السبت 10/مايو/2025

ازدواجية النظام السياسي الفلسطيني

د. محمد عطية عبد الرحيم
لكل دولة من الدول المستقلة نظامها السياسي الخاص بها والذي يرتبط بشكل كبير بميراثها الفكري والثقافي والأيدلوجي إلي حد بعيد؛ فهو ولا شك يكشف عن توجهات الأمة السياسة والاجتماعية والثقافية ولا يملى عليها من الخارج ويحتكم إليه في وقت الخلافات ولا يمكن لأحد أن يتجاوزه في هذه الدول الديمقراطية المستقرة. إذا هو نظام واحد ووحيد يرتضي جميع الفرقاء الاحتكام إليه وهو عنصر استقرار للأمة أيضا.
 
أما النظام السياسي الفلسطيني فهو خليط غريب ومتنافر وإقصائي إلي حد بعيد؛ فلدينا منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وهذه ازدواجية نكده وغريبة وتؤدي إلي الصراع بينهما ولا يوجد توافق بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية ومن هي التي تعبر عن الشرعية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطيني فالسلطة اكتسبت شرعيتها بالانتخاب الحر والمباشر بينما لا تتمتع منظمة التحرير بهذه الشرعية الانتخابية واستغلت هذه الازدواجية أسوأ استغلال وبشكل لا ينم عن حسن النوايا في كثير من الأحيان.

فمن الناحية القانونية تعتبر منظمة التحرير مسئولة عن السلطة الوطنية الفلسطينية وبذلك فهي سلطة أعلى بل يمكنها حل السلطة الوطنية الفلسطينية. و لقد مرت هذه العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة في مرحلتين مختلفتين أشد الاختلاف وكأننا أمام علاقة يقررها أفراد لا القانون ولا الشرعية:-

المرحلة الأولى:- تم فيها إلغاء دور منظمة التحرير السياسي ولم يكن لها دور في القرارات ولا في إدارة شئون الوطن سواء أكانت سياسة أو اقتصادية أو اجتماعية. فلم يكن هناك دور للدائرة السياسة ولا غيرها وكان يمثل الشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية وزير خارجية السلطة وكان يمنع رئيس الدائرة السياسة من تمثيل الشعب الفلسطيني سادت هذه الحالة طوال فترة حكم الزعيم الراحل ياسر عرفات وجزء كبير من فترة حكم خلفه أبو مازن وتقلص دور المنظمة حتى بدا أنها غير موجودة لدرجة أن السلطة الوطنية الفلسطينية هيمنت على الحياة السياسة والاقتصادية للفلسطينيين بل الأدهى أنه كان بوسع ضابط يعمل في أجهزة أمن السلطة أن يستدعي عضواً في اللجنة التنفيذية أو المجلس الوطني للتحقيق معه واستجوابه وأحيانا حبسه وأكبر دليل على ذلك هو حبس عضو اللجنة التنفيذية عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات الذي مكث طويلا في سجن أريحا بالرغم من إصدار المحكمة العليا بعدم شرعية اعتقاله وبالتالي إطلاق سراحه ولكن رئيس السلطة حينئذ رفض الامتثال لهذا القرار.

أما المرحلة الثانية:- وتتميز بإحياء دور منظمة التحرير وهذه المرحلة على حساب السلطة فأضحت بقدرة قادر كيانا شرعيا يمثل الشعب الفلسطيني ويتحكم في مفاصل القرار وساعد على ذلك ازدواجية المناصب فرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هو رئيس منظمة التحرير ويمكن له أن يمارس دورين مختلفين بينهما تناقض كبير. لقد حدث ذلك فقط عندما أسفرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية عن فوز حركة حماس بأغلبية ساحقة في المجلس التشريعي مما أظهرها قوة سياسة واجتماعية صاعدة ولكنها بنفس الوقت غير ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية. لماذا حدث هذا الأمر؟

ببساطة وكما أفهم بأنه كانت هناك علاقة غير مستقرة وغير متسقة بين المنظمة والسلطة فلم يكن هناك فرق بين السلطة والمنظمة لذلك تحكمت السلطة في المنظمة ولكن عندما أخرجت الانتخابات التشريعية حركة فتح من السلطة وهمشت دورها بحيث أصبحت في المعارضة ارتأى بعض قادة فتح وبدون حسن نية إحياء دور المنظمة لكي تمارس الحكم الذي خرجت منه نتيجة للانتخابات التشريعية وكأن لسان حالهم يقول إذا خرجنا من السلطة من الباب فسنعود إليه من النافذة وتتحكم في القرار الفلسطيني، وكأنهم تذكروا فجأة أن المنظمة مسئولة عن السلطة.

هذه الازدواجية النكدة هي التي في حال استمرارها ستكون الشرارة التي ستشعل فتيل الحرب الأهلية التي يلوح شبحها في الأفق إن لم يتدارك العقلاء والوطنيون هذه الأزمة في النظام السياسي ويتعالوا على مصالحهم الشخصية والحزبية لصالح الوطن والأمة فلا يمكن لهذه الازدواجية أن تستمر تحت أي ذريعة من الذرائع حتى تصبح المنظمة ممثلة لجميع الأطياف السياسة الحية للشعب الفلسطيني وليست حكرا على تنظيمات تعجز عن حشد طاقات هذا الشعب وأكبر مثال على ذلك تنظيم فدا الذي أخفق إخفاقا كبيرا في الانتخابات التشريعية المنصرمة بالرغم من أن قائده أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. أليس هذا عبثا ينبغي ألا يستمر؟؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات