الإسلام عن فتح الانتفاضة وبالتالي عن فتح أبو عمار بمعنى أن الأمر برمته لا يعدو كونه تصفية حسابات تنظيمية سياسية أكثر منها مشكلة أمنية تضر بالمصلحة اللبنانية أو تؤثر على السيادة لأراضيه هذه السيادة التي ما انفكت فرنسا وأمريكا تضرب عرض الحائط بها على مرأى اللبنانيين جميعهم من دون أن تنبس الحكومة ببنت شفه للحيلولة دون منع هكذا تدخلات فرنسية أمريكية ثم ذلك الدعم الأمريكي العسكري السريع وغير المعهود للحكومة ضد التنظيم وهو الدعم الذي لم نره إبان حرب تموز الأخيرة على لبنان والتي شنتها إسرائيل الصيف الماضي .

ليس بعد فإن تسميه التنظيم بفتح الإسلام يشعر فتح أبو عمار أو فتح الشرعية كما يصر قادتها على تسميتها بالإحراج الشديد بمعنى أن فتح الشرعية علمانية وتأخذ من العلمانية منهجاً فكرياً للمنتمين لها بيد أن فتح الإسلام تعتبر أن الحل في الإسلام وبالتالي فإنها تأخذ من العقيدة الإسلامية منهاجاً فكرياً لأعضائها ومنتسبيها وهو الأمر الذي أشعر الحكومة اللبنانية والإدارة الأمريكية بالخطر الشديد أيضا وهو ما نتج عنه عدم التفكير بالحوار مع التنظيم وبالتالي استخدام الحسم العسكري لمحاولة إنهاء هذا الملف وهو ما دعمته منظمة التحرير الفلسطينية .

موقف عقلاني :

لم ترد حماس في بداية الأمر أن تشعر الشعب اللبناني أو الحكومة اللبنانية أنها تقف موقف المؤيد من تلك الأعمال التي تستهدف الجيش اللبناني وبالتالي فإن موقف حماس كان منذ البداية هو إدانة الاعتداء على الجيش اللبناني من أي طرف كان  بمعنى أن حركة حماس لديها موقف معروف ينبع من احترام السيادة اللبنانية لأراضيها مع احترام الوجود الفلسطيني أيضا على أراضيها كوجود مؤقت إلى حين تمكين الفلسطينيين المهجرين من العودة إلى أراضيهم وبالتالي فإن الوجود الفلسطيني هو ” كضيوف” في الأراضي اللبنانية ولا يمكن أن تدعم أي اعتداء على المستضيف من أي طرف كان، مع ذلك ارتأت حماس كما يبدو على لعب دور الوسيط العقلاني لحل المشكلة بين فتح الإسلام والجيش اللبناني من دون الذهاب إلى حلول عسكرية قد ينتج عنها زيادة معاناة الفلسطينيين في المخيم من جهة وعدم استتباب في الأمن الداخلي للبنان من جهة أخرى لكن وعلى ما يبدو فإن منظمة التحرير الفلسطينية استفزها ذلك وعملت بكل قوة لتهميش حضور حماس على الأرض وفي الإعلام ما استطاعت لعدم الأخذ برؤيتها حتى لا تحسب نقطة لها على حساب منظمة التحرير وتكون في الوقت ذاته قد لعبت حماس دور المنظمة في المحافظة على الوجود الفلسطيني بالخارج ولكن في إطارها كحركة .
 
* كاتب وإعلامي فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات